الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقولة الثانية: الشروط التي يجب توافرها أثناء القتال
حينما تلجئ الضرورة حملة رسالة الحضارة الإسلامية المجيدة أن يقفوا موقف القتال، في مواجهة من ناصبوهم العداوة، وكادوهم، وكادوا دينهم، فإن للقتال شروطًا تلزمهم بها رسالتهم المقدسة.
بعد تحديد الغاية من القتال وإعداد العدة له، والتصميم على مباشرته دفعًا لعدوان المعتدين، وابتغاء نشر الدين القويم، وسعيًا للعمل في بناء الحضارة الإسلامية بناء واقعيًّا على أسسها الفكرية الراسخة، يجب على المقالتين في سبيل الله أن يتقيدوا بالمنهج التطبيقي الذي شرعه الله في القتال، وأن يلتزموا جميع الشروط التي أمر الله بها فيه، وأن ينتهوا عما نهى الله عنه.
وأجمل فيما يلي الشروط التي يجب توافرها في القتال اقتباسًا من القرآن المجيد، وهي ستة شروط:
الشرط الأول: وحدة الغاية
وذلك بأن تكون غاية المقاتلين واحدة، وهي بالنسبة إلى حملة رسالة الحضارة الإسلامية المجيدة ابتغاء مرضاة الله، بالعمل لنشر دينه، وإعلاء كلمته وبناء الحضارة المجيدة التي دفعهم إليها، بما أنزل في الإسلام من نصائح ووصايا وشرائع وأحكام.
ودليل هذا الشرط قول الله تعالى في سورة "التوبة: 9 مصحف/ 113 نزول" يخاطب المؤمنين".
وقول الله تعالى في سورة "الأنفال: 8 مصحف/ 88 نزول":
ففي آية "التوبة" يأمر الله بأن يكون الجهاد بالأموال والأنفس في سبيل الله، وهذا إلزام بتوحيد الغاية من الجهاد، وهي أن تكون في سبيل الله وحده.
وفي آية "الأنفال" يبين الله الغاية التي من أجلها أمر الله المؤمنين بالقتال، وهذه الغاية هي أن لا تكون في الأرض فتنة للمؤمنين من قبل الكافرين، وأن يكون الدين كله لله وحده، وما بينته هذه الآية نوع من التفصيل لما أجملته آية "التوبة".
الشرط الثاني: وحدة صف المقاتلين، وتماسك جماعتهم
وقد أمر الله بتحقيق هذا الشرط؛ لأن تفرق صفوف المقاتلين دون خطة مرسومة موحدة جامعة مبدد للقوى، موهن للعزائم، ممكن للعدو في أن يظفر بكل قسم على حدة.
وتتم وحدة صف المقاتلين بتنفيذهم الدقيق لأوامر قيادتهم الحربية الواحدة، وقد تقضي الخطة الحكيمة التي تضعها القيادة أن يقاتل بعض المقاتلين، ويتربص بعضهم؛ ويكون قسم منهم في الكمائن، وأن يداهموا العدو من عدة جبهات مختلفات الشكل متنوعات السلاح، إلى غير ذلك من خطط. وليس معنى وحدة صف المقاتلين أن يواجهوا عدوهم على طريقة الصف المتراص كتفًا بكتف؛ لأن ذلك قد يمكن العدو من حصدهم بالأسلحة النارية الحديثة بسرعة خاطفة.
ودليل هذا الشرط من القرآن قول الله تعالى في سورة "الصف: 61 مصحف/ 109 نزول":
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} .
الشرط الثالث: الاعتماد على الله في تحقيق النصر، وعدم الاغترار بالنفس:
وهذا الشرط مهم جدًّا لإحراز النصر، وذلك لأن الاعتماد على الله -مع ملاحظة أوامره بوجوب بذل قصارى الجهد لنيل تأييده ونصره- من شأنه أن يضاعف القوة، ويزيد من قدرات القتال، في نفوس حملة رسالة الحضارة الإسلامية المجيدة، الذين يمارسون الجهاد المقدس.
أما الاغترار بالنفس فإنه يفضي إلى الاستهانة بقوة العدو، ومع الاستهانة يحصل التهاون والتباطؤ والتواكل، وهذه من أبرز عوامل الخذلان ومسبباته.
ودليل هذا الشرط من القرآن الكريم قول الله تعالى في سورة "الأنفال: 8 مصحف/ 88 نزول":
وقول الله تعالى في سورة "التوبة: 9 مصحف/ 113 نزول":
الشرط الرابع: شدة البأس في القتال:
وتبدو لنا الأهمية البالغة لهذا الشرط متى لاحظنا أن شدة البأس في القتال تجعل قلوب الأعداء فريسة للجبن والخوف، ومتى وجد الخوف سبيله إلى القلوب انهارت قوى الهجوم، ثم تنهار من ورائها قوى المقاومة، ويفضل المقاتل حينئذ الفرار أو الاستسلام.
ودليل هذا الشرط من القرآن قول الله تعالى في سورة "الأنفال: 8 مصحف/ 88 نزول":
{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} .
فقوله تعالى: {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} يدل على الإلزام بإيقاع البأس الشديد في العدو المقاتل، حتى تنخلع قلوب الذين من خلفهم ذعرًا، فيشردوا ويفروا من وجوه المقاتلين من المسلمين، طلبًا للسلامة، وإيثارًا للعافية، ومخافة أن يقع بهم مثل هذا البلاء العظيم.
الشرط الخامس: الثبات والمصابرة وعدم تولية الأدبار، مع الاعتصام كئوس اليأس من الظفر، وبذلك تنهار قوته.
ويساعد على الثبات والمصابرة الاشتغال بذكر الله، والأمل بمدده المادي ومدده المعنوي.
ويدل على هذا الشرط من القرآن الكريم قول الله تعالى في سورة "الأنفال: 8 مصحف/ 88 نزول":
وقول الله تعالى في سورة "الأنفال" أيضًا:
الشرط السادس: طاعة القيادة وعدم التنازع في الأمر
ولهذا الشرط أهمية عظيمة لإحراز النصر، وذلك لأن فقد الطاعة يجعل القيادة غير قادرة على استعمال القوى من مواجهة العدو، وبذلك تتعطل القوى، أو تتصارع فيما بينها، أو تستعمل في غير صالح المعركة، وكل ذلك من أسباب الفضل الذريع، والهزيمة والخيبة.
وليس أن التنازع في الأمر واختلاف وجهات النظر في القتال يؤديان إلى هذه النتائج التي تسبب الفشل والهزيمة والخيبة.
وليس من شأن حملة رسالة الحضارة الإسلامية المجيدة والقائمين بواجب الجهاد المقدس العصيان أو التنازع.
ودليل هذا الشرط من القرآن الكريم قول الله تعالى في سورة "الأنفال: 8 مصحف/ 88 نزول":
وقول الله تعالى في معرض الحديث من غزوة أحد في سورة "آل عمران: 3 مصحف/ 89 نزول":
وبتحقيق هذه الشروط في القتال مع شروط إعداد العدة الكافية السابقة له، ومع تحديد الهدف منه كما أمر الله تعالى، يستطيع حملة رسالة الحضارة الإسلامية المجيدة أن يظفروا بالنصر كلما لاقوا عدوهم.
سنة الله ولن تجد لسنته تبديلًا، ولن تجد لسنة الله تحويلًا.