الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: تأسيس علمي النحو والصرف وتدوين المعجمات العربية
1-
دوافع التأسيس والتدوين:
لما بدأت بوادر اللحن تدب إلى ألسنة بعض أبناء العرب؛ بسبب كثرة اختلاطهم وامتزاجهم بالأعاجم الذين دخلوا في الإسلام، نتيجة الدعوة الإسلامية التي واكبت الفتوح، هب نوابغ من العلماء ذوي العقل والرشد من المسلمين لضبط اللغة العربية في متن مفرداتها، وقواعد تصريفها وما تدل عليه اختلاف الصيغ من المعاني، ولضبط حركات أواخر كلماتها باختلاف أحوال مواقعها من الجملة العربية.
وكان الهدف من هذا العمل حفظ واقع هذه اللغة الرفيعة بين اللغات، بصورتها الكاملة التي كانت عليه إبان المدة التاريخية التي أُنزل فيها القرآن، وعاش فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين للناس ما نُزِّل إليهم، وغرضهم من هذا الحفظ حفظ القرآن كما أنزل، وحفظ السنة المبينة له، وأن يكون ضبط أصولها وقوانينها وسيلة لفهم معاني القرآن والسنة فهمًا صحيحًا، وإدراك دلالات نصوصهما إدراكًا دقيقًا سليمًا مهما تعاقبت العصور.
وقد ذكر المؤرخون عدة روايات تاريخية حول دوافع هذا التأسيس:
الرواية الأولى: جاء فيها أن "عمر بن الخطاب" مر على قوم يسيئون الرمي، فقرعهم على ذلك، فقالوا له:"نحن قوم متعلمين" فساءه اللحن الذي وقع في كلامهم؛ إذ لم يقولوا: نحن قوم متعلمون، أكثر مما ساءه خطؤهم في الرمي، وأعرض مغضبًا وقال:"ولله لخطؤكم في لسانكم أشد على من خطئكم في رميكم".
الرواية الثانية: أرسل "أبو موسى الأشعري" وهو والي البصرة إلى الخليفة عمر بن الخطاب كتابًا ذكر فيه كاتبه: "من أبو موسى الأشعري" فلحن في هذا، وكان ينبغي أن يكتب:"من أبي موسى".
فكتب الخليفة "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه لأبي موسى: "عزمت عليك لما ضربت كاتبك سوطًا".
الرواية الثالثة: سمع أعرابي مؤذنًا يقول: "أشهد أن محمدًا رسولَ الله" ففتح لأم "رسول" بدل أن يضمها.
فقال هذا الأعرابي للمؤذن، ويحك يفعل ماذا؟
إن فتح اللام يجعل عبارة "رسول الله" صفة، وحينئذ تكون الجملة ناقصة لم يأت خبرها، فطلب الأعرابي الخبر بسليقته الأصلية، فقال له: ويحك يفعل ماذا؟
الرواية الرابعة: قدم أعرابي في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: من يقرئني شيئًا مما أنزل الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فأقرأه رجل من بداية سورة "براءة" حتى إذا وصل إلى قول الله تعالى فيها: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} فنطق الرجل المقرئ بها "ورسولِهِ" بكسر اللام بدل ضمها وهذا اللحن الفاحش يفسد المعنى إفسادًا كبيرًا؛ إذ يجعل الله بريئًا من رسوله، مع أن المراد أن الرسول بريء من المشركين، أيضًا، بمقتضى دلالة:"ورسولُهُ" في حالة ضم اللام.
فلما سمع الأعرابي من مقرئه ذلك، قال: أوقد برئ الله من رسوله؟ إن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه.
فبلغت مقالة الأعرابي أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" فدعاه فقال له: يا أعرابي أتبرأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقص عليه الأعرابي قصته، فقال عمر: ليس هذا يا أعربي، فقال: كيف هي يا أمير المؤمنين؟ فقال له عمر: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} برفع اللام.
فقال الأعرابي: وأنا والله أبرأ ممن برئ الله ورسوله منهم، فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا يقرئ القرآن إلا متقن للغة العرب، وأمر أبا الأسود الدؤلي أن يضع ضوابط اللسان العربي، وهو "أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي الكناني 1ق. هـ-69هـ" من أول واضعي علم
النحو، وكان معدودًا من الفقهاء والأعيان والأمراء والشعراء، وهو تابعي.
الرواية الخامسة: جاء أبو الأسود الدؤلي إلى زياد بن أبيه "1-53هـ" وهو أمير البصرة فقال له:
"إني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم، وفسدت ألسنتها، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون به كلامهم؟ ".
فقال له زياد: لا تفعل.
ثم جاء رجل إلى زياد، فقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا، وترك بنونا، بهذا اللحن الفاحش، بدل توفي أبونا وترك بنين.
فقال زياد مستنكرًا لهذا اللحن الفاحش: توفي أبانا وترك بنونا؟!!
ثم أمر بأبي الأسود الدؤلي أن يأتيه، فلما جاءه قال له:
"ضع للناس ما كنت نهيتك عنه".
ففعل ذلك أبو الأسود.
الرواية السادسة: رُوي عن أبي الأسود الدؤلي أنه قال: دخلت على أمير المؤمنين "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه، فوجدت في يده رقعة، فقلت: ما هذه يا أمير المؤمنين؟
فقال: إني تأملت كلام العرب، فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء "يعني الأعاجم" فأردت أن أضع شيئًا يرجعون إليه، ويعتمدون عليه، ثم ألقى إليَّ الرقعة وفيها:
"الكلام كله: اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبئ به، والحرف ما أفاد معنى".
وقال لي: أنح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك.
الرواية السابعة: روي أن أبا الأسود الدؤلي قالت له ابنته: ما أحسنُ السماءِ "برفع أحسن وجر السماء" فقال لها: نجومها، فقالت: إني لم أرد هذا،
وإنما تعجبت من حسنها، فقال لها: إذن فقولي: ما أحسنَ السماءَ، افتحي فاك، وحينئذ وضع علم النحو.
أقول: مهما يكن أمر هذه الروايات فإن مجموعها يحدد السبب الذي دفع المسلمين إلى وضع العلوم الضابطة للسان العرب، ألا وهو حرصهم على صيانة كتاب الله القرآن وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، من اللحن الذي يُفسد المعنى، ويَضيع به الدين، وذلك بعد تسرب اللحن إلى بعض أبناء العرب بسبب اختلاطهم بالأعاجم.
ومعظم الروايات تشير باهتمام بالغ إلى أبي الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي الكناني، وقد كان من سادات التابعين، وكان عاقلًا حازمًا سكن البصرة في خلافة عمر، وولي إمارتها في خلافة علي، وكان من أعلم أهل عصره بكلام العرب، وقد أخذ العلم عنه كثيرون، فمنهم ابناه عطاء، وأبو حرب، ومنهم نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، وقد توفي بالبصرة في الطاعون الجارف سنة "69هـ".
ويؤكد دور أبي الأسود الدوؤلي في وضع علم النحو ما ذكره ابن النديم في الفهرس مما شاهده بعينه، فقد ذكر في معرض حديثه عن خزانة كتب أطلعه عليها أحد جامعي الكتب، أنه كان في جملة ما فيها قمطر1 كبير، فيه قرابة ثلاثمائة رطل جلود فلجان2، وصكاك، وقرطاس مصري، وورق صيني، وبينها أربعة أوراق، قال: أحسبها من ورق الصين، ترجمتها "أي: العنوان المكتوب عليها": هذه فيها كلام في الفاعل، والمفعول، عن أبي الأسود رحمه الله عليه بخط يحيى بن يعمر، وتحت هذا الخط بخط عتيق، هذا خط علان النحوي، وتحته خط النضر بن شميل.
يقول ابن النديم: ثم لما مات هذا فقدنا القمطر.
1 القمطر: ما تصان به الكتب، كمحفظة من جلد، قال الشاعر:
وليس علمًا ما حوى القمطر
لكن علمًا ما حواه الصدر
2 فلجان: نوع من الجلود كان يكتب عليها.
لهذه الدلائل ذكر كثير من أهل العلم أن أبا الأسود الدؤلي هو أول من تكلم في علم النحو.
- قال ابن قتيبة في المعارف، لدى حديثه عن أبي الأسود الدؤلي:"وهو أول من وضع العربية" أي: العلم الضابط للعربية.
- وقال ابن سلام الجمحي: "أول من أسس العربية، وفتح بابها، وأنهج سبيلها، ووضع قياسها، أبو الأسود الدؤلي".
أما تعليل تسمية العلم الذي اشتمل على قواعد اللغة العربية وضوابطها باسم "علم النحو" فقد ذكر أهل العلم فيه وجهين:
الوجه الول: أنه سمي "علم النحو" لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأبي الأسود: أنح هذا النحو. لما دفع إليه الرقعة التي كتب فيها سيدنا علي: "الكلام كله: اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبئ به، والحرف ما أفاد معنى".
الوجه الثاني: أنه سمي "علم النحو" لأنه أبا الأسود كان كلما وضع بابًا، عرضه على سيدنا علي رضي الله عنه، فكان يقول له: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت.
والله أعلم.
2-
خطة العمل:
تعددت جوانب العلم الذي قام به نوابغ علماء المسلمين، لضبط اللسان العربي، فكان منها اتباع الخطة التالية:
العمل الأول:
استخدام طريقة الاستقراء، فالاستنباط والتعليل، فالقياس، مع وضع المصطلحات العلمية للنتائج التي توصلوا إليها، بعد جهد مضن، في عمل دائب، وصبر مديد.
فكان من نتائج هذا العلم، تقعيد قواعد اللسان العربي، ورسم قوانينه، وتمييز أساليبه، وتحديد ضوابطه التي ترتبط بها دلالات مفرداته وجمله وتراكيبه المختلفة.
وكان من ثمرات هذا العمل ابتكار علوم النحو والصرف والاشتقاق، وطائفة أخرى من البحوث المتعلقة بهذا الشأن، حتى صار لدى المسلمين كنز حضاري ثمين، ثم به ضبط لسان العرب، بصورة لا نظير لها في ألسنة الشعوب غير العربية.
العمل الثاني:
جمع مفردات هذا اللسان العربي، في عملية إحصاء واسعة النطاق، مع ضبطها، وتصنيفها بحسبه اشتقاقاتها، وتحديد معانيها، وتسجيل النتائج التي توصلوا إليها مرتبة مصنفة في المعجمات الصغرى والكبرى، مع تدعيم ما توصلوا إليه من نتائج بالشواهد من كلام العرب.
العمل الثالث:
جمع النصوص العربية التي تمثل آداب العرب، في شعرهم، ونثرهم، وحكمهم، وأمثالهم، ونوادرهم، وقصصهم، ونحو ذلك.
وتم هذا الجمع عن طريق رواية الشعر الذي يسمعه متتبعوا البحث، من شعراء العرب أنفسهم، أو من رواتهم له. وعن طريق رواية النثر مما يسمعه المتتبعون من رفيع كلام العرب، أو من رواتهم له، وفق منهج لم يتيسر لهم أفضل منه. وعن طريق التقاط الحكم والأمثال المتداولة بين العرب الذين لم يتسرب اللحن والتغيير إلى ألسنتهم.
وعلى هذا النسق كان جمع سائر نصوصهم، وقد أثمر هذا العمل ثمرات عظيمات ظهرت في دواوين الشعر العربية الأصول، وفي كتب الأمثال، وكتب الحكمة، وكتب أخبار العرب وقصصهم.
وكان للإسلام فضل عظيم على هذه الأمة وعلى لغتها، ولولا القرآن والإسلام لكانت اللغة العربية في عداد اللغات المندثرة منذ قرون.
3-
مرحلة نضج علمي النحو والصرف:
لم تطل المدة التي أخذ فيها علما النحو والصرف يتكاملان، حتى استوفيا حظهما من النضح؛ إذ تعهدهما بعد أبي الأسود الدؤلي علماء البصرة بالتنشئة والتربية حتى منتصف القرن الثاني للهجرة، ولم يستهل العصر العباسي إلا وهما يدرسان في البصرة والكوفة.
ثم أخذا يتسارعان بالنماء إلى مرحلة النضج على أيدي علماء مدرستين متنافستين:
- أركان إحداهما البصريون.
- وأركان الأخرى الكوفيون.
واستمر هذا التنافس قرابة نصف قرن، وما اقترب القرن الثاني الهجري من نهايته حتى كان علما "النحو والصرف" مندمجين علمًا شابًّا مترعرعًا قويًَّا، وبدأ ينضج ويكتمل، واستمر في هذا الطور حتى استوفى حظه من النضج في نحو نصف قرن آخر، على أيدي علماء البصرة، وعلماء الكوفة، في مدرستيهما المتنافستين، اللتين اجتمع شملهما وتوحدتا في بغداد منذ انتهى طور النضج.
ولم يبق في هذا العلم لمن وراء علماء البصرة والكوفة ممن جاء بعدهم من البغداديين، فالشاميين، والمصريين، والأندلسيين إلا البسط والترجيح، والتفسير والتعليل والتنقيح، وحسن الجمع والتصنيف، وبعض تحريرات وزيادات.
4-
لمحة عن الرواد:
بعد المؤسس الأول البصري أبي الأسود الدؤلي يبرز للباحثين المتتبعين من رواد علم العربية "نحوها وصرفها" الأعلام الذين أجمل الحديث عنهم فيما يلي:
1-
نصر بن عاصم الليثي "000-89هـ" كان من فقهاء التابعين، وعالمًا
بالعربية، وله كتاب في العربية، قيل: هو أول من نقط المصاحف.
2-
عنبسة الفيل، وهو "عنبسة بن معدان المهري المتوفى سنة "100هـ".
3-
أبو داود عبد الرحمن بن هرمز المعروف بالأعرج "000-117هـ" من موالي بني هاشم، حافظ، قارئ، وافر العلم، ثقة.
4-
أبو سليمان يحيى بن يعمر الوشقي العدواني "000-129هـ" قيل هو أول من نقط المصاحف، كان من علماء التابعين، عارفًا بالحديث والفقه ولغات العرب، ولد بالأهواز وسكن البصرة.
5-
عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، المتوفى سنة "117هـ".
جاء في كتاب "المزهر" للسيوطي: "عن قتادة قال: أول من وضع النحو بعد أبي الأسود يحيى بن يعمر".
وجاء فيه أيضًا: "وكان يقال: عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي أعلم أهل البصرة وأنقلهم، ففرع النحو وقاسه".
6-
أبو عمرو بن العلاء وهو زبان بن عمار التميمي المازني البصري ويلقب أبوه بالعلاء "70-154هـ" من أئمة اللغة والأدب وأحد القراء، قال أبو عبيدة: كان أعلم الناس بالأدب والعربية والقرآن والشعر. وقال الخليل: كان أبو عمرو سيد الناس، وأعلمهم بالعربية والشعر ومذاهب العرب.
7-
الأخفش الأكبر، أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد مولى قيس بن ثعلبة "000-177هـ" من كبار العلماء بالعربية، لقي الأعراب وأخذ عنهم، وهو أول من فسر الشعر تحت كل بيت.
8-
أبو سليمان عيسى بن عمر الثقفي بالولاء "000-149هـ" من أئمة اللغة، وهو شيخ الخليل وسيبويه وابن العلاء، وهو أول من هذب النحو ورتبه، وعلى طريقته مشى سيبويه، وهو من أهل البصرة، وقد أخذ عن أبي عمرو بن العلاء، وألف عيسى كتابين في النحو، أحدهما مبسوط سماه "الجامع". والآخر مختصر سماه "المكمل" وقد أشار الخليل في بعض شعره إلى هذين الكتابين بإطراء.
9-
أبو جعفر الرؤاسي الكوفي، أخذ عن علماء الطبقة الثانية من الرواد البصريين، ثم استقر في الكوفة، وتزعم مدرستها، وألف كتابه "الفيصل" وهو أول كتاب تداوله الكوفيون بينهم، وغلبت عليه الناحية الصرفية التي اهتم بها الكوفيون، وسبقوا فيها البصريين، حتى عدهم المؤرخون هم الواضعين لعلم الصرف.
قال السيوطي في كتابه "المزهر":
"وكان لأبي جعفر الرؤاسي عم يقال له: معاذ بن مسلم الهراء، وهو نحوي مشهور، وهو أول من وضع التصريف".
وقد أخذ الرؤاسي زعيم مدرسة الكوفة يناظر زعيم مدرسة البصرة في عصره: "الخليل بن أحمد الفراهيدي" ومنذ ذلك الوقت أخذ هذا العلم في طور الترقي والنمو، على أيدي علماء البصرة والكوفة.
10-
أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي "100-170هـ" من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، وله عدة كتب، منها كتاب "العين" في اللغة.
أخذ النحو عن "عيسى بن عمر" ثم طفق يتنقل بين عرب الحجاز ونجد وتهامة، ويستمع إلى أحاديثهم، ثم عاد إلى البصرة، واستجمع كل ما سمع، وكان له ذهن حاد، وذاكرة قوية، وعبقرية فذة، وقد أجمع الباحثون على أنه كان من أذكى العرب، مع ورع وزهد وتقوى، وقد تفتقت عبقريته عن ابتكار كثير من العلوم.
وقد أخذ علم النحو يرتقي وينمو بفضل عبقريته بشكل سريع، ظهر في كتاب تلميذه سيبويه.
11-
أبو عبد الرحمن يونس بن حبيب الضبي بالولاء "94-182هـ" علامة بالأدب، كان إمام نحاة البصرة في عصره، أخذ عنه سيبويه والكسائي والفراء وغيرهم.
قال أبو عبيدة: اختلفت إلى يونس أربعين سنة أملأ الواحي من حفظه.
قال ابن قاضي شهبة: هو شيخ سيبويه الذي أكثر عنه النقل في كتابه.
12-
أبو مسلم معاذ بن مسلم الهزاء "000-187هـ" أديب نحوي معمر، من علماء النحو في الكوفة.
13-
سيبويه، وهو عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء "000-180هـ" لقب "سيبويه"1 إمام النحاة، وأول من بسط علم النحو، ولد في إحدى قرى شيراز، وقدم البصرة، فلزم الخليل بن أحمد الفراهيدي، وفاقه في النحو.
صنف كتابه المسمى "كتاب سيبويه" في النحو، قالوا: لم يصنع قبله ولا بعده مثله، وقد ارتقى علم النحو فجأة بهذا الكتاب إلى قمة رفيعة أدهشت علماء العربية.
14-
أبو الحسن النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد المازني التميمي "122-203هـ" أحد الأعلام بمعرفة أيام العرب، ورواية الحديث، وفقه اللغة. ولد بمرو "من بلاد خراسان" وانتقل إلى البصرة مع أبيه.
15-
الأصمعي، وهو عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمعي الباهلي "122-216هـ" رواية العرب، وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان. وكان كثير التطواف في البوادي، يقتبس علومها، ويتلقى أخبارها، ويتحف بها الخلفاء، تصانيفه كثيرة، وأخباره كثيرة جدًّا، مولده ووفاته في البصرة.
16-
الكسائي، وهو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، الكوفي. إمام في اللغة والنحو والقراءة من أهل الكوفة ولد في إحدى قراها، وتعلم بها "000-189هـ" له تصانيف، منها "معاني القرآن" و"القراءات" ومختصر في النحو، وغيرها، أخذ عن أبي جعفر الرؤاسي، وكان عالم أهل الكوفة وإمامهم باتفاق.
ويأتي من دون هؤلاء من البصريين: الأخفش الأوسط المتوفى سنة "208هـ" وقطرب، وهو محمد بن المستنير المتوفى سنة "206هـ".
1 سيبويه: عبارة معناها بالفارسية: رائحة التفاح.
ويأتي من دونهم من الكوفيين: الفراء، المتوفى سنة "207هـ" وقد كان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي. واللحياني، أبو الحسن علي بن حازم المتوفى سنة "220هـ" وقد أخذ عن الكسائي وغيره.
5-
أبرز الأعلام الذين نضج علم العربية على أيديهم:
أما طول نضح علم اللغة العربية "نحوها وصرفها" فقد تم أيضًا على أيدي أعلام مدرستي البصرة والكوفة، فمنهم:
1-
أبو عثمان بكر بن محمد المازني المتوفى سنة "249هـ" من أهل البصرة.
2-
أبو الفضل العباس بن الفرج الرياشي البصري "177-257هـ".
3-
أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني "000-248هـ" من أهل البصرة، كان المبرد يلازم القراءة عليه، له نيف وثلاثون كتابًا، وكتبه فيها استقصاء وحسن وبيان.
4-
أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي الأزدي "157-224هـ" له مصنفات كثيرة، قال الجاحظ بشأنها: لم يكتب الناس أصح من كتبه، ولا أكثر فائدة.
5-
ابن السكيت، وهو أبو يوسف، يعقوب بن إسحاق بن السكيت "186-244هـ" إمام في الأدب واللغة، له عدة مصنفات، تعلم ببغداد، ومات فيها.
6-
المبرد: وهو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي "210-286هـ" إمام العربية ببغداد في زمنه، مولده بالبصرة، ووفاته ببغداد، له مصنفات كثيرة، منها "الكامل".
أخذ عن المازني وغيره، وبرع فبر أقرانه، ونبغ نبوغًا بارزًا.
7-
ثعلب، وهو أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد، المعروف بثعلب "200-291هـ" إمام الكوفيين في النحو واللغة في زمانه، له مصنفات كثيرة، كان ثقة أمينًا، وكان أعلم بالنحو من ابن السكيت.
ويلاحظ أنه لم يستهل النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، حتى كان علم اللغة العربية "نحوها وصرفها" قد أخذ طوره الأخير من النضج، ثم لم يبق لمن جاء بعد علماء القرن الثالث إلا التحسين والتريب وحسن التصنيف، والتعليلات المنطقية المتأثرة بالمنطق والفلسفة، وتطبيقات عملية، وترجيحات بين الأقوال.
وانطلق علماء اللغة العربية يصنفون المصنفات الكثيرات في هذا الميدان، منها المطولات، ومنها المختصرات، ومنها الشروح والحواشي والتعليقات والتقريرات، وشروح الشواهد، ثم ظهرت المؤلفات المبسطة التي ذللت سبيل المعرفة لطلاب هذا العلم.
وكان تأسيس علم اللغة العربية "نحوها وصرفها" عملًا حضاريًّا رائعًا مجيدًا، انفرد به المسلمون، وكان عملهم فيه معتمدًا على الاستقراء، والتعليل، وقياس الأشباه والنظائر بعضها على بعض، أخذًا من واقع لسان الأمة العربية القحة، التي لم تخالطها العجمة.
أما الاستقراء: فقد كان بجمع الجزئيات المختلفة، والنظر فيها لاستخلاص القواعد الكلية منها، وقد اعتمد علماء اللغة العربية فيه على السماع مباشرة من العرب الأصلاء في مختلف مجتمعاتهم، ثم على أقوال العرب الذين يُحتج بهم في اللغة من الذين سبقوا المدة التي تم بها الاستقراء، ومن الذين عاصروها، وتشمل هذه الأقوال الشعر والنثر والحكمة والأمثال السائرة والقصص والنوادر.
وكانت عملية الاستقراء التي سلكوها كافية لاستنباط القواعد والضوابط اللسانية التي تهيمن على هذه اللغة بوجه عام، ولو لم يكن استقراء شاملًا لكل الجزئيات.
وأما التعليل: فهو يعتمد بعد الاستقراء على التأمل الفكري في العلل والأسباب، التي جعلت واضع اللغة يربط اختلاف ظواهر النطق باختلاف المعاني التي يقصد إفادتها، حينما تضم الكلمات بعضها إلى بعض في نطق متتابع.
وأما القياس: فهو عمل فكري ذو وجهين:
الوجه الأول: الحكم على كل مثال مستحدث مناظر للأمثلة التي استخلصت منها القاعدة، بضرورة التزام مضمون القاعدة فيه، فمثلًا: كل فاعل يصاغ في أية جملة عربية يجب أن يكون مرفوعًا، وكل مفعول به يجب أن يكون منصوبًا.
الوجه الثاني: يكون بقياس الأشباه والنظائر بعضها على بعض، وإعطائها مثل أحكامها، ولو لم يثبت بالسماع أن العرب قد استعملوها بأعيانها، وإنما استعملوها بنظائرها.
ومن هذا جميع القواعد القياسية في أسماء الفاعل والمفعول والزمان والمكان، وكذلك التصريفات والجموع ونحوها.
6-
مقدمة حول تدوين مفردات اللغة العربية في المعجمات:
كما اتجه المسلمون لضبط قواعد اللسان العربي ورسم قوانينه وتمييز أساليبه، اتجهوا أيضًا لجمع مفردات هذا اللسان العربي، في عملية إحصاء واسعة النطاق، عن طريق الاستقراء، بتتبع الكلمات العربية، وكيفية النطق بها، وما تحمل من دلالات، ثم عن طريق القياس في المشتقات إذا توافرت شروط القياس الصحيح.
وتطلب هذا العمل الحضاري العظيم تتبعًا مضنيًا وجهودًا كبيرة جدًّا، والسبب الأول الذي دعا علماء المسلمين إلى القيام بهذا العمل الجليل المضني، هو حرصهم على ضبط الأصول اللغوية التي بها يفهم القرآن الكريم، وبها تفهم السنة النبوية، وبها يمكن استنباط ما يتضمنان من معاني وتوصيات وأحكام.
ونظرًا إلى أن القرآن المجيد قد اصطفى الله عز وجل فيه أجود ما لدى القبائل العربية من مفردات، ليكون عنصرًا من عناصر إعجازه البياني، وليكون له أثر في جمع شمل العرب على الإسلام، وجدنا أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفون معاني بعض المفردات الواردات في القرآن، ومن أمثلة هذا ما يلي:
1-
سأل الخليفة الراشد "عمر ابن الخطاب" رضي الله عنه وهو على المنبر عن معنى "التخوف" في قوله الله عز وجل في سورة "النحل: 16 مصحف/ 70 نزول":
{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
فسكت المسلمون وفيهم جمع كبير من أقحاح العرب من قريش وغيرها، ثم قام شيخ من هذيل، فقال: هذه لغتنا، التخوف: التنقص.
قال عمر: فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟
قال الهذلي: نعم، قال شاعرنا زهير:
تخوف الرحل منها تامكًا قردًا
…
كما تخوف عود النبعة السفن
التامك: سنام الناقة. قردًا: أي متجعد الوبر. عود النبعة: أي: عود شجرة تنبت في قلل الجبال، تتخذ منها القسي والسهام.
السفن: كل ما ينحت به الشيء ويلين به، كالفأس، والقدوم، والحجر الخشن، والمبرد.
والمعنى: تنقص الرحل بثقله من الناقة سنامًا متجعد الوبر، كما تنقص عود النبعة ليكون قوسًا أو سهمًا صالحًا فأس أوقدوم أو نحوهما.
وعن أبي بكر بن الأنباري قال: أتى أعرابي إلى ابن عباس فقال:
تخوفني مالي أخ لي ظالم
…
فلا تخذلين المال يا خير من بقي
فقال ابن عباس: تخوفك، تنقصك؟
قال الأعرابي: نعم.
قال ابن عباس: الله أكبر {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} أي: على تنقص من خياركم.
2-
ورُوي أن "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه سئل: ما الأب؟ في قوله الله عز وجل في سورة "عبس: 80 مصحف/ 24 نزول":
{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} .
فلم يعرف معنى هذه الكلمة؛ لأنها لم تكن متداولة في مكة، ولا في القبائل من حولها، وهي في فصيح كلام العرب ما تنبته الأرض من نباتها مما تأكله الأنعام.
3-
وروي أن "عبد الله بن عباس" رضي الله عنهما سئل عن معنى "فاطر" فلم يعرف؛ لأن هذه الكلمة لم تكن متداولة في قريش ومن حولهم، وهي في فصيح كلام العرب بمعنى "خالق بأسلوب إخراج الشيء من باطنه".
4-
وروي أن أبا بكر رضي الله عنه سئل عن معنى "الكلالة" في قول الله عز وجل في سورة "النساء: 4 مصحف/ 92 نزول":
فلم يعرف معناها؛ لأنها لم تكن متداولة في لسان القرشيين، ومن حولهم، والكلالة: أن يموت المرء وليس له والد أو ولد يرثه، بل يرثه ذوو قرابته.
إلى غير ذلك من أمثلة.
وقد كانت الدواعي الملحة تفرض على الأكفياء من أهل البحث والتتبع من المسلمين، أن يلموا شتات هذه اللغة الموزعة في قبائل العرب، ويجمعوا شملها، ويدونوها، ويضبطوا نطقها، ويحددوا معانيها، ويقدموا حصائل جهودهم في مؤلفات ومصنفات مختلفات الإشكال، ومتعددات الطرق، ثم في معجمات ضخمة محررة مدققة، خدمة للإسلام رسالة العرب والناطقين باللسان العربي للناس أجمعين.
ونظرة فاحصة تتبع العمل الجليل الذي قام به بناة الحضارة الإسلامية، لوضع كتب اللغة العربية ذات المناحي المختلفة، ووضع المعجمات الكبرى، تكشف مبلغ الجهد المضني الذي قام به المسلمون، لجمع شتات مفردات اللغة العربية، وضبط معانيها، مقرونة بالشواهد عليها، خدمة لكتاب الله وسنة رسوله. وخدمة لدين الإسلام الذي جعل الله صيغته الأخيرة المصونة ما أنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين.
ولا شك أن هذا العمل قد كان من روائع التأسيس الحضاري الذي قام به المسلمون.
وتبدو أهمية هذا العمل لفهم كتاب الله وسنة رسوله حينما ندرك المغزى الذي دلت عليه الروايات التاليات:
1-
روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله رجعنا إلى الشعر، فالتمسنا معرفة ذلك منه".
وأنه قال: "إذا تعاجم شيء من القرآن فانظروا في الشعر، فإن الشعر عربي".
2-
وأخرج أبو بكر بن الأنباري بسنده عن عمر بن الخطاب أنه قال: "لا يُقرئ القرآن إلا عالم باللغة".
3-
وروي عن ابن سيرين أن "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه قال: "كان الشعر علم القوم، ولم يكن لهم علم أصح منه، فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب بالجهاد وغزو فارس والروم، ولهت عن الشعر وروايته، فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح، واطمأنت العرب في الأمصار، راجعوا رواية الشعر، فلم يؤولوا إلى ديوان مدون، ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك، وذهب عنهم كثيرة". ا. هـ.
4-
وذكر السيوطي في الإتقان، أن نافع بن الأزرق، ونجدة بن عويمر، سألا ابن عباس مسائل كثيرة في التفسير، واشترطا عليه أن يؤيد كل كلمة بشاهد من كلام العرب، فكان ابن عباس عند شرطهما.
7-
حركة تدوين مفردات اللغة العربية في المعجمات:
أولًا: كان المنطلق لتدوين مفردات اللغة العربية في المعجمات جمع غريب المفردات العربية الواردة في القرآن الكريم، وشرح معانيها، وبيان أصولها اللغوية، وشواهدها من كلام العرب.
وينسب إلى ابن عباس مدونة تجمع غريب القرآن، ولعلها من جمع من رووا عن ابن عباس.
ويذكر المؤرخون أن أبان بن تغلب بن رياح الجريري "000-141هـ" من أهل الكوفة، ومن غلاة الشيعة، قد ألف كتابًا في "غريب القرآن" وذكر شواهد من أشعار العرب.
وتبع هذا جمع غريب المفردات العربية الواردة في السنة النبوية.
ثانيًا: وليس غريبًا أن يكون الجمع في أول الأمر حشدًا عامًّا من غير تصنيف ولا ترتيب، أو جمعًا للمفردات التي تتناول موضوعات معينة لإحصاء الكلام العربي المتعلق بها، كالخيل، والنخيل، والإنسان، والنحل، وأسماء المواضع والمياه والإبل، ونحو ذلك، أو بيانًا للمفردات التي تحتاج إلى تفسير في القرآن والسنة.
ثالثًا: ولما كانت أعمال الجمع اللغوي أعمالًا فردية تولاها عشاق البحث والمعرفة، كان من الطبيعي فيها أن تسير وفق سلسلة من التطور والترقي، حتى انتهت هذه الأعمال بذخائر عربية ضخمة، فيها إحصاء وتصنيف مصحوبان بالضبط وشرح المعنى، وبالترتيب الذي يسهل على الباحث مراجعة أي كلمة عربية يريدها.
رابعًا: واقترن بهذا العمل جمع آداب العرب المختلفة. وشرح غريبها.
خامسًا: ونشط الباحثون من علماء المسلمين في جمع المصنفات ذوات الطابع اللغوي نشاطًا واسعًا وكبيرًا.
1-
وأول من ألف في الخيل، وخلق الإنسان "أبو مالك عمرو بن كركرة" الأعرابي، صاحب النوادر، وأحد شيوخ الخليل بن أحمد الفراهيدي.
2-
وألف "النضر بن شميل 122-203هـ" كتابًا في خلق الفرس.
3-
وألف "أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني 94-206هـ" كتابًا في النحل والعسل. وكذلك الأصمعي "122-206هـ".
4-
أما غريب القرآن وغريب الحديث، فقد كثرت فيهما التصانيف.
سادسًا: ثم شهد القرن الثاني للهجرة أولى الخطوات المحكمات في جمع مفردات اللغة العربية، وضبط ألفاظها، وتحديد معانيها، وتنامت هذه الحركة في القرون التالية تناميًا واسعًا.
1-
ويظهر أن "الخليل بن أحمد الفراهيدي 100-170هـ" كان صاحب مجد السبق إلى هذا العمل المجيد، فقد كان رجل اللغة العربية، وعبقريها، ومبتكر كثير من علومها، وقد حاول أن يحصر اللغة العربية حصرًا عقليًّا، وألف في هذا كتابًا سماه "العين" ملاحظًا أن حرف العين هو أول حرف يخرج من الحلق من حروف اللغة، وتبلغ صفحات هذا الكتاب قرابة "2500" صفحة، جمع فيه كثيرًا من لغة العرب، بطريقة مبتكرة لم يسبقه إلى مثلها سابق.
وكان المنهج الذي سلكه الخليل منهجًا رصينًا، إلا أنه صعب جدًّا، ويحتاج إلى عباقرة أمثال الخليل يتابعون العمل حتى ينجزوه، وقد ألف تلميذه "النضر بن شميل" كتابًا سمكاه "المدخل إلى العين".
2-
وممن كانت له الريادة في هذا المجال: "إسحاق بن مرار الشيباني بالولاء 94-206هـ" وهو كوفي نزل بغداد. وقد وصف بأنه من أعظم الناس علمًا باللغة والشعر، وكان صدوقًا فاضلًا، روى عنه الإمام أحمد بن حنبل، وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهما. ومما وصف به أنه جمع أشعار نيف وثمانين قبيلة من العرب ودونها.
وقد كان من السابقين إلى جمع مفردات اللغة العربية، وضبط ألفاظها وتحديد معانيها، فقد ألف كتابًا في اللغة سماه "الجيم".
وله كتب أخرى في هذا المجال، منها كتاب في "غريب الحديث" وكتاب "النوادر الكبير".
3-
ومنهم: "أبو عبيدة النحوي معمر بن المثنى البصري 110-209هـ" فقد ألف في غريب القرآن وغريب الحديث، وله نحو "200" مؤلف.
4-
ومنهم "أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي الأزدي الخراساني البغدادي 157-224هـ" من كتبه "الغريب المصنف" وكتاب "غريب الحديث" ألفه في نحو أربعين سنة، وله مصنفات كثيرة.
وجاء في ترجمته أن الناس رووا من كتبه المصنفة نيفًا وعشرين كتابًا في التفسير والفقه واللغة.
5-
ومنهم: "كراع النملة أبو الحسن علي بن الحسن الهنائي الأزدي
…
-بعد 309هـ" مصري له كتب متعددة في اللغة العربية.
6-
ومنهم: "ابن دريد، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، من أرد عمان من قحطان 223-321هـ" ولد بالبصرة، وبها نشأ وتعلم ونبغ في علوم اللغة العربية، حتى صار علمًا من أعلامها، له مصنفات كثيرة في اللغة العربية وعلومها، منها "الاشتقاق" و"أدب الكتاب" وله كتاب "الجمهرة" وهو أحد المعجمات العربية الكبيرة، التي تعتبر من أمهات الكتب الولى، وقد ربته على حروف المعجم، ونهج فيه منهج من سبقه من رواد هذا الميدان الحضاري.
7-
ومنهم: "الفارابي، أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الحسين الفارابي 000-نحو 350هـ" من أهل "فاراب" وراء نهر سيحون، انتقل إلى اليمن، وأقام في "زبيد" وتوفي فيها.
وهو خال الجوهري، وفي زبيد ألف كتابه "ديوان الأدب". وعرفه بقوله:"ميزان اللغة ومعيار الكلام" ويعتبر هذا الكتاب أحد المعجمات الرائدة في مفردات اللغة العربية.
8-
ومنهم: "الأزهري"، "أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي 282-370" أحد الأئمة في اللغة والأدب، وقد كان إمامًا عظيمًا من أئمة اللغة، وحجة من حججها، ألف في مفردات اللغة كتابه المشهور "تهذيب اللغة" وهو كتاب يمتاز بالدقة والتحري في الأخذ، اتبع فيه طريقة الخليل بن أحمد في كتابه "العين".
9-
ومنهم: "الصاحب بن عباد، أبو القاسم إسماعيل بن عباد بن العباس الطالقاني 326-385هـ" وزير غلب عليه الأدب، فكان من نوادر الدهر علمًا وفضلًا وتدبيرًا وجودة رأي.
ألف كتبًا كثيرة، منها في ميدان اللغة كتاب:"جوهرة الجمهرة" وكتاب "المحيط" وهذا الكتاب معجم لغوي كبير، اتبع فيه مدرسة الخليل في كتابه "العين" وقد امتاز معجم الصاحب بن عباد بكثرة المواد اللغوية التي جمعها فيه، إلا أنه أغفل الشواهد من كلام العرب.
10-
ومنهم: "ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي 329-395" من أئمة اللغة والأدب، ألف في اللغة كتابًا منهجًا لم يسبق إليه؛ إذ آخر سماه "مقاييس اللغة" وقد نهج في هذا الكتاب منهجًا لم يسبق إليه؛ إذ أخذ يرد كل مادة من مواد اللغة إلى أصولها المعنوية المشتركة، فلا يكاد يخطئه التوفيق.
11-
ومنهم: "الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري
…
-393هـ" كان إمامًا في اللغة والأدب، وقد ترك الجوهري أثرًا عظيمًا خدم فيه اللغة العربية خدمة عظيمة هو كتابه: "تاج اللغة وصحاح العربية" وهو المشهور بالصحاح. وقد رتبه لأول مرة في تاريخ المعجمات بحسب تسلسل حروف الهجاء، معتمدًا فيه أواخر الكلمات، وجعل لكل حرف بابًا، ثم رتب الكلمات المنتهيات بحرف واحد وفق تسلسل حروف الهجاء، والتزام الجوهري في كتابه الصحيح، واقتصر عليه، حسبما وصل إليه اجتهاده في التحقيق اللغوي.
وكان عمل الجوهري فتحًا جديدًا في ميدان المعجمات العربية، وظاهرة حضارية ميسرة في جانب من جوانب المعرفة.
12-
ومنهم "أبو علي القالي، وهو إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون القالي 288-356هـ" أحفظ أهل زمانه للغة والشعر والأدب، ولد في أرمينية، وطلب العلم في بغداد، ثم رحل إلى الأندلس. أخذ العلم عن كثير من أئمة اللغة والنحو. وقد ألف عدة مؤلفات في العربية، ومن أشهر مؤلفاته كتاب "النوادر" وكتاب "المالي" ومن مؤلفاته معجم في العربية سماه "البارع" وهو من أوسع كتب اللغة.
13-
ومنهم "البرمكي، وهو أبو المعالي بن تميم البرمكي اللغوي" من أعلام القرن الرابع الهجري.
تلقف البرمكي كتاب "الصحاح" للجوهري، فزاد عليه قليلًا، وابتكر طريقة في تربيته غير طريقة الجوهري، وهذه الطريقة تعتمد على تسلسل الكلمات اللغوية، وفق تسلسل حروف الهجاء، اعتبارًا من أول حرف أصلي في الكلمة، فما بعده فالذي يليه حتى آخر الكلمة، وهي الطريقة التي أخذت بها جميع المعجمات الحديثة العربية وغير العربية لسهولتها. وسمى البرمكي كتابه "المنتهى".
14-
ومنهم "ابن سيده، وهو أبو الحسن علي بن إسماعيل الأندلس 398-458هـ" ولد بمرسية "في شرق الأندلس" وانتقل إلى دانية، وتوفي فيها. كان ضريرًا، ونبغ في في آداب اللغة ومفرداتها، فصنف كتاب "المخصص" يقع في سبعة عشر جزءًا، وهو من أثمن كنوز العربية، وكتابًا آخر سماه "المحكم والمحيط الأعظم" إلى غيرهما من الكتب.
قال السيوطي في كتابه "المزهر": "وأعظم كتاب ألف في اللغة بعد عصر الصحاح كتاب "المحكم والمحيط الأعظم" لأبي الحسن علي بن سيده الأندلسي الضرير".
وقال "ابن منظور" في مقدمة معجمه العظيم: "لسان العرب": "ولم أجد في كتب اللغة أجمل من "تهذيب اللغة" لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، ولا أكمل من "المحكم" لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده الأندلسي، وهما من أمهات كتب اللغة على التحقيق".
498-
ومنهم الزمخشري، وهو جار الله أبو القاسم محمود بن عمر بن أحمد الخوارزمي الزمخشري 467-538هـ ولد في "زمخشر" من قرى خوارزم، وسافر إلى مكة فجاور بها زمنًا فلقب بجار الله.
كان من أئمة العلم في التفسير، وعلوم اللغة العربية وآدابها، ومن أشهر كتبه "الكشاف" وهو كتاب في تفسير القرآن.
ومن مصنفاته في اللغة كتاب "أساس البلاغة" وهو كتاب نفيس يرشد إلى معنى الكلمة ومحلات استعمالها في كلام العرب، وكتاب "الفائق" في غريب الحديث، وغير ذلك.
16-
ومنهم رضي الدين الصاغاني، وهو "الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري الصاغاني الحنفي 577-650" أعلم أهل عصره في اللغة، ولد في لاهور "بالهند" ونشأ بغزنة "من بلاد السند" ودخل بغداد، ورحل إلى اليمن، وتوفي ودفن ببغداد.
له تصانيف كثيرة منها كتاب "العباب" ولم يتمه، قال الفيروزآبادي صاحب "القاموس المحيط" في مقدمة كتابه، متحدثًا عنه وعن المحكم لابن سيده، "فهما غرتا الكتب المصنفة في هذا الباب، ونيرا براقع الفضل والآداب" وله كتاب "التكملة" جعله تكملة لصحاح الجوهري، وكتاب "الشوارد في اللغات" وغيرها.
17-
ومنهم "أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن علي بن منظور الإفريقي المصري الأنصاري الخزرجي 360-711هـ" الإمام اللغوي الحجة، من نسل رويفع بن ثابت الأنصاري، ترك بخطه نحو خمسائة مجلد.
له مصنفات كثيرة، من أشهرها في كتب اللغة كتابه "لسان العرب" وهو معجم في اللغة غني عن التعريف، يأتي في عشرين مجلدًا، ويعتبر هذا المعجم درة من درات المعجمات العربية، التي تزدان بها المكتبة العربية الإسلامية الكبرى، وقد جمع فيه أمهات كتب اللغة.
18-
ومنهم: "مجد الدين الفيروزآبادي، وهو أبو طاهر محمد بن
يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر 729-817هـ" من أئمة اللغة والأدب، ولد بكارزين من أعمال شيراز، وانتقل إلى العراق، وجال في بلاد كثيرة ثم رحل إلى "زبيد" سنة "796هـ" وولي قضاءها، حتى كان مرجع عصره في اللغة والحديث والتفسير، له مصنفات كثيرة.
ومن أشهر مصنفاته في اللغة معجمه المعروب بـ"القاموس المحيط" وقد اعتنى به المؤلفون فيما بعد عناية فائقة، لم يحظ بمثلها غيره من المصنفات في اللغة، فمن شارح له، ومن متتبع ناقد، ومن متمم لما فاته، إلى غير ذلك.
ويذكر الفيروزآبادي في مقدمة قاموسه المحيط، أنه قد صنف قبله كتابًا في اللغة كبيرًا جاء في ستين مجلدًا، سماه "اللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب" أي: الجامع بين "المحكم" لابن سيده، "والعباب" للصاغاني، ثم اختصره في كتابه:"القاموس المحيط" فلخص كل ثلاثين سفرًا في سفر؛ إذ حذف الشواهد، وطرح الزوائد.
ومن أشهر شروح "القاموس المحيط" كتاب "تاج العروس من جواهر القاموس" وهو عشرة مجلدات، ومؤلفه "مرتضى الزبيدي، وهو أبو الفيض محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسني الزبيدي 1145-1205هـ" علامة باللغة والحديث والرجال والأنساب، ومن كبار المصنفين.
أصله من واسط في العراق، ومولده بالهند، ومنشأه في زبيد باليمن، له مؤلفات ومصنفات كثيرة.
وبعد هذا البيان الموجز أقول: إن ما قدمه المسلمون من عمل حضاري في ميدان اللغة العربية، مما يعسر إحصاؤه، يدل الباحث المنصف على مبلغ الجهد الحضاري الرفيع الذي أحرزه المسلمون في هذا الميدان، والذي خدموا به اللغة العربية صيانة للقرآن المجيد، وسنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ليقدموا الإسلام للعالمين صافيًا نقيًّا مصونًا من التحريف والتغيير في مفهومات نصوصه المصادر.
وبكثير من الألم الممض، والحسرة على كنوزنا الحضارية، نذكر ما جنته أيدي الغزاة التتار، في منتصف القرن السابع الهجري، حين هجمت قبائلهم
الهمجية على بلاد المسلمين، وعواصم حضارتهم العلمية والعملية، فأخذت تقوض منجزاتهم الحضارية، وتخرق وتغرق وتتلف نفائس كتب العلم والمعرفة التي ألفوها، وكدح أفذاذ منهم في تصنيفها عبر ستة قرون.
8-
تأسيس علوم البلاغة "المعاني والبيان والبديع":
خدمة للقرآن كتاب الله المجيد، وحرصًا على إبراز بعض جوانب إعجازه البياني، اجتهد علماء المسلمين بحثًا، وتنقيبًا، واستخراجًا، حتى وضعوا علوم البلاغة الثلاثة:"المعاني، والبيان، والبديع".
وما يزال الباحثون يبحثون ويستخرجون، ويكتشفون من عناصر إعجاز القرآن البياني ما لم يكتشفه السابقون.
على أن كتاب الله عز وجل أوسع من أن يحصى كل عناصر إعجازه البياني الباحثون والمستخرجون والمكتشفون، مهما اجتهدوا ونقبوا؛ لأن كثيرًا من عناصر الجمال تدرك بالحسن الجمالي، ولا يستطاع تحديدها والتعبير عنها، ولا اكتشاف عناصرها.
وسيظهر في كل عصر من جوانب إعجاز القرآن البياني روائع ما توصل السابقون إلى اكتشافها واستخراجها، فهو كتاب لا تفنى عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد، كما جاء وصفه في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكان المهتمون باستخراج مسائل علم المعاني أئمة علماء النحو والأدب، وهذه المسائل منثورة في كتب النحو وكتب الأدب الكثيرة.
وذكر علماء البلاغة أن أول من دون مسائل علم البيان أبو عبيدة "معمر بن المثنى" التيمي بالولاء، من أهل البصرة، كان من أئمة العلم بالأدب واللغة، ولادته ووفاته "110-209هـ". وظهر هذا في كتابه "مجاز القرآن".
وتبعه الجاحظ، وهو "عمرو بن بحر" لقب بالجاحظ لجحوظ عينيه وبروزهما، كناني بالولاء وهو كبير أئمة الأدب، معتزلي من أهل البصرة، ولادته ووفاته "163-255هـ".
ثم ابن المعتز، وهو "عبد الله بن محمد المعتز بالله بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد" ولادته ووفاته "247-296هـ".
ثم "قدامة بن جعفر" وهو بغدادي، كاتب، يضرب به المثل في البلاغة، توفي سنة "337هـ" له مؤلفات منها:"نقد الشعر" وكتاب "الرد على ابن المعتز فيما عاب به أبا تمام".
ثم أبو هلال العسكري، وهو "الحسن بن عبد الله العسكري" عالم بالأدب، وله شعر، ألف مؤلفات كثيرات، توفي بعد سنة "395هـ".
ثم جاء الشيخ عبد القاهر الجرجاني، وهو "أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني" واضع أصول البلاغة، كان من أئمة اللغة، توفي سنة "471هـ".
وذكر علماء البلاغة أن أول من دون في علم البديع:
1-
"عبد الله بن محمد المعتز بالله" الآنف الذكر؛ إذ جمع ما اكتشفه في الشعر من المحسنات البديعية، وكتب فيه كتابًا جعل عنوانه:"البديع".
وجاء من بعده من أضاف أنواعًا أخرى، منهم على ما ذكر البلاغيون:
2-
"جعفر بن قدامة" المتوفى سنة "391هـ" أديب بغدادي، له مصنفات في صنعة الكتابة، ومن مؤلفاته:"نقد قدامة" ذكر فيه ثلاثة عشر نوعًا من أنواع البديع، إضافة إلى ما سبق أن اكتشفه من قبله "عبد الله بن محمد المعتز بالله العباسي".
3-
ثم "أبو هلال العسكري" الآنف الذكر، فقد جمع سبعة وثلاثين نوعًا من أنواع البديع.
4-
ثم "ابن رشيق الحسن بن رشيق القيرواني 390-463هـ" وهو أديب، نقاد، باحث، ولد في "المسيلة" بالمغرب، ورحل إلى القيروان، فقد جمع في كتابه:"العمدة" قرابة سبعة وثلاثين نوعًا من أنواع البديع.
5-
ثم "شرف الدين أحمد بن يوسف القيسي التيفاشي 580-651هـ" من أهل تيفاش "من قرى قفصة بإفريقية" تعلم بمصر وولي القضاء ببلده، له عدة مؤلفات.
6-
ثم "عبد العظيم العدواني، المشهور بابن أبي الإصبع 595-654هـ" البغدادي، ثم المصري، شاعر من العلماء بالأدب، له تصانيف حسنة، منها كتابه "بديع القرآن" فقد أوصل أنواع البديع إلى تسعين نوعًا.
7-
ثم "صفي الدين عبد العزيز بن سرايا السنبسي الطائي الحلي 677-750هـ" وهو معروف باسم "صفي الدين الحلي" ولد في الحلة "بين الكوفة وبغداد" فأوصل أنواع البديع إلى مائة وأربعين نوعًا، يمكن جمع بعضها في بعض.
8-
ثم "عز الدين علي بن الحسين الموصلي
…
-789هـ" شاعر أديب، من أهل الموصل، أقام مدة في حلب، وسكن دمشق وتوفي بها. هل مؤلف سماه "بديعية" وشرحه، فذكر في كتابه ما ذكر "صفي الدين الحلي" وزاد زيادة يسيرة من ابتكاره.
وكانت علوم البلاغة الثلاثة من نفائس الابتكارات، التي استخرج قواعدها وأصلها علماء الأدب المسلمون، ذوو الأذواق الأدبية الرفيعة بلسان العرب، اللسان الذي اصطفاه الله جل جلاله، لإنزال القرآن المجيد به، وهو خاتمة كتبه للناس أجمعين.
فمن حق الحضارة الإسلامية أن تفتخر بابتكار علوم البلاغة "المعاني، والبيان، والبديع".