الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقولة الرابعة: الجهاد بالقتال في تاريخ بناة الحضارة الإسلامية
حدثنا التاريخ عن الجهاد الصادق المقدس بإعداد القوة المادية واستخدامها، في القتال الذي قام به حامل لواء الحضارة الإسلامية الأول، رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، والمسلمون معه، وذلك منذ هجرته حتى رحلته الأخيرة إلى جوار الله، وكان بهذا الجهاد المقدس ظهور الإسلام واستعلانه، وشق الطريق الطويلة لبناء الحضارة الإسلامية المجيدة، بناء واقعيًّا على أسسها الفكرية الراسخة.
وحدثنا التاريخ أيضًا عن استمرار حركة هذا الجهاد العظيم على أيدي المؤمنين الصادقين، بعد وفاة رسول الله صلوات الله عليه في العصور الإسلامية الزاهرة الأولى، فأثمر جهادهم الصادق فتحًا مبينًا، لعشاق الخير، وناشدي الحضارة المجيدة، ونصرًا عزيزًا للبؤساء والمظلومين ومهضومي الحقوق، ومنح الأكفياء للمساهمة في بناء الحضارة أرضًا مستقرة آمنة، وزمنًا مباركًا، فأخذوا يبذلون ما لديهم من طاقة وجهد في بناء الصرح الخالد، الذي دفعتهم إلى بنائه أسس الحضارة الإسلامية الراسخة.
وامتد الإسلام باستمرار حركة هذا الجهاد المقدس، وامتدت معه أصوله الحضارية شرقًا وغربًا، وحقق المسلمون به معجزة الفتح التاريخية، التي كادت تضم بين جناحيها معمور الأرض في مشارقها، ومغاربها، وكان ذلك في أقصر حقبة عرفها تاريخ الفتوحات في الأرض.
وما زال أمر المسلمين كذلك حتى تسرب إلى نفوسهم مرض الانحراف عن الهدف المثالي الحق، الذي حددته لهم أسس الحضارة الإسلامية، فدخل إلى قلوبهم داء الوهن، والطمع بالدنيا، وحب الشهوات، والتثاقل عن الجهاد في سبيل الله، والإخلاد إلى الأرض، فوكلهم الله إلى نفوسهم، وألقى الخلاف بينهم، وضرب بين قلوبهم، وسلط عليهم عدوهم.
ولكن حركة المد والجزر في البحر الزاخر من المسلمين المنتشرين في الأرض، كانت توقظهم بين حين وآخر، إلى ما يجب عليهم نحو رسالتهم الحضارية العظمى، من الجهاد في سبيل الله جهادًا حقًّا، مستوفيًا كامل شروطه وأركانه، فكانت صحوات اليقظة هذه كافية لصد أعدائهم عنهم، ورد كيدهم في نحورهم، وإبقاء هيكل الدولة الإسلامية العام مهيبًا مرهوب الجانب.
وبين ضعف هذا الكيان وعوامل اليقظة ومظاهرها، لاحظ أعداء الإسلام العقيدة القوية الراسخة التي تجعل جيوش حملة رسالة الحضارة الإسلامية المجيدة كأنها الجبال الراسيات قوة وثباتًا، وامتحنوها بشكل عملي خلال قرون صارعوهم فيها بكل وسيلة من وسائل القتال المحكم العنيف، وكانت النتيجة أن مستهم صدمة عنيفة من الذعر والدهش والحيرة، ثم لم يجدوا سبيلًا إلى تفتيت هذه القوة الهائلة، إلا بأن يأتوا إلى جيوش حملة رسالة الجهاد الإسلامي، فيفرغوها من سر قوتها الحقيقية أولًا، ويضعوا مكانها قوى خلبية باردة ثانيًا، ثم يوجهوا عليها ضرباتهم القاصمات ثالثًا، ورأوا أنه لن يتم لهم الظفر عليها إلا بذلك، وكذلك فعلوا.
وقد وجه أعداء الإسلام جهودهم لإزالة قوة الإيمان بالله، وتهديم البواعث على الجهاد المقدس، وأتْبَعُوا ذلك بإلغاء شروط القتال في سبيل الله، ووضعوا مكان كل ذلك قوى صورية، تعطي صوتًا عظيمًا مدويًا، ولكنها لا تحدث إلا أثرًا يسيرًا، وقد لا تحدث أي أثر إلا أثرًا ضد حاملها، ووضعوا مكان الشروط الربانية شروطًا أخرى، فأحلوا محل الاعتماد على الله على إمدادات الدول الطامعة ذات المصالح الشخصية، والاغترار بالنفس، وأحلوا محل ذكر الله عبارات طاغوتية غير إسلامية، وأغاني مشحونة بتبجحات حقيره، وحميات
جاهلية، وبردوا حرارة الاندفاع الحقيقي إلى الجهاد، وفرقوا صفوف المسلمين، وأفسدوا بينهم وبين قادتهم، ففقدت الجيوش المسلمة بذلك عناصر قوتها الحقيقية، وألجئت بذلك إلى التخلي عن رسالتها الحضارية المجيدة.
فهل إلى عودة من سبيل؟
إن العودة إلى مركز المجد العظيم رهن بالتزام أسس الحضارة الإسلامية، واتخاذ وسائلها. هذا هو المنهج الصحيح، فإلى المنهج الإسلامي الصحيح يا شباب الإسلام، إن كنتم من عشاق المجد العظيم، ومن بناة صرح الحضارة الخالدة.
هذا هو المنهج الصحيح الذي امتحن بالتطبيق العملي فآتى ثماره العظيمة، التي لم يحظ بعشر معاشرها أي منهج آخر وضع موضع الامتحان والتجربة بالتطبيق العملي.
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.