الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولنا أن نتساءل الأسئلة التالية:
ما فائدة علم الإنسان بأن النار محرقة إذا هو ألقى نفسه فيها؟
وما فائدة علم الإنسان بأصول الزراعة إذا هو أهمل أرضه فلم يزرعها؟
وما فائدة علم الإنسان بشروط الصحة إذا هو خالفها وعرض نفسه للأمراض؟
وما فائدة علم الإنسان بالكيمياء والفيزياء إذا لم ينتفع من علمه بالتطبيقات العملية؟
وما فائدة العلم بالأحكام الشرعية إن كان العالم بها مخالفًا لها في تطبيقاته العملية؟
وهكذا يقال في كل علم.
المقولة الثانية: قواعد العمل في الإسلام
لدى النظر بأناة في مجمل الوصايا والتعليمات القولية والعملية الإسلامية المتعلقة بالعمل، تظهر لنا القواعد الست التالية، التي ينبغي للمؤمن المسلم أن يراعيها في حياته، رجاء أن يكون من السابقين بالخيرات بإذن الله.
القاعدة الأولى: اغتنام أوقات الحياة
إن الوقت بمثابة نهر عابر من المستقبل إلى الماضي، ولا تدرك الخلائق المدركة منه إلا موجة الحاضر، وهي الساعة التي يستطيع المخلوق أن يُحدث فيها عملًا ما، فإن لم يحدث فيها عملًا نافعًا جرت إلى الماضي دون أن يستطيع استرجاعها، وخسرها من عمره المقدر له، وإن أحدث فيها عملًا ضارًّا، خسر مقدار العمل الضار من عمره، وحمل وزرًا يخسر به من سعادته مستقبلًا.
وقد أوصى الإسلام باغتنام الأوقات، كما سيأتي.
القاعدة الثانية: اغتنام القوى والطاقات
إن القوى والطاقات مرتبطات بأوقات الحياة، فالوقت الذي يمر دون أن ينتفع فيه الإنسان بعمل مفيد، يمر هو وكل مقادير القوى والطاقات التي يمكن أن يحدث الإنسان بها عملًا فيه.
فقوى وطاقات الإنسان في يوم السبت مثلًا تجري مع يوم السبت، كجريان الزمن فتفنى، وتولد قوى وطاقات أخرى متتابعات مع ساعات يوم الأحد، وهي غير قوى وطاقات الإنسان يوم السبت.
هاتان القاعدتان "الأولى والثانية" نستنبطهما من عدة نصوص:
- فعن عمرو بن ميمون الأودي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه:
"اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". رواه الترمذي مرسلًا. "انظر مشكاة المصابيح رقم 5174"
- وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبونان فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".
مغبون فيهما: أي: خاسر فيهما، فالغبن النقص من الشيء.
- وفي سورة "العصر: 103 مصحف/ 13 نزول" بيان واضح أن الإنسان لفي خسر دائم من عمره ومن قواه وطاقاته، ما مر عليه حين من الدهر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، أي: لأن هؤلاء المستثنين قد اغتنموا في حياتهم أوقاتهم، وطاقاتهم النفسية والجسدية، فيما يجعلهم رابحين ربحًا عظيمًا يوم الدين، في جنات النعيم.
القاعدة الثالثة: الإتقان والإحسان في العمل
إن من صفات أفعال الله عز وجل الإتقان في صنع كل شيء، وهو سبحانه وتعالى يجب المحسنين، ويحب من المؤمن المسلم إذا عمل عملًا أن يتقنه.
هذه القاعدة قد دلت عليها عدة نصوص:
- قال الله عز وجل في سورة "النمل: 27 مصحف/ 48 نزول":
- وروى البيهقي عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الله يجب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه""حديث حسن. الجامع الصغير وزيادته رقم 1891".
- وتكرر في القرآن بيان أن الله عز وجل يحب المحسنين وأنه تعالى مع المحسنين، وأنه لا يضيع أجر المحسنين، بل يزديهم ثوابًا.
- وأبان الله عز وجل أن الإحسان من أوصاف الأخيار الأطهار من عباده، من الأنبياء والمرسلين والصالحين.
القاعدة الرابعة: اختيار العمل الأيسر المحقق للمطلوب الذي لا معصية لله فيه.
لكل غاية يرجى تحقيقها بالعمل طرق ومسالك، ووسائل وأسباب مختلفة ومتنوعة، إلا أن بعضها أيسر وأسهل من بعض.
فيمكن مثلًا الوصول إلى مدينة ما، بصعود الجبال وتحمل ما فيها من عقبات شاقات وبعبور الطرق الوعرة، وبخوض غمار الوديان المليئة بالأشواق والحفر، والأنهار والأوحال، وتحمل ما فيها من مشقات ومتاعب.
ويمكن الوصول إليها بسلوك السبيل الواضح المنير المعبد، على مراكب مريحة آمنة هينة لينة.
وكل من الخيارين يمكن أن يحقق مطلوب الوصول إلى المدينة المقصودة.
ويعلمنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالأسوة الحسنة التي كان يتحلى بها، أن نختار الأيسر والأسهل في كل أمر، إذا كان ذلك محققًا للمطلوب النافع المفيد، الذي لا معصية لله فيه.
- روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت:
"ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما أنتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط، إلا أن ينتهك حرمة الله فينتقم لله بها". "مشكاة المصابيح رقم 5817".
القاعدة الخامسة: المواظبة والدأب والمداومة على عمل الخير وإن قل
بعض الناس يندفعون بقوة وهمة عالية إلى فعل الصالحات والخيرات والمبرات، وبذل الطاقات والأموال، لكنهم يملون بسرعة، فتفتر عما قريب همتهم، وتضعف أعمالهم، وقد ينصرفون عما كانوا فيه من عمل صالح، وقد يتحولون إلى فعل السيئات بمثل الاندفاع القوي الذي كانوا يعملون فيه الصالحات.
وقد أبان الرسول صلى الله عليه وسلم أن المداومة على العمل الصالح القليل، أحب إلى الله عز وجل من العمل الصالح الكثير، الذي ينقطع عنه العامل، ولا يداوم ولا يواظب عليه.
- روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".
إن النشاط الزائد في بدء ممارسة العمل يسمى شرة، وهذا النشاط الزائد قد لا ينجو منه معظم العاملين في أوائل أعمالهم الصالحات، ولكن إذا كانت الفترة بعد ذلك إلى المواظبة بهدوء وتؤدة على العمل الصالح القليل، كان صاحبها على هدى، وإن كانت الفترة بعد ذلك إلى انقطاع وتحول عن فعل الخير، كانت إلى هلاك.
- روى البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك". "حديث صحيح. الجامع الصغير وزيادته رقم 2152".
وفي رواية عند أحمد: "ومن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح".
القاعدة السادسة: متابعة العمل الصالح الذي يفرغ العامل منه بإنشاء عمل صالح آخر.
لقد أمر الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي هو الأسوة الحسنة للناس أجمعين، والذي أمر المؤمنين بأن يقتدوا به، ويتأسوا بأخلاقه وعمله وسيرته، بقوله له مع أوائل تنزيل القرآن عليه في سورة "الشرح: 94 مصحف/ 12 نزول":
أي: فإذا فرغت من إنجاز عمل صالح، فأنشئ عملا صالحا آخر، واجتهد فيه حتى تنصب.
النصب: هو التعب.
وهذا الأمر الموجه للرسول محمد صلى الله عليه وسلم موجه أيضا لكل الذين أمرهم الله بأن يتأسوا به، في قوله تعالى في "سورة "الأحزاب: 33/ مصحف/ 90 نزول":
فعلى المؤمن المسلم العاقل الرشيد، أن يتحقق بمضمون قوله تعالى لرسوله:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَب} .