الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَن وَثِقَ به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه: عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، فانطلقوا حتى أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم أبو بكر، فعرض عليهم الإِسلام، وقرأ عليهم القرآن، وأنبأهم بحق الإِسلام، فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا إلى الإِسلام، فصلَّوا، وصدَّقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمنوا بما جاء من عند الله (1).
وهذا الذي ذكره من تأخر إسلام أبي بكر هو أحد الأقوال، وقال الشيخ النواوي وغيره: هو أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في أحد الأقوال، وقال: وهو مذهب ابن عباس، وعمرو بن عَبَسَةَ وحسان بن ثابت الصحابيين، وإبراهيم االنخعي وغيرهم (2) قال: وقيل أولهم عليُّ، وقيل: خديجة، وادعى الثعلبي الإِجماع فيه، وأن الخلاف إنما هو في أولهم بعدها، قال: وأسلم على يده خلائق من الصحابة منهم خمسة من العشرة وهم: عثمان، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن، وسعد بن أبي وقاص، قال: وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين أسلم إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يُفارقه في حَضَرٍ ولا سَفَرٍ.
ذكر إظهار رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الإِسلام وابتدائه بإنذار عشيرته
37 -
قال ابن إسحاق: وكان ما أخفى النبي صلى الله عليه وسلم أمره واستسرّ به إلى أن أمر بإظهاره ثلاث سنين من مبعثه.
(1) انظر سيرة ابن هشام 1/ 241 و 252.
(2)
روى الترمذي من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: "أول من أسلم علي" قال عمرو بن مرة: فذكرت ذلك لإِبراهيم النخعي، فأنكره وقال:"أول من أسلم أبو بكر الصدِّيق" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
38 -
عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره، فصمتُّ عليها، فجاءني جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد إنَّك إن لم تَفْعَل ما أَمَرَكَ به ربُّك عَذَّبَك ربُّك. قال عليٌّ فدعاني، فقال يا عليُّ إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فعرفت أني إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره، فصمتُّ عن ذلك ثم جاءني جبريل فقال: يا محمد إن لم تفعل ما أمرْتَ به عذَّبك ربُّك، فاصنع لنا يا عليُّ رِجل شاةٍ على صاع من طعام، وأعِدَّ لنا عُسَّ لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب، ففعلتُ، فاجتمعوا له وهم يومئذٍ أربعون رجلًا، يزيدون رجلًا أو ينقصونَه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزةُ والعباس وأبو لهب الكافر الخبيثُ، فقدَّمت إليهم تلك الجفنة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها جذبة (1) فشقّها بأسنانه، ثم رمى بها في نواحيها، وقال: كلوا باسم الله، فأكل القوم حتى نهلُوا عنه ما يرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل منهم يأكل مثلها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسقهم يا علي، فجئت بذلك القعب، فشربوا به حتى نهلوا جميعًا، وايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلّمهم، بَدَرُه أبو لهب إلى الكلام، فقال: لَهَدَّ ما سحَرَكُم صاحبكم، فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان الغد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عليُّ عُدْ لنا بمثل الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب، فإن هذا الرجل قد بدرني إلى ما قد سمعت قَبْلَ أن أُكلم القوم ففعلتُ، ثم جمعتهم له، فصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنع بالأمس، فأكلوا حتى نهلوا عنه، ثم سقيتهم فشربوا من ذلك القُعب حَتَّى نهلوا عنه، وايمُ الله إن كان
(1) في الدَّلائل: "حذية" ورواية أخرى: قطعة.
الرجل ليأكل مثلها، ويشرب مثلها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم إنسانًا من العرب جاء قومَهُ بأفضلَ مما جئتُكم به، إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة. أخرجه البيهقي (1).
39 -
عن الشافعي رضي الله عنه قال: لما بعث الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أنزل عليه فرائضه كما شاء لا معقب لحكمه، ثم أتبع كل واحد منها فرضًا بعد فرض في حين غيرِ حينِ الفرض قبله، قال: ويقال - والله أعلم -: إن أول ما أنزل الله عز وجل من كتابه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ثم أنزل عليه بعد ذلك ما لم يؤمر أن يدعو إليه المشركين، فمرت لذلك مدة، ثم يقال: أتاه جبريل عن الله عز وجل بأن يعلمهم نزول الوحي عليه، ويدعوهم إلى الإِيمان به، فكَبُرَ ذلك عليه وخاف التكذيب، وأن يتناول، فنزل عليه {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} قال: فقال: يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حتى لا تُبَلِّغَ ما أُنزِلَ إليك، فبلَّغ ما أُمِرَ به صلى الله عليه وسلم. أخرجه البيهقي (2).
40 -
عن أبي الزناد، عن ربيعة بن عباد - رجل من بني الدِّيل كان جاهليًا فأسلم - أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي المجاز وهو يمشي بين ظهراني الناس يقول:"يا أيُّها النَّاسُ قولوا: لا إله إلا الله تُفْلِحوا" وإذا وراءه رجلٌ ذو غَدِيرتين يقول: إنه صابئٌ كاذبٌ، قال فسألت عن ذلك الرَّجُل الذي وراءه، فقيل لي: هذا أبُو لهَبٍ عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البيهقي (3).
(1) 1/ 428 و 429: باب مبتدأ الفرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سنده مجهول.
(2)
1/ 433 و 434: باب قول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} .
(3)
1/ 434 و 435.