الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في ذكر أوصافه الشريفة وأخلاقه صلى الله عليه وسلم
-
60 -
عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: سألت خالي هند بن أبي هالة عن حِلْيَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وصَّافًا، وأنا أرجو أن يصف لي منها شيئًا أتعلَّقُ به، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخمًا مُفخَّمًا، يتلألأ وجهُه تلألؤَ القمَرِ ليلَةَ البدْرِ، أطولَ من المربوع، وأقصَرَ من المشَذَّب، عظيمَ الهَامَةِ، رَجِلَ الشَّعْرِ، إن انفَرَقَتْ عقيقَتُه فرق، وإلا فلا يُجَاوِزُ شعرهُ شَحْمَةَ أذُنَيْه إذا هو وفَّرَه، أزهر اللون، واسع الجبين، أزجَّ الحواجبِ، سوابِغَ من غير قَرَن، بينهما عِرق يُدِرُّهُ الغضَبُ، أقنى العِرنِين، له نورٌ يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشمَّ، كَثَّ اللحية، أدعج سهلَ الخَدين، ضَليعَ الفَمِ، أشْنَبَ، مفلَّج الأسنانِ، دَقيقَ المسْرُبة، كأن عنقَهُ جيدُ دُميَةٍ في صفاءِ الفضَّة، معتدل الخلق، بادنًا متماسكًا، سواءَ البطنِ والصّدر، عَريضَ الصَّدر، بعيدَ ما بين المنكبين، ضَخْمَ الكَرَاديس، أنورَ المتجَرَّد، موصول ما بين اللبة والسُّرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصَّدر، طويل الزِّندين، رَحْبَ الرَّاحة، شَثْنُ الكَفَّين والقَدَمَينِ، سايِلُ أو سائل الأطراف، خمصانَ الأخمَصَين، مسيحَ القَدَمَينِ، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعًا، ويخطو تكفُّؤًا، ويمشي هونًا، ذريعَ المشية، إذا مشى كأنما ينحطُّ من
صبب، وإذا التفت التفت جميعًا، خافض الطَّرف، نظرُه إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جُلُّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ (1) من لقيه بالسلام.
قلت: فصف لي منطقه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصِلَ الأحزان، دائِم الفكرة، ليس له راحة، طويلَ السَّكتَةِ، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجَوَامِعِ الكَلِمِ، فصلًا لا فضُول فيه ولا تقصير، دمثًا، ليس بالجافي ولا المهين، يُعظِّم النعمة وإن دقَّت، لا يذم شيئًا، لم يكن يذمُّ ذواقًا ولا يمدحه، ولا يُقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفِّها كلها، وإذا تعجَّب قلَبها، وإذا تحدَّث اتصل بها، فضرَبَ بإبهامه اليمنى راحته اليسرى، فإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جُلُّ ضَحِكِه التَّبسُّمُ، يَفترُّ عن مثل حبِّ الغَمَامِ.
قال الحسن رضي الله عنه: فكتمتها الحسين بن على رضي الله عنهما زمانًا، ثم حدّثتُه، فوجدته قد سبقني إليه، فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله، فلم يَدَع منه شيئًا.
قال الحسين رضي الله عنه: سألت أبي رضي الله عنه عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان دخوله لنفسه مأذونًا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جَزَّأ دخوله ثلاث أجزاء: جزءًا لله، وجزءًا لأهله، وجزءًا لنفسه، ثم جَزَّأ جُزءَه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة والخاصة (2)، ولا يدَّخِر عنهم شيئًا.
(1) وفي بعض الروايات: ويبدر، بالراء، وكلاهما صواب.
(2)
في الأصل: بالخاصة.
وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمته على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما أصلحهم، والأمة من مسألته عنهم (1) وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول:"لِيُبَلِّغ الشَّاهدُ منْكُم الغَائِبَ، وبلِّغوني حَاجَة مَن لا يَسْتَطِيع إبلاغي حاجَتَهُ، فإنَّه مَنْ أبلَغَ سُلطانًا حاجةَ من لا يستطيع إبلاغها ثَبَّتَ الله قدميْه يوم القيامة" لا يذكر عنده إلا ذلِك، ولا يقبل من أحد غيره. قال في رواية سفيان عن وكيع: يدخلون روَّادًا ولا يتفرقون إلا عن ذواق، ويَخرجون أدلَّةً على الخير.
قلت: فَأخْبِرنِي عَن مَخرَجِهِ كَيفَ يَصنَعُ فيهِ؟ قَال: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَخْزَنُ لِسانَهُ إلا فيما يَعنيه، ويؤلِّفهم ولا يُفَرِّقهم، يكرم كريم كلِّ قوم، ويُولِّيه عليهم، ويحذَرُ الناس ويحترس منهم من غير أن يطويَ عن أحد منهم بِشْرَهُ وخُلُقَه، ويتفقَّد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسِّن الحسن ويصوِّبه (2)، ويُقَبِّح القبيحَ ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف، ولا يغفُل مخافة أن يغفُلوا أو يَملُّوا، لكلِّ حالٍ عنده عَتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه إلى غيره، الذين يلونَهُ من الناس خيارهم، وأفضلُهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظَمُهم عنده منزلة أحسنُهم مواساة ومؤازرة.
قال: فسألته عن مجلسه، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على (3) ذكر، ولا يُوطِنُ الأماكن، وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلسُ، ويأمرُ بذلك، ويُعطِي كلَّ جلَسائه نصيبه حتى
(1) في الأصل: من مسألتهم عنه.
(2)
في "دلائل النبوة": ويقويه.
(3)
في الأصل: عن.
لا يحسِبُ جليسُهُ أن أحدًا أكرمُ عليه منه، من جالسه أو قاومه (1) لحاجة صابرَه حتى يكون هو المُنصَرِفَ عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطُه وخلقُهُ، فصار لهم أبًا، وصاروا عنده في الحق متقاربين متفاضلين فيه بالتقوى - وفي رواية، وصاروا عنده في الحق سواء - مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصواتُ، ولا تؤبَنُ فيه الحُرَم، ولا تُنثَى فَلتاته، يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين، يوقِّرون فيه الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة، ويرحمون الغريب.
قال: فسألته عن سيرته في جلسائه، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهْل الخلق، لَيِّن الجانب، ليس بفظٍّ ولا غليظ، ولا سخَّاب ولا فحَّاش، ولا عيَّاب ولا مزَّاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يُؤْيسُ منه، قد ترك نفسه من ثلاث: الرِّياء، والإِكثار، وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاث: كان لا يذمُّ أحدًا ولا يعيِّره، ولا يطُلب عورته، ولا يتكلَّم إلا فيما يرجو ثوابه. إذا تكلم أطرَقَ جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرَغَ، حدِيثُهم [عنده] حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجَّب مما يتعجَّبون منه، ويصبر للغريب على جفوته في المنطق، ويقول:"إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فأرفِدوه" ولا يطلب الثناء إلا من مكافٍ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام.
وفي رواية: قلت: كيف كان سكوته؟ قال: كان سكوته على أربعة: على العلم، والحذر، والتقدير، والتفكر، فأما تقديره: ففي تسوية (2) النظر
(1) في الدلائل: قادمه بالدال.
(2)
في "دلائل النبوة": تسويته.
والاستماع بين الناس، وأما تفكره: فيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء [ولا] يستفِزُّهُ، وجمع له في الحذر أربع: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهي عنه، واجتهاد الرأي بما (1) أصلح أمته، والقيام فيما جَمَعَ لهم أمر الدُّنيا والآخرة. أخرجه أبو عيسى الترمذي في "الشمائل"، وأبو عبد الله الترمذي في "النعت"، والإِمام البيهقي في كتاب "دلائل النبوة" والقاضي عياض في "الشفاء"(2).
61 -
عن علي رضي الله عنه قال: كان إذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن بالطويل الممغَّطِ، ولا بالقصير المترَدِّد، وكان رَبْعَةً من القوم، ولم يكن بالجَعْدِ القَطَطِ، ولا بالسَّبطِ، كان جَعْدًا رَجِلًا، لم يكن بالمطَهَّم ولا بالمكلْثَم، وكان في الوجه تدوير، أبيضُ مُشرَبٌ، أدعَجُ العَينَين، أهدَبُ الأشفارِ، جَلِيلُ المُشاشِ، والكَتِدِ، أجرِدُ ذو مسْرُبة، شَثْنُ الكَفَّين والقدمين، إذا مشى تقلَّع كأنما يمشي في صَبَب، وإذا التفت التفت معًا، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجودُ الناس صَدرًا، وأصْدَقُ الناس لهجَةً، وألْينهم عريكةً، وأكرمهم عِشْرةً (3) من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبَّه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله. أخرجه الترمذي في "جامعه"(4).
62 -
عن مقاتل بن حيان، عن عبد الله بن الحسن، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أوحى الله تعالى إلى عيسى صلى الله عليه وسلم: يا عيسى جِدَّ في أمري، ولا
(1) في "الدلائل": فيما.
(2)
رواه الترمذي في الشمائل حديث رقم (6) باب ما جاء في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم والبيهقي 1/ 212 و 212 في "دلائل النبوة" باب جامع صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشمائله.
(3)
في الأصل: عشيرة.
(4)
رواه الترمذي رقم (3642) في المناقب باب رقم 19 وفي سنده ضعف وانقطاع، وقال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بمتصل.
تهْزَل، واسمع وأطِعْ، يا ابنَ الطاهر البكر البتول، إنك من غير فحل، وأنا خلَقتُك آيةً للعالم، فإياي فاعبد، وعليَّ فتوكل، فسِّر لأهل سوران بالسريانية، بلِّغ مَن بين يديك أنِّي أنا الله الحيُّ القيوم (1) الذي لا أزول، صدِّقوا النبي الأميَّ صاحب الجمل والعمامة (وهي التاج) والنعلين، والهراوة (وهي القضيب) الجعدُ الرأس، الصَّلتُ الجبين، المقرونُ (2) الحاجبين، الأنجلُ العينين، الأدعَجُ، الأقمرُ اللون، الأقنى (3) الأنف، الكثُّ اللحية، كأنَّ عنقهُ إبريقُ فضَّة، كأنَّ الذهب يجري في تراقيه، له شعرات من لَبَّتِهِ إلى سُرَّته تجري كالقضيب، ليس على صدره ولا بطنه شعر غيره، شثنُ الكفين والقدمين (4) إذا مشى كأنما يتقلَّع من الصخر منحدر في صبب، ذو النسل القليل. إنما نسله من المباركة خديجة، لها في الجنة بيت من قصب، لا سَخَبَ فيه ولا نَصَب، تكفُلُهُ في آخر الزمان كا كفَلَ زكَرَيا أمَّك، له منها ابنته فاطمة، له منها فرحان (5) مستشهدان، حسن وحسين، كلامه القرآن، ودينه الإِسلام، طوبى لمن أدرك أيامه وسمع كلامه، قال عيسى صلى الله عليه وسلم يا رب وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة أنا غرستها بيدي، أصلها من رضواني، ماؤها من تسنيم، برده برد الكافور، وطعمه طعم الزنجبيل، وريحها ريح المسك. قال عيسى: يا رب اسقنى منها، قال حرام يا عيسى على النبيين أن يذوقوها حتى يشرب منها ذلك النبي الأمي، وحرام على
(1) في الأصل: القائم.
(2)
جاء في حديث هند بن أبي هالة: "سوابغ في غير قرن". قال ابن الأثير في "النهاية": القرن بالتحريك: التقاء الحاجبين، وهذا خلاف ما روت أم معبد فإنها قالت في صفته:"أزج أقرن"، أي: مقرون الحاجبين، والأول الصحيح في صفته.
(3)
في الأصل: أقنى.
(4)
في الأصل: والصدر، وهو خطأ. يقال: شثن الكف والقدم، أي: غليظ الكف والقدم.
(5)
كذا في الأصل: فرحان ولم نقف له على أصل، ولعله فرخان بالخاء المعجمة.
الأمم أن يشربوها حتى تشرب أمة ذلك النبي. أخرجه أبو عبد الله الحكيم الترمذي في "النعت".
63 -
وأخرجه البيهقي عن مقاتل بن حيان قال: أوحى الله إلى عيسى. . إلى قوله: ذو النسل القليل، ووقفه على مقاتل (1).
64 -
عن وهب بن منبه أن الله تعالى أوحى إلى شعيا، نبي [من أنبياء بني] إسرائيل عليه السلام أن قُلْ لِقومكَ: إني قد قَضَيْتُ عَلَى نَفْسِي يَومَ خلقتُ السمواتِ والأرضَ أمرًا حَتمًا عليَّ إِنفاذُهُ، فسَلْهُم ما هوَ، وفي أي زمان يكون؟ قد يبِسَت ألسنَةُ الفُقَراء والمَسَاكِين من العَطَشِ، وطلبوا الماء فلم يَقْدِروا عليه، وأنا الله إلهُهم، يدعوني فلا أستجيب لهم، أُفَجِّرُ في الجبالِ الأنهارَ، وفي الصَّحاري العيونَ، وفي المفاوِزِ الينابيعَ، أعتد الصَّنَوبَرَ في الفلوات، والآس في المفَاوِزِ، والمُلكَ والحِكمَةَ في الرُّعاةِ والنُّبُوَّة في الأجَراء، والعِزَّ في الأذِلاء، والقُوَّة في الضُّعفاءِ، والعزَّةَ في الأقِلاءِ، والمدائنَ في الفَلَواتِ، والأجسامَ في الصَّحاري والبراري، والعلم في الجَهَلةِ، والحِكمَةَ في الأميِّين، فسلهُم من القائم بهذا، ومتى هو، وعلى يد من أؤسِّسه، ومن أعوانُ هذا الأمْرُ وأنصَارُه؟ فإنِّي باعثٌ لذلك نبيًّا أميًّا، أعمى من عُميان، ضالًّا من ضالِّين، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا سَخَّابٍ في الأسواق، ولا متزيِّن بالفُحشِ، ولا قَوَّالٍ بالخَنا، أنا الله ربُّ الأربابِ، أنا الَّذي رفعتُ السَّماء فمَدَدْتُها، ووضَعتُ الأرضَ فَدَحَيتُها، ونصَبتُ الجبال فأرسَيتُها، وخَلَقْتُ كُلَّ شيءٍ وجَعَلتُ النَّسَم والأرواح في جوفِ أهْلِها، أدعو عبدِي للصّدق، وأبعثه بالحَقِّ، وأؤيّده على البلاغِ، وأُنزلُ عليه روحي، وأبعثه أعمى من عميان، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا سخَّاب في الأسواق، يمرُّ على القصبِ الزَّعزاعِ فلا يسمع من تحت قَدَمَيْه،
(1) ذكره البيهقي في "دلائل النبوة" 1/ 280 و 281 باب صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويمر إلى جنب السِّراج فلا يطفئه من سكينته، يحكم بالقسْطِ، ويظهر دينه على الأديان، ويجوز حُكْمُه خلفَ البحار، ولا يُنيرُ باطلًا، ولا يطفئ حقًا، أبعثه شاهدًا ومبشِّرًا ونذيرًا، أفتَحُ به آذانًا صُمًّا، وأختن به قُلوبًا غُلفًا، أفُكُّ به الأسارى من الحبسِ والرِّباط، وأُخرِجُ به العُميان من الظلماتِ إلى النور، أُسَدِّدُه لكُلِّ جميلٍ، وأهبُ له كل خُلُق كريم، أجعل السَّكينة لباسَهُ، والبرَّ شِعارَهُ، والتقوى ضميرُه، والحِكمَةَ معقوده، والصِّدقَ والوفاء طبيعته، والمعروفَ خُلُقَهُ، والعدلَ سيرَتَهُ، والحقَّ شريعتَهُ، والهَديَ إِمامَهُ، والإِسلام مِلَّتَهُ، وأحمدَ اسمَهُ، أهدي به مِنَ الضَّلالة، وأعلِّم به بعد الجهالة، وأكثر به بعد القِلَّة، وأغني به بعد العَيْلَةِ، وأجمَع به الفُرقَةَ، وأؤلِّف به قلوبًا مختلفة وأهواءً مشتَّتة وأمورًا مفِّرقة، وأجعلُ أُمَّتَهُ خيرَ أمَّةٍ أُخرِجَت للنَّاسِ يأمرونَ بالمَعْرُوف وينهَونَ عنِ المُنْكَر، ويوحِّدونَ لي إيمانًا وإخلاصًا وتصديقًا لما جاءت بِهِ رُسُلِي، أُلْهِمُهم التَّوحيدِ، والتكبيرَ، والتحميدَ، والتَّسبيحَ، في مساجدهم ومضاجعِهم ومنقلبهم ومثواهم، يصلُّون لي قيامًا وقعودًا، وركوعًا وسجودًا، ويَخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي أُلوفًا، ويقاتِلُون في سبيلي صُفوفًا وزحوفًا، يُطَهِّرون الوجوه والأطراف، ويشدُّون الأُزُرَ في الأَنصافَ، ويُكَبِّرون ويُهَلِّلون على الأشراف، قربانهم دماؤهم، وأناجيلُهُم صُدورُهم، رهبان بالليل، لُيوثٌ بالنَّهار، ذلك فضلي أوتيهِ من أشاء، وأنا ذو الفضْلِ العَظِيم. أخرجه أبو عبد الله الحكيم في كتاب "النعت".
65 -
عن عبد الله بن سلام قال: مكتوبٌ في التوراة صفة محمد، وعيسى يدفن معه، فقال أبو مودود المدني: قد بقي في البيت موضع قبر. أخرجه الترمذي (1).
(1) رواه الترمذي رقم (3621) في المناقب باب رقم (3) وإسناده ضعيف ومع ذلك، فقد قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
66 -
عن ابن عباس قال: كانت يهود خيبر تقاتل غَطَفان، فكلما التقوا هُزِمَت يهود بني خَيبَر، فعاذت اليهود بهذا الدُّعاء، فقالت: اللهم إنا نسألك بحقِّ محمد النبيِّ الأميِّ الَّذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم، قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء، فَهَزَموا غطَفان، فلمَّا بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به، فأنزل الله تعالى:{وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ} [البقرة: 89] يعني بك يا محمد {عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} إلى قوله: {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} أخرجه البيهقي (1).
67 -
عن أبي موسى الأشعري قال: سمعت النجاشي يقول: أشهَدُ أنَّ مُحَمدًا رسول الله، وأنَّه الذي بُشِّر به عيسى بن مريم، ولولا ما أنا فيه من الملك وما تحمَّلتُه فِي أمرِ النَّاسِ، لأَتَيتُه حتى أَحمِلَ نَعْلَيه، أخرجه أبو داود (2).
68 -
عن أبي موسى قال: خَرَجَ أبو طالب إلى الشام، وخرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في أشياخٍ من قريشٍ، فلما أشرفوا على الرَّاهب، هَبَطوا فحلُّوا (3) رِحالَهُم، فَخَرَج إليهم الرَّاهب، وكانوا قبل ذلك يمرُّون به فلا يخرج إليهم، فقال وهم يَحلُّون رِحَالَهُم، فَجَعل يتَخَلَّلُهم الرَّاهب حتى جاء، فأخذ بيد رسول
(1) أخرجه البيهقي 1/ 427 في الدلائل، والحاكم في "المستدرك" 1/ 263 وفي سنده عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه. قال الدارقطني: هما ضعيفان، وقال أحمد: عبد الملك ضعيف، وقال يحيى: كذاب، وقال أبو حاتم: متروك ذاهب الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث.
(2)
رواه أبو داود رقم (3205) في الجنائز: باب في الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك، وإسناده قوي، ورواه أيضًا أحمد في "المسند" 1/ 461 في حديث مطول من طريق آخر عن ابن مسعود.
(3)
في الأصل: فحطوا، وما أثبتناه من سنن الترمذي المطبوعة
الله صلى الله عليه وسلم، قال: هذا سَيِّدُ العالمِينَ، هذا رسول رَبِّ العالمين، يبعثُه الله رحمةً للعالَمِين، فقال الأشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خرَّ ساجدًا، ولا يسجدان إلا لنبيّ، وإنِّى أعرفه بِخَاتِم النُّبوَّة، بين غُضروف كَتِفِه مثلَ التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعامًا، فلما أتاهم به وكان هو في رِعْيَةِ الإِبل، فقال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غَمَامَةٌ تُظِلُّه، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فَيءِ شَجَرَةٍ، فلما جلس مال فَيءُ الشَّجرة عليه، فقال: انظُروا إلى فيء الشجرة مالَ عليه، فقال: أُنشِدُكُم بالله، أيُّكُم وَلِيُّه؟ قالوا: أبو طالب، فلم يزل يُناشِدُهُ حتَّى رَدَّهُ أبو طالب، وبعث معه أبو بكر بلالًا وزوَّدهُ الراهب بالكعك والزَّيت. أخرجه الترمذي (1).
69 -
عن جبير بن مطعم قال: لما بعث الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم، وظهر أمره بمكة، خرجت إلى الشام، فلما كنت بِبُصرى، أتتني جماعةٌ من النصارى، فقالوا لي: أمِنَ الحَرَمِ أنت؟ قُلت: نعم، قالوا: أفتعرف هذا الذي تنبَّأ (2) فيكم؟ قلت: نعم، قال: فأخذوا بيدي، فأدخلوني ديرًا لهم فيه تماثيل وصور، فقالوا لي: انظُر فَهَل تَرَى صورَةَ النَّبيِّ الَّذي بُعِثَ فيكُم؟ فَنَظَرتُ فَلَم أرَ صُورَتَهُ، قلتُ لا أرى صورتهُ، فَأدخَلوني دَيرًا أكبر من ذلك الدير، وإذا فيه تماثيل وصور أكثر مما في ذلك الدير، فقالوا لي: انظر هل ترى صورته،
(1) رواه الترمذي رقم (3624) في المناقب: باب ما جاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وإسناده صحيح، إلا أن ذكر أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ، وهو وهم من أحد رواته، فإن سن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذاك اثنتا عشرة سنة، وأبو بكر أصغر منه بسنتين، وبلال لعله لم يكن ولد في ذلك الوقت، وقال الحافظ ابن حجر في "الإصابة": رجاله ثقات وليس فيه سوى هذه اللفظة، فيحتمل أنها مدرجة فيه، منقطعة من حديث آخر وهمًا من أحد رواته.
(2)
في الأصل: نبئ.