الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسجد الشَّريف وما يذكر من بنائه وما يتعلَّق بذلك في حديث الهجرة
231 -
قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَقِيَ الزُّبيرَ في رَكبٍ من المُسلمين كانوا تُجَّارًا قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابَ بياضٍ، وسَمِعَ المسلمون بالمدينة بِمَخرَج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكةَ، فكانوا يَغْدون كل غداةٍ إلى الحَرَّة، فَينتَظِرونَهُ حتَّى يردَّهم حَرُّ الظَّهيرة، فانقلبوا يومًا بعد ما أطالُوا انتِظَارَهُم، فلما أووا إلى بُيُوتِهِم، أوفى رجلٌ من اليهود على أطُمٍ من آطامهم لأمرٍ ينظُرُ إليه، فَبَصُرَ برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مُبَيَّضين يزولُ بهم السَّرابُ، فلم يملك اليهوديُّ أن قال بأعلى صوته: يا معشر العَرَبِ هذا جَدُّكُم الذى تنتَظِرُونَهُ، قال: فثار المسلمون إلى السِّلاح، فَتَلَقَّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظَهر الحَرَّة، فَعَدَل بهم ذات اليمين، حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأوَّلِ فقام أبو بكر للنَّاس، وَجَلَسَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صامِتًا، فَطَفِقَ مَن جاءَ من الأَنصار ممن لم يَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يحيِّي أبا بكر، حتَّى أصابت الشَّمسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَأقبل أبو بكر حتى ظلَّلَ علَيه بردائِهِ، فَعرَفَ الناسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، فلَبِثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بني عَمرو بن عوف بِضْعَ (1) عَشَرَةَ لَيلةً، وأسَّس المسجدَ الَّذي أُسِّسَ على التَّقوى، وصَلَّى فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ ركِبَ راحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمشِي معَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِند مسجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بالمَدينة، وهو يصلِّي فيه
(1) في الأصل: تسع وهو خطأ، والتصحيح من "صحيح البخاري"، قال الحافظ في "الفتح": في حديث أنس: أنه أقام فيهم أربع عشرة ليلة، وقال الحافظ: قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: أقام فيهم ثلاثًا، قال: ورواه ابن شهاب عن مجمع بن حارثة أنه أقام اثنين وعشرين ليلة، وقال ابن إسحاق: أقام فيهم خمسًا، وبنو عمرو بن عوف يزعمون أكثر من ذلك.
يومئذٍ رجالٌ من المسلمين، وكان مِرْبَدًا للتَّمْرِ لِسَهْلٍ وسُهَيلٍ غلامين يَتِيمَيْنِ في حَجْر أسعَد بن زرارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركَتْ بِهِ راحِلَتَهُ:"هذا إن شَاء الله المَنْزِل"، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين، فَساوَمَهُما بالمِرْبَد ليتَّخِذَهُ مسجدًا، فقالا: بل نَهَبُه لك يا رسولَ الله، [فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبَلَهُ منهما هِبَةً حتَّى ابْتاعَهُ منهما]، ثم بناهُ مَسجِدًا، وَطَفِقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الَّلبن في [بُنيانِهِ] ويقول وهو ينقُلُ الَّلبن:
هذا الحِمَالُ لا حِمَالُ خَيْبَر هذا أَبَرُّ رَبِّنا وأطهَر.
ويقول: الَّلهُمَّ إنَّ الأجرَ أَجْرُ الآخرة، فَارحَمِ الَأنصَارَ والمهَاجِرَة فَتَمَثَّلَ بِشِعْر رَجُلٍ من المسلمين لم يسمَّ.
232 -
قال ابن شهاب: ولم يَبْلُغْنا في الأحادِيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمَثَّل بِبَيتِ شِعرٍ تامٍّ غير هذه الأبيات. أخرجه البخاري (1).
233 -
عن أنس قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، نزل في عُلْو المَدِينة في حَيٍّ يقال لهم: بنُو عَمرو بنِ عَوفٍ، فَأقامَ فيهم أربَعَ عَشْرَةَ لَيلَةً، ثُمَّ أرسَلَ إلى ملإٍ من بني النَّجَّار، فجاؤوا مُتقَلِّدِين سُيُوفَهُم، قال أنس: فكأنِّي أنظُرُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحِلَتِه وأبو بكرٍ ردفُه، وملأ بني النَّجَّار حَولَهُ، حَتَّى ألقى بِفِناء أبي أيُّوب، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي حَيثُ أدركته الصلاة في مَرَابِضِ الغَنَم، ثم إنَّهُ أمر بالمَسجد، فأرسَلَ إلى ملإٍ بني النَّجَّار، فجاؤوا فقال: يا بني النَّجَّار! ثامِنوني بِحائِطِكُم هَذا، قالوا: لا والله لا نطلُبُ ثَمَنَهُ إلا إلى الله، قال أنس: فكان فيه ما أقول لكم: كان فيه قُبُور المشركين، وكان
(1) 7/ 189 - 193 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
فيه خِرَبٌ، وكان فيه نَخْلٌ، فَأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المُشركِين فَنُبِشَت، وبالخِرَبِ فَسُوِّيت، وبالنَّخْلِ فقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخل قِبلَةً له، وجعَلوا عِضادَتَيْهِ حِجارةً، وجَعَلوا ينقُلون الصَّخْرَ وهُم يَرْتَجِزون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول:"اللَّهُمَّ إنَّهُ لا خَيرَ إلَّا خيرُ الآخِرَة فانصُرِ الأَنصارَ والمُهاجِرة" أخرجه البخاري ومسلم (1).
234 -
عن ابن شهاب قال: وكان المسجدُ مِربَدًا للتَمرِ، لِغُلامَينِ يَتيمَينِ من بَنيِ النَّجَّار في حَجْرِ أسعد بن زرارة، لِسَهل وسُهَيل ابني عمرو، وزَعمُوا أَنَّهُ كَان رِجَالٌ من المُسلِمين يُصلُّون في ذَلِك المِرْبَد قبل قدوم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم المَدينة، فأعطَياهُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: عَرَضَ عَلَيهِما أسعَدُ بن زُرارة نَخلًا له في بني بياضَةَ ثوابًا من مِرْبَدِهِما، فقالا: بل نُعطِيْه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: بل اشتراه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منهما (2).
235 -
عن الواقدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه من ابني عفراء بِعشرةِ دنانير ذهبًا دفعها أبو بكر الصديق، وذلك لكونهما يتيمين، فَأحَبَّ أن لا يقبله إلا بالثَّمنِ. أخرجه وقاله البيهقي.
236 -
عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن قال: لما بنى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسجد أعانه عليه أصحابُه وهو معهم يتناولُ الَّلبن، حتَّى اغبَرَّ صَدْرُهُ، فَقَال:"ابنوهُ عَريشًا كَعَرِيشِ مُوسى"، قال: فقلت للحسن: ما عريشُ موسى؟ قال: إذا رَفَعَ يَدَيهِ بَلَغ العَرِيشَ - يعني السَّقْفَ - (3).
(1) رواه البخاري 7/ 207 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، ومسلم رقم (524) في المساجد: باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
ذكره البيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 258 و 259.
(3)
"دلائل النبوة" 2/ 262.
237 -
عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي قال: بَنَيتُ معَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مسجد المَدينة، فكان يقولُ:"قَرِّبوا اليمامِيَّ منَ الطِّين، فإنَّهُ من أحسَنِكُم له بناءً"(1).
238 -
عن سفينة قال: لما بنى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المسجد، وَضَعَ حَجَرًا ثم قال: لِيَضَعَ أبو بكرٍ حَجَرَهُ إلى جَنْبِ حَجَري، ثم لِيَضَعْ عُمَرُ حَجَرَهُ إلى جَنْبِ حَجَرِ أبي بكرٍ، ثم لِيَضَعْ عُثمانُ حَجَرَهُ إلى جَنْبِ حَجَرِ عُمَر، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"هؤلاءِ الخُلَفاءُ مِن بُعْدي" أخرجَهُ البَيهَقِي (2).
239 -
عن أهل السِّير قالوا: بنى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مسجِدَهُ مرَّتَين، بناه حِين قَدم أقل من مئة في مئة، فلما فَتح الله تعالى عليه خَيْبَر بناهُ وزاد عليه في الدُّور مثله أخرجه محب الدين بن النجار (3).
240 -
عن عبادة: أن الأنصار جَمَعُوا مالًا، فَأتَوا به النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسولَ الله، ابن بِهَذا المسجِدَ وَزَيِّنْه، إلى متى نُصَلِّي تَحتَ هَذا الجريد؟ فقال:"ما بي رَغْبَةٌ عن أخي مُوسى، عَرِيشٌ كَعَرِيشِ موسى"(4).
241 -
عن ابن النجار قال: بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده مربَّعًا، وجَعَل قِبْلَتَهُ إلى بيت المقدس، وطوله سبعون ذراعًا في ستين ذراعًا أو يزيد، وجَعَل
(1)"دلائل النبوة" 2/ 262.
(2)
2/ 271 و 272 في "دلائل النبوة". وفي سنده حشرج بن نباتة، وهو مختلف فيه وثقه أحمد وابن معين وغيره. وقال أبو حاتم: صالح الحديث ولا يحتج به. وذكره ابن عدي في الكامل وسرد له عدة أحاديث مناكير وغرائب، وقال: البخاري لا يتابع في حديثه يعني هذا الحديث، لأن عمر وعلي قالا: لم يستخلف النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
وذكره السمهودي في كتابه: "خلاصة الوفا" ونسبه لابن زبالة من طريق ابن جريج عن جعفر بن عمرو.
(4)
ذكره البيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 262.