الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في النهي عن الخطبة على خطبة الغير، والبيع على البيع أو السوم على السوم، أي بعد الاتفاق على البيع وقبل عقده.
وأباح الجمهور الخطبة الثانية؛ لأن فاطمة بنت قيس خطبها ثلاثة: وهم معاوية، وأبو جهم بن حذافة، وأسامة بن زيد، بعد أن طلقها أبو عمرو بن حفص ابن المغيرة بعد انقضاء عدتها منه، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بذلك، فقال:«أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، أنكحي أسامة بن زيد» (1) فهذا يدل على جواز تقدم أكثر من خطيب إذا لم تقبل المرأة الخطبة، لكن يظهر أن ذلك إذا لم يعلم الخاطب أن غيره قد تقدم لخطبة تلك المرأة، مما يدل على رجحان الرأي الأول.
وعلى كل حال فالأدب الإسلامي يقضي بالتريث إلى أن تنتهي فترة التردد والمفاوضات والمشاورات التي تحدث عادة، حفاظاً على صلة الود والمحبة بين الناس، وبعداً عن إيجاد العداوة وزرع الأحقاد في النفوس.
سابعاً ـ مقومات المرأة المخطوبة:
حرص الإسلام على ديمومة الزواج بالاعتماد على حسن الاختيار، وقوة الأساس الذي يحقق الصفاء والوئام، والسعادة والاطمئنان، وذلك بالدين والخلق، فالدين يقوى مع مضي العمر، والخلق يستقيم بمرور الزمن وتجارب الحياة، أما الغايات الأخرى التي يتأثر بها الناس من مال وجمال وحسب، فهي وقتية الأثر، ولا تحقق دوام الارتباط، وتكون غالباً مدعاة للتفاخر والتعالي، واجتذاب أو لفت أنظار الآخرين.
(1) رواه مسلم عن فاطمة بنت قيس، وهي امرأة قرشية أخت الضحاك بن قيس، وهي من المهاجرات الأول، كانت ذات جمال وفضل وكمال (سبل السلام: 129/ 3).
لذا قال عليه الصلاة والسلام: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين، ترِبت يداك» (1) أي أن الذي يرغب في الزواج ويدعو الرجال إليه عادة أحد هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إذا وجدوا ذات الدين، فلا يعدلوا عنها، وإلا أصيب الرجل بالإفلاس والفقر.
ثم نهى صلى الله عليه وسلم صراحة عن زواج المرأة لغير دينها، وحذر من عاقبة المال والجمال، فقال:«لا تنكحوا النساء لحسنهن، فلعله يرديهن، ولا لمالهن فلعله يطغيهن، وانكحوهن للدين، ولأمة سوداء خرقاء ذات دين أفضل» (2).
وورد في صفة خير النساء: «قيل: يا رسول الله، أي النساء خير؟ قال: التي تسره إن نظر، وتطيعه إن أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره» (3) وللبيئة تأثير كبير، فلا يغترن الشاب بجمال في بيئة ذات تربية وضيعة، روى الدارقطني والديلمي عن أبي سعيد مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إياكم وخضراء الدِّمَن، قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء» لكن قال الدارقطني: لا يصح من وجه.
وحسن اختيار المرأة ذو هدفين، إسعاد الرجل، وتنشئة الأولاد نشأة صالحة تتميز بالاستقامة وحسن الأخلاق، لذا قال عليه الصلاة والسلام:«تخيروا لنطفكم، فانكحوا الأكفاء، وانكحوا إليهم» (4).
(1) متفق عليه بين أصحاب الكتب السبعة (أحمد والكتب الستة) عن أبي هريرة. والحسب: هو الفعل الجميل للرجل وآبائه (سبل السلام: 111/ 3).
(2)
أخرجه ابن ماجه والبزار والبيهقي من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً (المرجع السابق).
(3)
أخرجه النسائي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه (المرجع السابق).
(4)
حديث صححه الحاكم عن عائشة، ورواه الحاكم وابن ماجه والبيهقي والدارقطني، وقال عنه أبو حاتم الرازي: ليس له أصل، وقال ابن الصلاح: له أسانيد فيها مقال.
ويمكن تلخيص ضوابط مقومات المرأة المخطوبة على النحو الآتي كما أبان الشافعية والحنابلة وغيرهم (1)، فقالوا: يستحب ما يلي:
1ً - أن تكون المرأة ديِّنة، للحديث السابق:«فعليك بذات الدين» .
2ً - أن تكون ولوداً، لحديث:«تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» (2). ويعرف كون البكر ولوداً بكونها من نساء يعرفن بكثرة الأولاد.
3ً - أن تكون بكراً، لقوله صلى الله عليه وسلم لجابر:«فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك؟» (3).
4ً - وأن تكون من بيت معروف بالدين والقناعة؛ لأنه مظنّة دينها وقناعتها.
5ً - وأن تكون حسيبة: وهي النسيبة، أي طيبة الأصل، ليكون ولدها نجيباً، فإنه ربما أشبه أهلها ونزع إليها، لحديث «ولحسبها» .
ولا ينبغي تزوج بنت زنا ولقيطة ومن لا يعرف أبوها، أي أن الزواج حينئذ مكروه. مباح غير حرام، وأما آية:{الزاني لاينكح إلا زانية .. } [النور:3/ 24] فمنسوخة، أو شأنه ذلك.
6ً - وأن تكون جميلة؛ لأنها أسكن لنفسه، وأغض لبصره، وأكمل لمودته، ولذلك جاز النظر قبل الزواج، ولحديث أبي هريرة السابق: «قيل: يا رسول الله، أي النساء خير؟
…
» لكن كره الشافعية خطبة المرأة الفائقة الجمال.
7ً - وأن تكون أجنبية غير ذات قرابة قريبة؛ لأن ولدها يكون أنجب، وقد قيل:«إن الغرائب أنجب، وبنات العم أصبر» ولأنه لا يأمن الطلاق، فيفضي مع
(1) كشاف القناع: 7/ 5 - 8، مغني المحتاج: 126/ 3 ومابعدها، الشرح الصغير: 341/ 2.
(2)
رواه سعيد بن منصور في سننه، وأبو داود والنسائي والحاكم وصحح إسناده عن معقل بن يسار.
(3)
متفق عليه.