الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس ـ هل ألفاظ اللعان شهادات أو أيمان
؟ تبين في بحث شروط المتلاعنين أن الحنفية قالوا: إنما يجوز اللعان لمن كان من أهل الشهادة، فلا لعان إلا بين مسلمين حرين عدلين، وتشترط في المتلاعنين: الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والنطق وعدم الحد في القذف.
وقال الجمهور: يصح اللعان من كل زوجين مكلفين، سواء أكانا مسلمين أم كافرين أم عدلين أم فاسقين أم محدودين في قذف أم كان أحدهما بتلك الصفة، أم كان من الأخرس.
ومنشأ الخلاف في محدود القذف والأخرس والكافر هو: هل ألفاظ اللعان شهادات أو أيمان؟
رأى الحنفية (1): أن اللعان شهادات مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن وبالغضب، وإنه في جانب الزوج قائم مقام حد القذف، وفي جانب الزوجة قائم مقام حد الزنا. ودليلهم آية اللعان:{والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله} [النور:6/ 24] سمى الأزواج شهداء، وسمى اللعان شهادة في النص:{فشهادة أحدهم} [النور:6/ 24] وجعل عددها كعدد شهادات الزنا. وإذا كان اللعان شهادة، فيشترط فيها ما يشترط في الشهادة على المسلم.
وقال الجمهور (2): سميت ألفاظ اللعان شهادات، وهي في الحقيقة أيمان، واللعان يمين، وإن كان يسمى شهادة، لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة لعان هلال بن أمية:
(1) البدائع: 241/ 3 وما بعدها، اللباب: 75/ 3، 78.
(2)
بداية المجتهد: 118/ 2، مغني المحتاج: 374/ 3، المغني: 392/ 7 وما بعدها.
«
لولا الأيمان لكان لي ولها شأن» (1) ولأنه لا بد في اللعان من ذكر اسم الله تعالى وذكر جواب القسم، ولو كان شهادة لما احتاج إليه، ولأنه يستوي فيه الرجل والمرأة، ولو كان شهادة لكانت المرأة على النصف من الرجل فيه، ولأنه يجب تكراره أربعاً، والمعهود في الشهادة عدم التكرار، أما اليمين فتتكرر كما في أيمان القسامة، ولأن اللعان يكون من الطرفين، والشهادة لا تكون إلا من طرف واحد وهو المدعي.
أما تسمية اللعان شهادة، فلقول الملاعن في يمينه:(أشهد بالله) فسمي اللعان شهادة وإن كان يميناً، فقد يعبر عن الشهادة باليمين كما في قوله تعالى:{إذا جاءك المنافقون قالوا: نشهد} [المنافقون:1/ 63] ثم قال: {اتخذوا أيمانهم جُنَّة} [المنافقون:2/ 63] وأجمعوا على جواز لعان الأعمى، ولو كان شهادة لما جاز لعانه.
وإذا كان اللعان يميناً، فلا يشترط فيه ما يشترط في الشهادة، وتفرع عن الخلاف اختلافهم في الأخرس، فقال الجمهور: يلاعن الأخرس إذا فهم عنه. وقال الحنفية: لا يلاعن؛ لأنه ليس من أهل الشهادة.
والراجح لدي رأي الجمهور لقوة أدلتهم من السنة والمعقول، ولأن اللعان شرع للحاجة، والحاجة تتسع لأناس ولو لم يكونوا أهلاً للشهادة. وهذا هو أيضاً رأي العترة (آل البيت).
(1) رواه الجماعة إلا مسلماً والنسائي عن ابن عباس (نيل الأوطار: 274/ 6).