الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحدها بدون جماع وإرخاء الستور لا تؤكد المهر للزوجة، فلو خلا الزوج بزوجته خلوة صحيحة، ثم طلقها قبل الدخول بها، وجب فقط نصف المهر المسمى، أوالمتعة إن لم يكن المهر مسمى، علماً بأن المتعة عند المالكية مستحبة لا واجبة.
ودليلهم قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، وقد فرضتم لهن فريضة، فنصف ما فرضتم} [البقرة:237/ 2] والمس: كناية عن الاتصال الجنسي، وفسروا آية {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} [النساء:21/ 4] بأن الإفضاء معناه الجماع.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المهر للمرأة بما استحل من فرجها أي أصابها.
لكن قال المالكية: للخلوة الصحيحة حكمان:
الأول ـ وجوب العدة على المرأة، حتى ولو اتفق الزوجان على عدم وقوع الوطء فيها؛ لأن العدة حق الله تعالى، فلا تسقط باتفاق الزوجين على نفي الوطء، مع اعترافهما بالخلوة.
الثاني ـ صيرورتها قرينة على الوطء عند اختلاف الزوجين في حدوثه: فإذا اختلى الرجل بزوجته خلوة اهتداء، وهي المعروفة عندهم بإرخاء الستور: وهي أن يسكن كل واحد من الزوجين للآخر، ويطمئن إليه. ثم يطلقها، ويختلفان في حصول الوطء، صدقت الزوجة بيمينها فيما تدعيه. فإن امتنعت عن اليمين حلف الزوج، ولزمه نصف الصداق. وإن نكل عن اليمين، لزمه جميع الصداق؛ لأن الخلوة بمنزلة شاهد، والنكول عن اليمين بمنزلة شاهد آخر.
و
مذهب الحنفية والحنابلة:
الخلوة كالوطء في تكميل مهر، ولزوم عدة، وثبوت نسب، وتحريم أخت، وأربع سواها حتى تنقضي عدتها. ويعد اللمس
والتقبيل بشهوة عند الحنابلة كالدخول أيضاً. وعليه يكون الطلاق بعد الخلوة الصحيحة طلاقاً بائناً، تترتب عليه الأحكام التالية:
1 -
ثبوت كامل المهر: فلو طلقها بعد الخلوة الصحيحة، استحقت كل المهر المسمى، ومهر المثل إن لم تكن التسمية صحيحة.
2 -
ثبوت النسب: فلو طلقها بعد الخلوة الصحيحة، وجاءت بولد ثبت نسبه منه إن جاءت به لأكثر من ستة أشهر بعد الخلوة.
3 -
وجوب العدة: فإن طلقها بعد الخلوة ولو كانت فاسدة عند الحنفية، وجب عليهاالعدة المقررة بعد الدخول والفرقة.
4 -
لزوم نفقة العدة على الزوج المطلق: وهي الطعام والسكنى والكسوة.
5 -
حرمة التزوج بامرأة محرم لها أو بأربع سواها ما دامت في العدة، أو التزوج بخامسة في عدتها إذا كانت رابعة، كما يحرم الزواج خلال العدة من طلاق بعد الدخول.
6 -
تطليقها في الطهر: إذا أراد الزوج طلاق الزوجة بعد الخلوة الصحيحة، لزمه مراعاة وقت الطلاق، وهو كونه في طهر، كالمقرر في الطلاق السني بعد الدخول.
والخلاصة: أن ثبوت المهر والعدة من أحكام الخلوة المحضة، وأما ثبوت النسب فهو عند الحنفية من أحكام العقد مطلقاً، وأما بقية الأحكام فهي من آثار العدة.
ولا تكون الخلوة كالوطء أو الدخول فيما يأتي:
1 -
الإحصان: فالخلوة الصحيحة لا تجعل الزوجين محصنين لإقامة حد الرجم، وإنما لا بد من الدخول.
2 -
الغسل: لا يجب الغسل على أحد الزوجين بمجرد الخلوة، بخلاف الوطء.
3 -
حرمة البنت: الخلوة لا تحرم البنت على الزوج، وله أن يتزوجها بعد طلاق أمها، وإنما لا بد من الدخول الحقيقي بالأم لتحريم ابنتها على الزوج.
4 -
التحليل: الخلوة الصحيحة مع الزوج الثاني لا تحل المرأة لزوجها الأول، وإنما لا بد من الدخول الحقيقي (ذوق العسيلة) ثم طلاقها.
5 -
حصول الرجعة: الخلوة بالمطلقة لا تكون رجعة، فمن طلق امرأته طلاقاً رجعياً ثم اختلى بها من غير أن يرجع بالقول، أو بالفعل كوطء وتقبيل، لا يكون بالخلوة مراجعاً لها، أما الدخول فإنه يحقق المراجعة.
6 -
العودة للزوجية بدون عقد جديد: الطلاق بعد الخلوة يكون بائناً، فلا تعاد إلى المطلق إلا بعقد ومهر جديدين. أما الطلاق بعد الدخول فيقع رجعياً إذا لم يكمل الثلاث، فيمكن للرجل مراجعة امرأته من غير عقد جديد.
7 -
الميراث: يقع الطلاق بائناً بعد الخلوة، فإذا مات أحد الزوجين في أثناء العدة من هذا الطلاق فلا يرثه الآخر، إذ لا ميراث في الموت في عدة الطلاق البائن. إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً غير مكمل للثلاث، ومات أحدهما في عدة هذا الطلاق، فإن الآخر يرثه؛ لأن الطلاق حينئذ رجعي، والموت في عدة الطلاق الرجعي كالموت حال قيام الزوجية.
8 -
تزوجها كالأبكار على المختار عند الحنفية: فمن طلق امرأته بعد الخلوة، فحكمها في الزواج كحكم الأبكار؛ لأنها بكر في الحقيقة. أما المدخول بها حقيقة فيكون تزوجها بغير الزوج الأول بعد الفراق كتزوج الثيبات. ويلاحظ ما يأتي:
أـ إن أحكام الخلوة المذكورة لا تثبت إلا إذا كان عقد الزواج صحيحاً، فإن كان فاسداً فلا يثبت للخلوة بعده شيء من تلك الأحكام.
ب ـ والعدة في المعتمد في المذهب الحنفي قد تجب في بعض حالات الخلوة الفاسدة: وهي التي يكون فسادها لمانع طبيعي أو شرعي؛ لأن الوطء ممكن في ذاته، بخلاف حالة المانع الحسي.
جـ ـ تجب العدة في الخلوة في القضاء فقط، لا في الديانة، أما العدة بعد الدخول الحقيقي فتجب قضاء وديانة.
أدلة الحنفية والحنابلة:
استدل هؤلاء على جعل الخلوة بمثابة الدخول بما يأتي:
1ً - قوله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج، وآتيتم إحداهن قنطاراً، فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض، وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً} [النساء:20/ 4 - 21] نهى الشرع عن أخذ شيء من المهر بعد الإفضاء، والإفضاء ـ كما قال الفراء ـ هو الخلوة، سواء دخل بها أم لم يدخل.
2ً - الحديث النبوي: «من كشف خمار امرأته، ونظر إليها فقد وجب الصداق، دخل بها أو لم يدخل» (1) وهو ظاهر الدلالة على المطلوب.
3ً - الآثار: قال زرارة بن أبي أوفى: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه إذا أرخى الستور، وأغلق الباب، فلها الصداق كاملاً، وعليها العدة، دخل بها أو لم يدخل بها (2).
4ً - المعقول: أن الزوجة بتمكينها من الخلوة مع عدم المانع من الجماع، قد سلمت المبدل وهو مقابل المهر، فيجب على زوجها تسليمها البدل وهو المهر، كما في البيع والإجارة، وتقصير الزوج في استيفاء حقه لا تؤاخذ هي به، كما أن تقصير المستأجر والمشتري في الاستلام بعد التخلية ورفع الموانع، لا يمنع من حصول التسليم.
(1) رواه الدارقطني.
(2)
رواه أحمد والأثرم بإسنادهما.