الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً ـ مشروعية الكفارة:
شرعت كفارة الظهار بالكتاب والسنة (1):
أما الكتاب: فقول تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم، ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا، ذلكم توعظون به، والله بما تعملون خبير. فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً
…
} [المجادلة:3/ 58 - 4].
وأما السنة: فروى أبو داود بإسناده عن خولة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني أوس بن الصامت، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه، ويقول: اتقي الله، فإنه ابنُ عمك، فما برح حتى نزل القرآن:{قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} [المجادلة:1/ 58] إلى الفرض (2)، فقال: يعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت يا رسول الله، إنه شيخ كبير، ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكيناً، قالت: ما عنده من شيء يتصدَّق به، قال: فأُتي بعَرَق من تمر، قالت: يا رسول الله، فإني سأعينه بعَرَق آخر، قال: قد أحسَنت، اذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكيناً، وارجعي إلى ابن عمك. والعَرَق: ستون صاعاً (3).
ثانياً ـ متى تجب كفارة الظهار
؟ يرى أكثر الفقهاء أن كفارة الظهار لا تجب قبل العود، فلو مات أحد المظاهرين أو فارق المظاهر زوجته قبل العود، فلا كفارة عليه، لقوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم، ثم يعودون لما قالوا، فتحرير رقبة من قبل أن
(1) بداية المجتهد: 103/ 2، المغني: 109/ 7.
(2)
الفرض: يقصد به آيتي الظهار 3 و 4 من سورة المجادلة.
(3)
رواه أبو داود، ولأحمد معناه، لكنه لم يذكر قدر العَرَق (نيل الأوطار: 262/ 6).
يتماسا} [المجادلة:3/ 58] وهو نص في وجوب تعلق الكفارة بالعود. ومن طريق القياس: إن الظهار يشبه كفارة اليمين، فكما أن الكفارة إنما تلزم بالمخالفة أو بإرادة المخالفة، كذلك الأمر في الظهار، والكفارة في الظهار كفارة يمين، فلا يحنث بغير الحنث
كسائر الأيمان، والحنث فيها هو العود.
واختلفوا في تفسير العود على آراء ثلاثة (1):
قال الحنفية: والمالكية على المشهور: العود: العزم على الوطء أو إرادة الوطء.
ورأى الحنابلة أن العود: هو الوطء في الفرج، لقوله تعالى:{ثم يعودون لما قالوا، فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} [المجادلة:3/ 58] أوجب الكفارة عقب العود، وهو يقتضي تعلقها به، ولا تجب قبله، إلا أن الكفارة شرط لحل الوطء، فيؤمر بها من أراده ليستحله بها، كما يؤمر بعقد النكاح من أراد حلها، ولأن العود في القول هو فعل ضد ما قال، كما أن العود في الهبة: هو استرجاع ما وهب. والعود هنا هو فعل ما حلف على تركه وهو الجماع.
وذهب الشافعية إلى أن العود في الظهار: هو إمساكها بعد ظهاره زمناً يمكنه طلاقها فيه؛ لأن ظهاره منها يقتضي إبانتها، فإمساكها عود فيما قال، ولأن تشبيهها بالأم يقتضي ألا يمسكها زوجة، فإذا أمسكها زوجة فقد عاد فيما قال؛ لأن العود للقول مخالفته، يقال: قال فلان قولاً ثم عاد له، وعاد فيه: أي خالفه ونقضه، وهو قريب من قولهم: عاد في هبته.
(1) البدائع: 235/ 3، اللباب: 68/ 3، بداية المجتهد: 104/ 2 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص243، الشرح الصغير: 643/ 2، مغني المحتاج: 355/ 3 - 357، المهذب: 113/ 2، المغني: 351/ 7 وما بعدها، كشاف القناع: 432/ 5 وما بعدها.