الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن يقين.
والنفي لنسب ولد يكون على الفور في الأظهر الجديد؛ لأنه شرع لدفع ضرر محقق، فكان على الفور مثل الرد بالعيب وخيار الشفعة، لكن إن سكت عن النفي لعذر كأن بلغه الخبر ليلاً فأخر حتى يصبح أو كان جائعاًً فأكل، أو عارياً فلبس، صح تأخيره النفي للعذر.
ولم يجز الحنابلة (1) كالحنفية نفي الحمل قبل الوضع، ولا ينتفي حتى يلاعنها بعد الوضع وينتفي الولد فيه؛ لأن الحمل غير متيقن، يجوز أن يكون انتفاخاً أو ريحاً. واشترطوا كالشافعية أن يكون النفي عقب الولادة، فإذا ولدت المرأة ولداً فسكت عن نفيه مع إمكانه، لزمه نسبه، ولم يكن له نفيه بعدئذ.
والحاصل أن للفقهاء رأيين في نفي الحمل: رأي الحنفية والحنابلة بعدم الجواز لاحتمال كونه غير حمل، ورأي المالكية والشافعية بالجواز، محتجين بحديث هلال بن أمية وأنه نفى حملها، فنفاه عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وألحقه بالأول، ولا خفاء بأنه كان حملاً، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:«انظروها، فإن جاءت به كذا وكذا» ولأن الحمل مظنون بأمارات تدل عليه، ولأنه يصح استلحاق الحمل، فكان نفيه كنفي الولد بعد وضعه. قال ابن قدامة: وهذا القول هو الصحيح لموافقته ظواهر الأحاديث، وما خالف الحديث لا يعبأ به كائناً ما كان.
وشرط اللعان: التعجيل عند الجمهور بعد علم الزوج بالحمل أو الولد، وأجاز أبو حنيفة اللعان عقب الولادة أو بعدها بسبعة أيام.
المطلب الثاني ـ مشروعية اللعان:
شرع اللعان بين الزوجين بقوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم، ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسُهم، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله، إنه لمن الصادقين،
(1) المغني: 423/ 7 - 424.
والخامسةُ أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله، إنه لمن الكاذبين، والخامسةَ أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} [النور:6/ 24 - 8].
وسبب نزولها: ما أخرجه الجماعة إلا مسلماً والنسائي عن ابن عباس: «أن هلال بن أمية (1) قذف زوجته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشَرِيك بن سَحْماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: البينة أو حد في ظهرك! فقال: يا نبي الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق، يلتمس البينة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكرّر ذلك، فقال هلال: والذي بعثك بالحق نبياً، إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزلت الآيات» (2).
فكان أول لعان في الإسلام: ما حدث بين هلال بين أمية وزوجته، وهذا رأي الجمهور، وقد حكى الماوردي عن أكثر العلماء أن قصة هلال أسبق من قصة عويمر. وروى الجماعة إلا الترمذي عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعويمر العجلاني:«قد نزل فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها، فتلاعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم» (3). وهذا رأي النووي في شرح مسلم أن السبب في نزول آية اللعان: قصة عويمر العجلاني.
يختلف بهذا حكم الزوجين عن الأجانب في حال القذف، فإن قذف إنسان غيره، أو اتهم رجل امرأة ليست زوجة له بالزنا، وكانت عفيفة، ولم يأت بأربعة يشهدون بصحة اتهامه، فإنه يحد حد القذف وهو ثمانون جلدة، زجراً له ولأمثاله عن ارتكاب هذه المعصية، ودفعاً للعار عن المقذوف.
(1) هو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم، كما جاء في رواية ابن عباس عند أبي داود.
(2)
رواه الجماعة إلا مسلماً والنسائي عن ابن عباس (نيل الأوطار: 272/ 6).
(3)
نيل الأوطار: 268/ 6.