الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِقاعه؛ لأنها قبلة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعند ابن حبان:«أنها من الجنة» .
واللعان في غير المساجد الثلاثة يكون عند منبر الجامع؛ لأنه المعظم منه.
وتلاعن امرأة حائض أو نفساء أو متحيرة مسلمة عند باب المسجد الجامع.
ويلاعن ذمي أو كتابي في بِيعة (وهي معبد النصارى) وفي كنيسة (وهي معبد اليهود)(1)؛ لأن معابدهم كالمساجد عندنا، ويلاعن مجوسي في بيت نار، لأنهم يعظمونه، والمقصود الزجر عن الكذب، فيحضره القاضي رعاية لاعتقادهم لشبهة الكتاب التي يدعونها. ولا يلاعن في بيت أصنام وثني؛ لأنه لا حرمة له، واعتقادهم فيه غير شرعي.
ولا يغلظ اللعان في رأي القاضي أبي يعلى من الحنابلة، والحنفية بمكان ولا زمان؛ لأن الله تعالى أطلق الأمر به، ولم يقيده بزمن ولا مكان، فلا يجوز تقييده إلا بدليل، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل بإحضار امرأته، ولم يخصه بزمن، ولو خصه به لنقل ولم يهمل.
المطلب الخامس ـ ما يجب عند
نكول أحد الزوجين
عن اللعان أو رجوعه عنه:
قد يمتنع أحد الزوجين عن اللعان بعد طلبه من القاضي، وقد يرجع عنه ويُكذب نفسه، فماذا يفعل القاضي؟
(1) وتسمى البيعة أيضاَ كنيسة، بل هو العرف اليوم.
أما في حال نكول أحد الزوجين عن اللعان بعد طلبه منه، فقد اختلف الفقهاء في حكمه على رأيين (1):
أـ ذهب الحنفية: إلى أنه إن امتنع الزوج عن اللعان حبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه، فيحد حد القذف. وإن امتنعت الزوجة عن اللعان حبست حتى تلاعن أو تصدق الزوج فيما ادعاه عليها، فإن صدقته خلي سبيلها من غير حد؛ لأن قوله:{ويدرأ عنها العذاب} [النور:8/ 24] أي الحبس عندهم وعند الحنابلة.
ب ـ وذهب الجمهور غير الحنفية: إلى أنه إن امتنع الزوج عن اللعان أو امتنعت الزوجة حُدّ حد القذف؛ لأن اللعان بدل عن حد الزنا، لقوله تعالى:{ويدرأ عنها العذاب} [النور:8/ 24] أي العذاب الدنيوي وهو الحد عندهم، فلا يندرئ الحد عن الزوجة مثلاً إلا بلعانها.
إلا أن الحنابلة وافقوا الحنفية فيما إذا امتنعت الزوجة عن اللعان أخذاً بمدلول الآية السابقة: {ويدرأ عنها العذاب} [النور:8/ 24] فإن لم تلاعن وجب ألا يدرأ عنها العذاب، فتحبس حتى تقر بالزنا أربع مرات أو تلاعن.
ومنشأ الخلاف بين الحنفية والجمهور في حال امتناع الزوج عن اللعان: هو اختلافهم في الموجَب الأصلي لقذف الزوجة، أهو اللعان أم الحد؟ قرر الحنفية بأن الموجب الأصلي هو اللعان، واللعان واجب، لقوله تعالى:{والذين يرمون أزواجهم، ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله}
(1) الدر المختار: 808/ 2، اللباب: 75/ 3، البدائع: 238/ 3، بداية المجتهد: 119/ 2، القوانين الفقهية: ص 245، مغني المحتاج: 371/ 3، 382، المهذب: 119/ 2، المغني: 392/ 7، 397، 404، غاية المنتهى: 202/ 3، كشاف القناع: 463/ 5.
[النور:6/ 24] أي فليشهد أحدهم أربع شهادات بالله، فإنه تعالى جعل موجب قذف الزوجات هو اللعان، فمن أوجب الحد فقد خالف النص، فصارت آية حد القذف بالنسبة للزوجات منسوخة في حق الأزواج، وأصبح الواجب بقذف الزوجة هو اللعان، فإذا امتنع عنه حبس حتى يلاعن، كالمدين إذا امتنع عن إيفاء دينه، فإنه يحبس حتى يوفي ما عليه.
وقرر الجمهور: أن الموجب الأصلي هو حد القذف، واللعان مسقط له، لعموم قوله تعالى:{والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور:4/ 24] فإنه عام في الأجنبي والزوج، ويجب الحد على كل قاذف، سواء أكان زوجاً أم غيره، ثم جعل الالتعان للزوج مقام الشهود الأربعة الذين يثبت بشهادتهم الزنا، فوجب عليه إذا امتنع عن اللعان الموجب الأصلي وهو حد القذف.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهلال بن أمية لما قذف زوجته بالزنا: «البينة أو حد في ظهرك» .
ورأي الجمهور أرجح لقوة أدلتهم من القرآن والسنة. وبناء عليه إذا قذف الزوج زوجته المحصنة (العفيفة) وجب عليه حد القذف، وحكم بفسقه، ورد شهادته، إلا أن يأتي ببينة أو يلاعن، فإن لم يأت بأربعة شهداء، أو امتنع عن اللعان، لزمه ذلك كله.
وقد يجب على الزوج في حال امتناعه عن اللعان التعزير فقط، كما في حال قذف غير المحصنة كالمرأة الكتابية، والأمَة، والمجنونة، والطفلة، فإنه يجب عليه التعزير به، لإلحاقه العار بها بالقذف، ولا يحد لهن حداً كاملاً لنقصانهن بما ذكر، ولا يتعلق به فسق، ولا رد شهادة؛ لأن القذف لهؤلاء لا يوجب الحد. وله أن يلاعن لدرء التعزير عنه؛ لأنه تعزير قذف.