الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي صحيح مسلم عن جابر: «كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
وأبي بكر، حتى نهى عمر في شأن عمرو بن حريث» (1).
وكان يقول بجواز المتعة ابن عباس وجماعة من السلف، منهم بعض الصحابة (أسماء بنت أبي بكر، وجابر وابن مسعود ومعاوية وعمرو بن حريث، وأبو سعيد وسلمة ابنا أمية بن خلف) ومنهم بعض التابعين (طاوس وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة ومنهم ابن جريج).
وأجاز المتعة الإمام المهدي، وحكاه عن الباقر والصادق والإمامية (2). وأما الشيعة الزيدية فيقولون كالجمهور بتحريم نكاح المتعة، ويؤكدون أن ابن عباس رجع عن تحليله (3).
و
أجيب عن هذه الأدلة
بما يأتي (4):
1 -
إن المراد بالاستمتاع في آية {فما استمتعتم} [النساء:24/ 4]: النكاح؛ لأنه هو المذكور في أول الآية وآخرها، حيث بدئت بقول تعالى:{ولا تنكحوا مانكح آباؤكم} [النساء:22/ 4] وختمت بقوله سبحانه: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات} [النساء:25/ 4] فدل على أن المراد بالاستمتاع هنا ما كان عن طريق النكاح، وليس المراد به المتعة المحرمة شرعاً.
وأما التعبير بالأجر: فإن المهر في النكاح يسمى في اللغة أجراً، لقوله تعالى:{فانكحوهن بإذن أهلهن، وآتوهن أجورهن بالمعروف} [النساء:25/ 4] أي
(1) نصب الراية: 181/ 3.
(2)
نيل الأوطار: 135/ 6 وما بعدها.
(3)
البحر الزخار: 22/ 3.
(4)
الأحوال الشخصية للدكتور مصطفى السباعي: 83/ 1 وما بعدها.
مهورهن، وقوله سبحانه:{يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} [الأحزاب:50/ 33] أي مهورهن.
وأما الأمر بإيتاء الأجر بعد الاستمتاع، والمهر يؤخذ قبل الاستمتاع، فهذا على طريقة في اللغة من تقديم وتأخير، والتقدير: فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم بهن، أي إذا أردتم الاستمتاع بهن، مثل قوله تعالى:{إذا طلقتم النساء فطلقوهن} [الطلاق:1/ 65] أي إذا أردتم الطلاق، ومثل {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} [المائدة:6/ 5] أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة.
2 -
وأما الإذن بالمتعة في السنة النبوية في بعض الغزوات، فكان للضرورة القاهرة في الحرب، وبسبب العُزْبة في حال السفر، ثم حرمها الرسول صلى الله عليه وسلم تحريماً أبدياً إلى يوم القيامة، بدليل الأحاديث الكثيرة، منها:
ب ـ قال سلمة بن الأكوع: «رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام، ثم نهى عنها» (2).
جـ ـ قال سَبْرة بن معبد: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة» (3).
(1) رواه مسلم وأحمد عن سَبْرة بن معبد الجهني.
(2)
رواه مسلم وأحمد.
(3)
رواه أحمد وأبو داود.
د ـ عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحُمر الأهلية زمن خيبر (1).
وأما ابن عباس: فكان يجيز المتعة للمضطر فقط، روى عنه سعيد بن جبير أنه قال: سبحان الله، ما بهذا أفتيت، وإنما هي كالميتة لا تحل إلا للمضطر. وأما الشيعة فقد توسعوا فيها وجعلوا الحكم عاماً للمضطر وغيره، وللمقيم والمسافر.
ومع ذلك فقد أنكر عليه الصحابة، مما يجعل رأيه شاذاً تفرد به، فقد أنكر عليه علي رضي الله عنه قائلاً له: إنك امرؤ تائه (2)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحُمر الإنسية، وأنكر عليه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، روى مسلم عنه أنه قام بمكة فقال:«إن إناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة ـ يعرِّض برجل هو عبد الله بن العباس ـ فناداه ابن عباس، فقال له: إنك لجِلْف (3) جاف، فلعمري، لقد كانت المتعة تفعل في عهد أمير المتقين ـ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبير: فجرب نفسك، فوالله لو فعلتها لأرجمنك بأحجارك» .
ثم نقل المحدثون عن ابن عباس أنه رجع عن قوله، روى الترمذي عنه أنه قال: «إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له فيها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر مايرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شأنه، حتى نزلت هذه الآية:{إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون:
(1) رواه أحمد والشيخان (راجع نيل الأوطار: 134/ 6، نصب الراية: 177/ 3، في كل هذه الأحاديث).
(2)
أي حائر حائد عن الطريق المستقيم.
(3)
الجلف: الغليظ الطبع القليل الفهم.
6/ 23]، قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام».
وروى البيهقي أيضاً وأبو عوانة في صحيحه رجوع ابن عباس (1).
والقول برجوعه هو الأصح لدى كثير من العلماء، ويؤكده إجماع الصحابة على التحريم المؤبد، ومن المستبعد أن يخالفهم، روى الحازمي في الناسخ والمنسوخ من حديث جابر بن عبد الله قال:«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك، حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام، جاءت نسوة، فذكرنا تمتعنا، وهن تطفن في رحالنا، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إليهن، وقال: من هؤلاء النسوة؟ فقلنا: يارسول الله، نسوة تمتعنا منهن، قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرَّت وجنتاه، وتمعَّر وجهه، وقام فينا خطيباً، فحمد لله وأثنى عليه، ثم نهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء، ولم نعد، ولا نعود لها أبداً، فبها سميت يومئذ: ثنية الوداع» (2).
وروى أبو عوانة عن ابن جريج أنه قال في البصرة: اشهدوا أني قد رجعت عن المتعة، بعد أن حدثهم فيها ثمانية عشرة حديثاً أنه لا بأس بها (3).
كل هذا يدل على نسخ إباحة المتعة، ولعل ابن عباس ومن وافقه من الصحابة والتابعين لم يبلغه الدليل الناسخ. فإذا ثبت النسخ وجب المصير إليه، أو يقال: إن إباحة المتعة كانت في مرتبة العفو التي لم يتعلق بها الحكم كالخمر قبل تحريمها، ثم ورد النص القاطع بالتحريم.
(1) نيل الأوطار: 135/ 6.
(2)
نصب الراية: 179/ 3.
(3)
نيل الأوطار: 136/ 6.