الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لهذا كله ندب الشرع إلى إعلان النكاح والدعوة إلى وليمته، فقال صلى الله عليه وسلم:«أعلنوا النكاح» «أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغِربال» أي الدُّف، «أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف، وليولم أحدكم ولو بشاة، فإذا خطب أحدكم امرأة وقد خَضِب بالسواد، فليُعْلمها لا يَغرُّها» (1).
رابعاً ـ شروط الشهود:
ينبغي توافر أوصاف معينة في الشهود وهي أولاً ـ أن يكونوا أهلاً لتحمل الشهادة وذلك بالبلوغ والعقل، وثانياً ـ أن يتحقق بحضورهم معنى الإعلان، وثالثاً ـ أن يكونوا أهلاً لتكريم الزواج بحضورهم.
أما الأهلية: فتشترط في الشهود على الزواج بالاتفاق الأهلية الكاملة، وسماع كلام العاقدين وفهم المراد منهم، وتكون شروط الشهود هي ما يأتي:
1ً - العقل: فلا تصح شهادة المجنون على عقد الزواج، إذ لا تتحقق الغاية من الشهادة وهي الإعلان وإثبات الزواج في المستقبل عند الجحود والإنكار.
2ً - البلوغ: فلا تصح شهادة الصبي ولو كان مميزاً، لأنه لا يتحقق بحضور الصبيان الإعلان والتكريم، ولا يتناسب حضورهم مع خطورة الزواج.
وهذان الشرطان متفق عليهما بين الفقهاء، ويمكن جمعهما بشرط واحد وهو كون الشاهدين مكلفين، واختلفوا في شروط أخرى بحسب المقصود من الشهادة، أهو الإعلان فقط كما قال الحنفية، أم صيانة العقد من الجحود والإنكار كما قال الشافعية.
(1) الحديث الأول رواه أحمد وصححه الحاكم عن عامر بن عبد الله بن الزبير، والثاني أخرجه الترمذي وابن ماجه والبيهقي عن عائشة، وفي رواته ضعيف، والثالث أخرجه الترمذي أيضاً من حديث عائشة، وقال: حسن غريب. قال الصنعاني: الأحاديث في إعلان النكاح واسعة وإن كان في كل منها مقال، إلا أنها يعضد بعضها بعضاً (سبل السلام: 116/ 3 ومابعدها).
3ً - التعدد: شرط باتفاق الفقهاء، فلا ينعقد النكاح بشاهد واحد، للحديث السابق:«لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» .
وذكر الحنفية (1): أن من أمر رجلاً بأن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها والأب حاضر بشهادة رجل واحد سواهما، جاز النكاح؛ لأن الأب يجعل مباشراً للعقد لاتحاد المجلس، ويكون الوكيل سفيراً ومعبراً، فيبقى المزوج شاهداً.
وإن كان الأب غائباً لم يجز الزواج؛ لأن المجلس مختلف، فلا يمكن أن يجعل الأب مباشراً.
وإذا زوج الأب ابنته البالغة بمحضر شاهد واحد: إن كانت حاضرة جاز، وإن كانت غائبة لم يجز.
4ً - الذكورة: شرط عند الجمهور غير الحنفية، بأن يكون الشاهدان رجلين، فلا يصح الزواج بشهادة النساء وحدهن ولا بشهادة رجل وامرأتين، لخطورة الزواج وأهميته، بخلاف الشهادة في الأموال والمعاملات المالية، قال الزهري:«مضت السنّة ألا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في النكاح، ولا في الطلاق» (2) ولأنه عقد ليس بمال، ولا يقصد منه المال، ويحضره الرجال في غالب الأحوال، فلا يثبت بشهادة النساء كالحدود.
وقال الحنفية: تجوز شهادة رجل وامرأتين في عقد الزواج، كالشهادة في الأموال؛ لأن المرأة أهل لتحمل الشهادة وأدائها، وإنما لم تقبل شهادتها في الحدود والقصاص فللشبهة فيها بسبب احتمال النسيان والغفلة وعدم التثبت، والحدود تدرأ بالشبهات.
(1) فتح القدير: 356/ 2.
(2)
رواه أبو عبيد في الأموال. والمقصود بالسنة: سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
5ً - الحرية: شرط عند الجمهور غير الحنابلة، بأن يكون الشاهدان حرين، فلا يصح الزواج بشهادة عبدين، لخطورة عقد الزواج، ولأن العبد لا ولاية له على نفسه، ولا شهادة له لعدم الولاية، فلا تكون له ولاية على غيره، والشهادة من قبيل الولايات.
وقال الحنابلة: ينعقد الزواج بشهادة عبدين؛ لأن شهادة العبيد مقبولة عندهم في سائر الحقوق، ولم يثبت نفيها في كتاب أو سنة أو إجماع، قال أنس بن مالك: ما علمت أحداً رد شهادة العبد، والله يقبلها على الأمم يوم القيامة، فكيف لا تقبل هنا؟ وتقبل روايته في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان عدلاً ثقة، فكيف لا تقبل فيما دون ذلك؟ والمعول عليه في الشهادة الثقة بخبر الشاهد، فإذا كان العبد ثقة عدلاً فتقبل شهادته.
6ً - العدالة ولو ظاهرة: أي الاستقامة واتباع تعاليم الدين، ولو في الظاهر بأن يكون مستور الحال غير مجاهر بالفسق والانحراف. وهي شرط عند الجمهور في أرجح الروايتين عن أحمد، وفي الصحيح عند الشافعية، فلا يصح الزواج بشهادة الفاسق، للحديث السابق:«لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» ولأن الشهادة من باب الكرامة لتكريم الزواج وإظهار شأنه، والفاسق من أهل الإهانة فلا يكرم العقد به، وهذا هو الراجح.
وقال الحنفية: العدالة ليست بشرط في الشهود، فيصح العقد بشهادة العدول وغير العدول من الفساق؛ لأن هذه الشهادة تحمّل، فصحت من الفاسق كسائر التحملات، وهو من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة. وهذا رأي الشيعة
الإمامية أيضاً؛ لأن الشهادة عندهم ليست شرطاً لصحة العقد، بل هي مندوب إليها (1).
7ً - الإسلام: شرط بالاتفاق، بأن يكون الشاهدان مسلمين يقيناً، ولا يكفي مستور الإسلام، واشتراطه إذا كان الزوجان مسلمين، واكتفى الحنفية بهذا الشرط إذا كانت الزوجة مسلمة. فإن تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين صح عندهم؛ لأن شهادة الكتابي على مثله جائزة، ولا يصح عند غيرهم؛ لأن الزوج مسلم، ولا بد من معرفة الزواج في أوساط المسلمين.
والسبب في اشتراط إسلام الشهود في نكاح المسلمين: أن لهذا العقد خطورة واعتباراً دينياً، فلا بد من أن يشهده مسلم، لينشر خبره بين المسلمين.
وأما إن كان الزوجان غير مسلمين، فتقبل شهادة الكتابيين عند الحنفية.
8ً - البصر: شرط عند الشافعية في الأصح، فلا تقبل شهادة الأعمى؛ لأن الأقوال لا تثبت إلا بالمعاينة كالسماع، وهو لا يقدر على التمييز بين المدعي والمدعى عليه.
وليس البصر بشرط عند الجمهور، فتصح شهادة الأعمى إذا سمع كلام العاقدين وميز صوتهما على وجه لا يشك فيهما؛ لأنه أهل للشهادة، وهذه شهادة على قول، فتصح كما تصح في المعاملات.
9ً - سماع الشهود كلام العاقدين وفهم المراد منه: شرط عند أكثر الفقهاء، فلا ينعقد بشهادة نائمين أو أصمين؛ لأن الغرض من الشهادة لا يتحقق بأمثالهما.
(1) قالوا: لا يشترط حضور شاهدين ولا ولي إذا كانت الزوجة بالغة رشيدة على الأصح، وإنما يستحب الإشهاد والإعلان والإظهار في النكاح الدائم (المختصر النافع: ص 194).