الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3ً - الدماء متساوية في الجنايات، فيقتل الشريف بالوضيع، والعالم بالجاهل، فيقاس عليها عدم الكفاءة في الزواج، فإن كانت الكفاءة غير معتبرة في الجنايات، فلا تكون معتبرة في الزواج بالأولى.
ورد عليه بأنه قياس مع الفارق؛ لأن التساوي في القصاص في مسائل الجنايات، إنما طلب لمصلحة الناس وحفظ حق الحياة، حتى لا يتجرأ ذو الجاه أو النسب على قتل من دونه ممن لا يكافئه. أما الكفاءة في الزواج فلتحقيق مصالح الزوجين من دوام العشرة مع المودة والألفة بينهما، ولا تتحقق تلك المصالح إلا باشتراط الكفاءة.
الرأي الثاني - رأى جمهور الفقهاء (منهم المذاهب الأربعة):
أن الكفاءة شرط في لزوم الزواج، لا شرط صحة فيه، عملاً بالأدلة التالية من السنة والمعقول:
1ً - السنة: حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «ثلاث لا تؤخر: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفئاً» (1).
وحديث جابر: «لا تنُكحوا النساء إلا الأكفاء، ولا يزوجوهن إلا الأولىاء، ولا مهردون عشرة دراهم» (2).
وحديث عائشة: «تخيروا لنطفكم، وأنكحوا الأكفاء» (3)
(1) رواه الترمذي والحاكم عن علي (نيل الأوطار: 128/ 6).
(2)
رواه الدارقطني عن جابر بن عبد الله، وفيه مبشر بن عبد الله متروك الحديث (نصب الراية: 196/ 3).
(3)
روي من حديث عائشة، ومن حديث أنس، ومن حديث عمر بن الخطاب، من طرق عديدة كلها ضعيفة (نصب الراية: 197/ 3).
وحديث ابن عمر: «العرب بعضهم أكفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، ورجل برجل، والموالي بعضهم أكفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، ورجل برجل إلا حائك أو حجام» (1).وحديث عائشة وعمر: «لأمنعن تزوّج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء» (2).
وحديث أبي حاتم المزني: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه، فأنكحوه، إلا تفعلوه، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» (3) وفيه دليل على اعتبار الكفاءة.
وحديث بريدة المتقدم الذي جعل فيه النبي صلى الله عليه وسلم الخيار لفتاة زوجها أبوها ابن أخيه ليرفع بها خسيسته (4).
وحديث «العلماء ورثة الأنبياء» (5) وحديث «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقُهوا» (6).
قال الشافعي: أصل الكفاءة في النكاح حديث بريرة، فقد خيرها النبي صلى الله عليه وسلم، لما لم يكن زوجها كفئاً لها بعد أن تحررت، وكان زوجها عبداً.
وقال الكمال بن الهمام (7): هذه الأحاديث الضعيفة من طرق عديدة يقوي
(1) رواه الحاكم عن عبد الله بن عمر، وهو حديث منقطع (نصب الراية، نيل الأوطار، المكان السابق).
(2)
رواه الدارقطني (نيل الأوطار: 127/ 6).
(3)
رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب، وعده أبو داود في المراسيل (نيل الأوطار: 127/ 6).
(4)
رواه ابن ماجه وأحمد والنسائي من حديث ابن بريدة (نيل الأوطار: 127/ 6).
(5)
أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من حديث أبي الدرداء، وضعفه الدارقطني في العلل (نيل الأوطار: 128/ 6).
(6)
متفق عليه (رياض الصالحين: ص 164).
(7)
فتح القدير: 417/ 2 وما بعدها).
بعضها بعضاً، فتصبح حجة بالتضافر والشواهد، وترتفع إلى مرتبة الحسن، لحصول الظن بصحة المعنى، وثبوته عنه صلى الله عليه وسلم، وفي هذا كفاية.
2 -
المعقول: وهو أن انتظام المصالح بين الزوجين لا يكون عادة إلا إذا كان هناك تكافؤ بينهما؛ لأن الشريفة تأبى العيش مع الخسيس، فلا بد من اعتبار الكفاءة من جانب الرجل، لا من جانب المرأة؛ لأن الزوج لا يتأثر بعدم الكفاءة عادة، وللعادة والعرف سلطان أقوى وتأثير أكبر على الزوجة، فإذا لم يكن زوجها كفئاً لها، لم تستمر الرابطة الزوجية، وتتفكك عُرى المودة بينهما، ولم يكن للزوج صاحب القوامة تقدير واحترام. وكذلك أولىاء المرأة يأنفون من مصاهرة من لا يناسبهم في دينهم وجاههم ونسبهم، ويعيرون به، فتختل روابط المصاهرة أو تضعف، ولم تتحقق أهداف الزواج الاجتماعية، ولا الثمرات المقصودة من الزوجية.
وهذا الرأي هو المعمول به في أغلب البلاد الإسلامية كمصر وسورية وليبيا. والذي يظهر لي رجحان مذهب الإمام مالك في هذا الشأن، وهو اعتبار الكفاءة فقط في الدين والحال، أي السلامة من العيوب التي توجب للمرأة الخيار في الزواج، وليس الحال بمعنى الحسب والنسب وإنما يندب ذلك فقط، والسبب هو ضعف أحاديث الجمهور، ولأن الدليل الأقوى للجمهور وهو المعقول يعتمد على العرف، فإذا كان العرف بين الناس كمافي عصرنا الحاضر هو عدم النظر إلى الكفاءة، وأصبح مبدأ المساواة هو الأساس في التعامل، وزالت المعاني القبلية والتمييز الطبقي بين الناس، فلم يعد هناك مسوغ للكفاءة.