الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإيجاب عند الحنفية: ما يصدر أولاً من أحد العاقدين، سواء أكان الزوج أم الزوجة. والقبول عندهم: ما يصدر ثانياً من الطرف الآخر.
والإيجاب عند الجمهور: هو اللفظ الصادر من قبل الولي أو من يقوم مقامه كوكيل؛ لأن القبول إنما يكون للإيجاب، فإذا وجد قبله لم يكن قبولاً لعدم معناه. والقبول: هو اللفظ الدال على الرضا بالزواج الصادر من الزوج.
فإذا قال الرجل للمرأة: زوجيني نفسك، فقالت: قبلت، كان الأول عند الحنفية إيجاباً، والثاني قبولاً. وعند الجمهور بالعكس؛ لأن ولي المرأة هو الذي يملِّك الزوج حق الاستمتاع، فكلامه هو الإيجاب، والرجل يتملك ذلك، فكلامه هو القبول. وقد نص القانون السوري (م 5) على أنه: ينعقد الزواج بإيجاب من أحد العاقدين، وقبول من الآخر.
صيغة الزواج:
أولاً ـ ألفاظ الزواج:
الزواج عقد مدني لا شكليات فيه، والعقد: ربط أجزاء التصرف، أي الإيجاب والقبول شرعاً. والمراد بالعقد هنا هو المعنى المصدري وهو الارتباط، والشرع يحكم بأن الإيجاب والقبول موجودان حساً، يرتبطان ارتباطاً حكمياً.
وكل من الإيجاب والقبول قد يكون لفظاً، وقد يكون كتابة أو إشارة، وألفاظ الإيجاب والقبول، منها ما هو متفق على انعقاد الزواج به، ومنها ما هو متفق على عدم انعقاد الزواج به، ومنها ما هو مختلف فيه (1).
(1) الدر المختار: 361/ 2 - 372، البدائع: 229/ 2 ومابعدها، اللباب: 3/ 3، مواهب الجليل: 419/ 3 - 423، الشرح الكبير: 221/ 2، الشرح الصغير: 334/ 2 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص195، مغني المحتاج: 139/ 3، المهذب: 41/ 2، بداية المجتهد: 4/ 2، كشاف القناع: 36/ 5.
أما الألفاظ التي اتفق الفقهاء على انعقاد الزواج بها: فهي لفظ: أنكحت وزوجت، لورودهما في نص القرآن في قوله تعالى:{زوجناكها} [الأحزاب:37/ 33] وقوله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم} [النساء:22/ 4].
وأما الألفاظ التي اتفق الفقهاء على عدم انعقاد الزواج بها: فهي التي لا تدل على تمليك العين في الحال ولا على بقاء الملك مدة الحياة، وهي: الإباحة والإعارة والإجارة والمتعة والوصية والرهن والوديعة ونحوها.
وأما الألفاظ التي اختلفوا في انعقاد الزواج بها: فهي لفظ البيع، ولفظ الهبة، ولفظ الصدقة، أو العطية ونحوها مما يدل على تمليك العين في الحال، وبقاء الملك مدة الحياة:
1 -
قال الحنفية، والمالكية على الراجح: ينعقد الزواج بها بشرط نية أو قرينة تدل على الزواج، كبيان المهر وإحضار الناس، وفهم الشهود المقصود؛ لأن المطلوب التعرف على إرادة العاقدين، وليس للفظ اعتبار، وقد ورد في الشرع ما يدل على الزواج بلفظ الهبة والتمليك.
الأول ـ في قوله تعالى: {وامرأةً مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين} [الأحزاب:50/ 33] والخصوصية للنبي في صحة الزواج بدون مهر، لا باستعمال لفظ الهبة.
والثاني ـ قول الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل لم يملك مالاً يقدمه مهراً: «قد ملكتكها بما معك من القرآن» (1). وهذا هو الراجح لدي؛ لأن العبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ والمباني.
(1) متفق عليه عن سهل بن سعد (نيل الأوطار: 170/ 6).
2 -
وقال الشافعية والحنابلة: لا ينعقد الزواج بها، ولا ينعقد إلا بلفظ النكاح أو التزويج، لورودهما في القرآن كما تقدم، فيلزم الاقتصار عليهما، ولا يصح أن ينعقد بغيرهما من الألفاظ؛ لأن الزواج عقد يعتبر فيه النية مع اللفظ الخاص به، وآية:{إن وهبت نفسها للنبي} [الأحزاب:50/ 33] من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم. وحديث «ملكتكها» إما وهم من الراوي، أو أن الراوي رواه بالمعنى، ظناً منه ترادف هذا اللفظ مع لفظ الزواج، وبتقدير صحة الرواية، فهي معارضة برواية الجمهور:«زوجتكها» .
وخلاصة المذاهب ما يأتي:
ينعقد الزواج عند الحنفية (1) بكل لفظ يدل على تمليك الأعيان في الحال، كلفظ الهبة والتمليك والصدقة والعطية والقرض والسلَم والاستئجار (2) والصلح والصرف، والجعل والبيع والشراء، بشرط نية أو قرينة، وفهم الشهود المقصود. ولا ينعقد بقوله: تزوجت نصفك على الأصح احتياطاً، بل لا بد أن يضيفه إلى كلها أو ما يعبر به عن الكل، ومنه الظهر والبطن على الأشبه.
وينعقد عند المالكية (3) بلفظ التزويج والتمليك، وما يجري مجراهما كالبيع والهبة والصدقة والعطية، ولا يشترط ذكر المهر، لانعقاد العقد، وإن كان لا بد منه، فيكون شرطاً لصحة العقد كالشهود، إلا إذا كان بلفظ الهبة، والألفاظ أربعة: الأول ـ ما ينعقد به الزواج مطلقاً سواء سمى العاقد صداقاً أم لا وهو
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 364/ 2 - 365، 369 وما بعدها.
(2)
بأن جعلت المرأة بدلاً، مثل: استأجرت دارك بنفسي أو ببنتي عند قصد النكاح، بخلاف الإجارة مثل: آجرتك نفسي بكذا.
(3)
شرح الرسالة: 26/ 2، الشرح الكبير: 221/ 2، الشرح الصغير: 350/ 2.