الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فليراجعها أو ليطلّقْها طاهراً أو حاملاً» (1). وفي رواية عنه: «أنه طلق امرأة له وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فتغيَّظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ليراجعْها، ثم يمسكْها حتى تطهُر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلّقها، فليطلقها قبل أن يمسها، فتلك العدة كما أمر الله تعالى» . وفي لفظ: «فتلك العدة التي أمر الله أن يُطلَّق لها النساء» فهو يدل على أن الطلاق جائز حال الطهر الذي لم يجامع فيه.
وهذا متفق مع الآية القرآنية: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء، فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق:1/ 65] أي مستقبلات عدتهن.
والسبب هو عدم إطالة العدة على المرأة، ففي الطلاق في أثناء الحيض أو في طهر جامعها فيه ضرر بالمرأة بتطويل العدة عليها؛ لأن الحيضة التي وقع فيها الطلاق لا تحتسب من العدة، وزمان الحيض زمان النفرة، وبالجماع مرة في الطهر تفتر الرغبة.
وبه يتبين أن الطلاق البدعي يكون للمرأة التي دخل بها زوجها، وكانت ممن تحيض، أما التي لم يدخل بها الزوج أو كانت حاملاً أو لا تحيض، فلا يكون طلاقها بدعياً قبيحاً شرعاً، قال ابن عباس: الطلاق على أربعة أوجه: وجهان حلال، ووجهان حرام، فأما اللذان هما حلال: فأن يطلق الرجل امرأته طاهراً من غير جماع، أو يطلقها حاملاً مستبيناً حملها، وأما اللذان هما حرام: فأن يطلقها حائضاً أو يطلقها عند الجماع، لا يدري، اشتمل الرحم على ولد أم لا (2).
أثر مخالفة هذا القيد:
يقع الطلاق باتفاق المذاهب الأربعة في حال الحيض أو في حال الطهر الذي جامع الرجل امرأته فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر بمراجعة
(1) رواه الجماعة إلا البخاري عن ابن عمر (نيل الأوطار: 221/ 6).
(2)
رواه الدارقطني (المرجع السابق: ص 222).
امرأته التي طلقها، وهي حائض، والمراجعة لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق، ويؤيده رواية:«وكان عبد الله طلَّق تطليقة، فحسبت من طلاقها» .
وقال الشيعة الإمامية والظاهرية وابن تيمية وابن القيم (1): يحرم الطلاق في أثناء الحيض أو النفاس أو في طهر وطئ الرجل زوجته فيه، ولا ينفذ هذا الطلاق البدعي، بدليل ما يأتي:
1ً - ما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عمر بلفظ: «طلق عبد الله ابن عمر امرأته وهي حائض، قال عبد الله: فردها علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرها شيئاً» . وهذا الحديث صحيح كما صرح به ابن القيم وغيره.
ونوقش بأنه قد أعل هذا الحديث بمخالفة أبي الزبير لسائر الحفاظ، وقال ابن عبد البر: قوله «ولم يرها شيئاً» : منكر لم يقله غير أبي الزبير، وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف إذا خالفه من هو أوثق منه، ولو صح فمعناه عندي ـ والله أعلم ـ ولم يرها شيئاً مستقيماً، لكونها لم تكن على السنة.
وقال الخطابي: وقد يحتمل أن يكون معناه: ولم يرها شيئاً تحرم معه المراجعة، أو لم يرها شيئاً جائزاً في السنة.
2ً - حديث: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (2) والطلاق في حال الحيض مخالف لأمر الشارع، فيكون مردوداً لا أثر له. ونوقش بأن المردود هو بسبب مخالفة ركن أو شرط من أركان أو شروط العمل. وأما المخالفة بسبب تطويل العدة أو عدم وجود الحاجة إلى الطلاق، فليس أحدهما ركناً أو شرطاً للطلاق، فلا تستوجب الرد وعدم وقوع الطلاق.
(1) المختصر النافع في فقه الإمامية: ص 221، نيل الأوطار: 226/ 6، المحلى: 197/ 10، مسألة 1949، 1953.
(2)
رواه مسلم وأحمد عن عائشة، وهو صحيح شامل لكل مسألة مخالفة لما عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
3ً - هذا الطلاق منهي عنه شرعاً غير مأذون فيه، فلا يكون مملوكاً للزوج كالوكيل بالطلاق إذا خالف أمر الموكل، فإن طلاقه لا يقع، والمنهي عنه لذاته أو لجزئه أو لوصفه اللازم يقتضي الفساد، والفاسد لا يثبت حكمه.
وأجيب بأن النهي عن الطلاق في الحيض ونحوه ليس راجعاً إلى نفس الطلاق، ولا إلى صفة من صفاته، وإنما هو راجع إلى أمر خارج عن المنهي عنه، وهو عدم الحاجة إلى الطلاق، أو ما يترتب عليه من إيذاء الزوجة بإطالة العدة، والنهي لأمر خارج عن المنهي عنه لا يدل على فساده إذا وقع، كالبيع وقت النداء لصلاة الجمعة. والقياس على الوكيل قياس مع الفارق؛ لأن الوكيل في الطلاق مجرد سفير ومعبر عن الموكل، فلا يملك غير ما فوض إليه، أما الزوج فلا يوقع الطلاق نيابة عن غيره ولا عن الله عز وجل، وإنما يوقعه عن نفسه.
4ً - هناك مرجحات لهذا الرأي بعدم الوقوع من القرآن، منها قوله تعالى:{فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق:1/ 65] والمطلق في حال الحيض أو الطهر الذي وطئ فيه، لم يطلق لتلك العدة التي أمر الله بتطليق النساء لها، وقد تقرر في الأصول أن الأمر بالشيء نهي عن ضده.
ومنها قوله تعالى: {الطلاق مرتان} [البقرة:229/ 2] ولم يرد إلا المأذون، فدل على أن ما عداه ليس بطلاق، لما في هذا التركيب من الصيغة الصالحة للحصر أي تعريف المسند إليه باللام الجنسية.
ومنها قوله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة:231/ 2] ولا أقبح من التسريح الذي حرمه الله.
وأقول: إن هذه إرشادات لما هو الأفضل، وليس فيها دلالة على عدم وقوع الطلاق، بل المقرر في السنة وقوع الطلاق، مع مخالفة هذه الإرشادات.