الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في النكاح الفاسد، فلا يلزم المسمى؛ لأن الفاسد ليس بنكاح، ويجب مهر المثل بالوطء.
وبناء عليه وضع الفقهاء
ضوابط لما يصلح أن يكون مهراً وما لا يصلح:
فقال الحنفية (1): المهر: هو كل مال متقوم معلوم مقدور على تسليمه. فيصح كون المهر ذهباً أو فضاً، مضروبة أو سبيكة، أي نقداً أو حلياً ونحوه، ديناً أوعيناً، ويصح كونه فلوساً أو أوراقاً نقدية، مكيلاً أو موزوناً، حيواناً أوعقاراً، أو عروضاً تجارية كالثياب وغيرها.
ـ ويصح أيضاً كونه منفعة شخص أو عين يستحق في مقابلها المال، كسكنى الدار، وزراعة الأرض، وركوب السيارة ونحوها.
ـ أما الزواج على أن يعلمها القرآن أو بعضه أو بعض أحكام الدين من حلال وحرام، فلا يصح عند متقدمي الحنفية، لقوله تعالى:{أن تبتغوا بأموالكم} [النساء:24/ 4] ولأن المسمى ليس بمال؛ لأن تعليم القرآن ونحوه من الطاعات قربة إلى الله تعالى، لا يصح الاستئجار عليها عند أئمة الحنفية الثلاثة، ولايصح أن يقابل التعليم بالمال، وحينئذ لا تصح التسمية، ويجب مهر المثل؛ لأنها منفعة لا تقابل بمال.
وأفتى متأخرو الحنفية بجواز أخذ الأجرة على تعليم القران وأحكام الدين، للحاجة إليه بسبب تغير الأحوال واشتغال الناس بشؤون المعيشة، فلا يتفرغ المعلم من غير أجر. وعليه يجوز جعل المهر تعليم القرآن أو أحكام الدين، ويدل له حديث سهل بن سعد، الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً بما معه من القرآن،
(1) البدائع، المكان السابق، الدر المختار: 253/ 2، 458 - 461، أحكام القرآن للجصاص: 143/ 2.
فقال: «قد زوجتُكها بما معك من القرآن» (1) وفي رواية متفق عليها: «قد ملكتكها بما معك من القرآن» .
ـ ولا يصح كون المهر ما ليس مالاً متقوماً كأن يتزوج مسلم مسلمة على التراب أو الدم أو الخمر أو الخنزير؛ لأن الميتة والدم ليسا بمال في حق أحد، والخمر والخنزير ليسا بمال متقوم في حق المسلم، ولا يصح زواج امرأة على طلاق امرأة أخرى أو على العفو عن القصاص؛ لأن الطلاق ليس بمال، وكذا القصاص.
ـ ولا يصح نكاح الشغار: وهو أن يزوج الرجل أخته لآخر، على أن يزوجه الآخر أخته، أو يزوجه ابنته، هذه التسمية فاسدة؛ لأن كل واحد منهما جعل بُضْع كل واحدة منهما مهر الأخرى، والبضع ليس بمال، ففسدت التسمية، ووجب لكل واحدة منهما مهر المثل، والنكاح صحيح عندهم. وعند الجمهور: فاسد أو باطل؛ لما روي أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار. والنهي يوجب فساد المنهي عنه. ووجهة الحنفية: أن هذا الزواج مؤبد، أدخل فيه شرط فاسد، حيث شرط فيه أن يكون بُضْع كل واحدة منهما مهر الأخرى، والبضع لا يصلح مهراً، والنكاح لا تبطله الشروط الفاسدة، كما إذا تزوج امرأة على أن يطلقها، وعلى أن ينقلها من منزلها ونحوه. أما النهي عن نكاح الشغار فهو الخالي عن العوض، وعندهم هو نكاح بعوض وهو مهر المثل، فلا يكون شغاراً.
ـ ولو تزوج حر امرأة على أن يخدمها سنة، كرعي غنمها سنة، فالتسمية فاسدة، ولها مهر مثلها في قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن المنافع ليست بأموال متقومة عندهما، فلم تكن عندهما مضمونة بالغصب والإتلاف، وإنما يثبت لها التقوم إذا ورد العقد عليها، للضرورة، دفعاً للحاجة بها.
(1) متفق عليه بين أحمد والشيخين (نيل الأوطار: 170/ 6).
وعند الشافعي وباقي الأئمة: التسمية صحيحة، وللمرأة خدمة سنة؛ لأن المبدأ عندهم: كل ما يجوز أخذ العوض عنه، يصح تسميته مهراً، ومنافع الحر يجوز أخذ العوض عنها؛ لأن إجارة الحر جائزة بلا خلاف فصح تسميتها، والمنافع عندهم أموال متقومة.
ـ ويصح أن يتزوج الرجل امرأة على منافع الأعيان مدة معلومة، كما تقدم، مثل سكنى داره، وركوب دابته والحمل عليها، وزراعة أرضه ونحوها؛ لأن هذه المنافع أموال، أو التحقت بالأموال شرعاً في سائر العقود للحاجة.
ـ ويصح الزواج على متقوم مجهول جهالة يسيرة؛ لأن المال غير مقصود في الزواج، فيتسامح فيه بما لا يتسامح في المعاوضات المالية، ولا يصح الزواج على ما هو مجهول جهالة فاحشة؛ لأنه يفضي إلى النزاع، وكل ما يفضي إلى المنازعة يفسد العقد.
والفرق بين نوعي الجهالتين: أن الجهالة الفاحشة: ما كان الجنس أو النوع أو المقدار فيها مجهولاً، كأن يتزوج امرأة على حيوان أو دابة أو ثوب؛ لأن كل واحد منها جنس يدخل تحته أنواع مختلفة. أو يتزوج على قطن دون بيان نوعه، أو على دار دون بيان حجمها؛ لأن للقطن أنواعاً مختلفة، وتختلف الدارفي الصغر والكبر، والبلد والموقع، والهيئة والطريق.
وأما الجهالة اليسيرة: ما كان المسمى معلوم الجنس والنوع، مجهول الصفة كطن حنطة أو قنطار قطن، دون بيان الوصف، فجهالة الوصف عند الحنفية والمالكية لا تضر؛ لأنها يسيرة، ويجب الوسط من النوع المعين أو قيمته من غير إجحاف بالزوجة أو الزوج؛ لأنه هو العدل لما فيه من مراعاة الجانبين. وقال الشافعية والحنابلة: جهالة الوصف تضر؛ لأنها تفضي إلى المنازعة كجهالة الجنس.