الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما
صيام شهرين متتابعين:
فقد أجمع أهل العلم (1) على أن المظاهر إذا لم يجد رقبة بأن عجز عن ثمنها، أو وجدها بأكثر من ثمن المثل، وقدر على الصوم: أن فرضه صيام شهرين متتابعين، ولو ثمانية وخمسين يوماً بالهلال، وإلا فستين يوماً، لقول الله تعالى:{فمن لم يجد، فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} [المجادلة:4/ 58].
ولحديث أوس بن الصامت وسلمة بن صخر، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لمن واقع امرأته بعد الظهار وعجز عن الإعتاق:«فصم شهرين متتابعين» .
ورأى الحنفية والمالكية: أنه متى وجد رقبة، لزمه إعتاقها، ولم يجز له الانتقال إلى الصيام، وإن كان محتاجاً إليها لخدمة، أو محتاجاً إلى ثمنها لقضاء دين؛ لأنه واجد حقيقة.
وخالفهم الشافعية والحنابلة: فأجازوا له الانتقال إلى الصيام إن كان محتاجاً للرقبة لخدمة أو قضاء دين أو نفقة أو أثاث لا بد منه، أو لم يجد رقبة يشتريها؛ لأن ما استغرقته حاجة الإنسان فهو كالمعدوم في جواز الانتقال إلى البدل، كمن وجد ماء يحتاج إليه للعطش يجوز له الانتقال إلى التيمم. ويعتبر اليسار الذي يلزم به الإعتاق في أظهر الأقوال عند الشافعيةوالمالكية: هو وقت الأداء والإخراج، لأنها عبادة لها بدل من غير جنسها، فاعتبر حال أدائها كالصوم والتيمم والقيام والقعود في الصلاة. والمعتبر عند الحنابلة: وقت وجوب الكفارة.
التتابع في الصوم:
أجمع أهل العلم أيضاً على وجوب التتابع في صيام
(1) الدر المختار: 801/ 2 - 804، اللباب: 73/ 3 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص 243، الشرح الصغير:654/ 2وما بعدها، بداية المجتهد: 112/ 2، مغني المحتاج: 366/ 3، المهذب: 117/ 2، المغني: 362/ 7 - 368 - 377، غاية المنتهى: 197/ 3 وما بعدها، كشاف القناع: 445/ 5 - 448.
كفارة الظهار، للنص القرآني، وأجمعوا على أن من صام بعض الشهر، ثم قطعه لغير عذر وأفطر: أن عليه استئناف الشهرين، لورود لفظ الكتاب والسنة به.
ومعنى التتابع: الموالاة بين صيام أيام الشهرين، فلا يفطر فيها، ولا يصوم عن غير الكفارة، ولا يحتاج التتابع عند الجمهور إلى نية، ويكفي فعله؛ لأنه شرط، وشرائط العبادات لا تحتاج إلى نية، وإنما تجب النية لأفعال العبادة. وقال المالكية: لابد من نية التتابع ونية الكفارة.
فإن بدأ الصيام في أثناء شهر، حسب الشهر الذي بعده عند الشافعية والمالكية والحنابلة بالأهلّة. وأما عند الحنفية: إن لم يكن صومه في أول الشهر برؤية الهلال بأن غم أو صام في أثناء شهر، فإنه يصوم ستين يوماً.
ولتحقيق التتابع قال الحنفية: ويختار صوم شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان، ولا يوم الفطر، ولا يوم النحر، ولا أيام التشريق.
فإن جامع الرجل المرأة التي ظاهر منها في خلال الشهرين ليلاً عامداً، أو نهاراً ناسياً، استأنف الصوم عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن الشرط في الصوم أن يكون قبل التماسّ، وهذا الشرط يزول بالجماع، في خلال الصوم، فيستأنف. ولا يستأنف في الإطعام إن وطئها في خلاله، لإطلاق النص في الإطعام، وتقييده بكونه {من قبل أن يتماسا} [المجادلة:3/ 58] في تحرير الرقبة والصيام.
واتفق الحنفية على أن المظاهر إن أفطر يوماً من الشهرين بعذر إلا الحيض، كسفر ومرض ونفاس، بخلاف الحيض لتعذر الخلو عنه، أو بغير عذر، استأنف فبدأ الصوم من جديد أيضاً، لفوات التتابع وهو قادر عليه.
ومذهب المالكية قريب من رأي الحنفية: إن قطع التتابع ولو في اليوم الأخير
من الشهر، وجب الاستئناف. وينقطع تتابع الصوم بوطء المظاهر امرأته المظاهر منها ليلاً أو نهاراً، ناسياً أو عامداً، كما يبطل الإطعام بوطء المظاهر منها في أثنائه، ولو لم يبق عليه إلا مدّ واحد، فإنه يبطل ويبتدئه، وهذا بخلاف رأي الحنفية.
وينقطع التتابع بالفطرفي السفر من غير ضرورة، وبمجيء العيد في أثناء الشهرين إن علم أنه يأتي في أثناء صومه، أما إن جهل إتيان العيد في أثناء صومه، فلا يبطل التتابع، وصام بعد العيد بيومين، بناء على المعتمد عندهم: أن المسلم لا يصوم يوم العيد وما بعده فقط، وكذا لا ينقطع التتابع إذا جهل وقت مجيء رمضان.
ولا ينقطع التتابع بالمرض، وبالفطر سهواً، وبالإكراه على الفطر، وبظن غروب شمس أو ببقاء ليل فأكل أو شرب، وبحيض أو نفاس.
وينقطع التتابع لدى الشافعيةمثل المالكية بإفطار يوم بلا عذر، أوبعذر كمرض مسوغ للفطر في المذهب الجديد، ولا ينقطع التتابع في الصوم بحيض، أو نفاس على الصحيح، أو جنون على المذهب. ويلاحظ أن طروّ الحيض والنفاس إنما يتصور في كفارة قتل لا ظهار، إذ لا يجب على النساء. وإن جامع المظاهر بالليل قبل أن يكفر أثم؛ لأنه جامع قبل التكفير، ولا يبطل التتابع بالجماع؛ لأن جماعه لم يؤثر في صوم رمضان، فلم يقطع التتابع كالأكل بالليل.
وأيسر المذاهب وأولاها مذهب الحنابلة القائلين: إن أفطر في الشهرين بعذر بنى على ما مضى، وإن أفطر من غير عذر ابتدأ من جديد.
فينقطع التتابع بفطر بلا عذر، أو لجهل، أو لأنه نسي وجوب التتابع، أو ظن أنه أتم الشهر، فبان بخلافه، أو صام أثناء الشهرين تطوعاً، أو قضاء عن رمضان، أو صام عن نذر أو كفارة أخرى؛ لأنه قطعه بشيء يمكنه التحرز منه، فأشبه ما لو