الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحكمة من منع المغالاة في المهور واضحة وهي تيسير الزواج للشباب، حتى لا ينصرفوا عنه، فتقع مفاسد خلقية واجتماعية متعددة، وقد ورد في خطاب عمر السابق:«وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه» .
أقل المهر:
أما الحد الأدنى للمهر فمختلف فيه على آراء ثلاثة: قال الحنفية (1): أقل المهر عشرة دراهم، لحديث:«لا مهر أقل من عشرة دراهم» (2) وقياساً على نصاب السرقة: وهو ما تقطع به يد السارق فإنه عندهم دينار أو عشرة دراهم، إظهاراً لمكانة المرأة، فيقدر المهر بما له أهمية. وأما حديث «التمس ولو خاتماً من حديد» فحملوه على المهر المعجل؛ لأن العادة عندهم تعجيل بعض المهر قبل الدخول، وقد منع صلى الله عليه وسلم علياً أن يدخل بفاطمة رضي الله عنها حتى يعطيها شيئاً، فقال: يا رسول الله، ليس لي شيء، فقال: أعطها درعك، فأعطاها درعه (3).
وقال المالكية (4): أقل المهر ربع دينار، أو ثلاثة دراهم فضة خالصة من الغش، أو ما يساويها مما يقوم بها من عروض أو من كل طاهر لا نجس، متمول شرعاً من عرض أو حيوان أو عقار، منتفع به شرعاً، أي يحل الانتفاع به لا كآلة لهو، مقدور على تسليمه للزوجة، معلوم قدراً وصنفاً وأجلاً، ودليلهم أن المهر وجب في الزواج إظهاراً لكرامة المرأة ومكانتها، فلا يقل عن هذا المقدار الذي هو نصاب السرقة عندهم، مما يدل على خطره، فلو تزوج رجل امرأة بأقل من هذا المقدار، وجب لها إن دخل بها، وإن لم يدخل بها قيل له: إما أن تتم المهر أو تفسخ العقد.
(1) الدر المختار: 452/ 2، البدائع: 275/ 2.
(2)
رواه البيهقي بسند ضعيف، ورواه ابن أبي حاتم، وقال الحافظ ابن حجر: إنه بهذا الإسناد حسن.
(3)
رواه أبو داود والنسائي.
(4)
الشرح الصغير: 428/ 2.
وقال الشافعية والحنابلة (1): لا حد لأقل المهر، ولا تتقدر صحة الصداق بشيء، فصح كون المهر مالاً قليلاً أو كثيراً، وضابطه: كل ما صح كونه مبيعاً أي له قيمة صح كونه صداقاً، وما لا فلا، ما لم ينته إلى حد لا يتمول، فإن عقد بما لا يتمول ولا يقابل بما يتمول كالنواة والحصاة، فسدت التسمية ووجب مهر المثل. ودليلهم:
أـ قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم} [النساء:24/ 4] فلم يقدره الشرع بشيء، فيعمل به على إطلاقه.
ب ـ الحديث المتقدم: «التمس ولو خاتماً من حديد» فيدل على أن المهر يصح بكل ما يطلق عليه اسم المال.
جـ ـ روى عامر بن ربيعة أن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«رضيتِ من مالك ونفسك بنعلين؟ قالت: نعم، فأجازه» (2) وأخرج أبو داود عن جابر موقوفاً: «لو أن رجلاً أعطى امرأة صداقاً ملء يده طعاماً، كانت له حلالاً» .
د ـ إن المهر حق المرأة، شرعه الله إظهاراً لمكانتها، فيكون تقديره برضا الطرفين، ولأن المهر بدل الاستمتاع بالمرأة، فكان تقدير العوض إليها كأجرة منافعها.
وهذا هو الرأي الراجح لقوة دليله من القرآن والسنة، وقال أصحاب هذا الرأي: يسن أن يكون المهر من أربع مئة درهم إلى خمس مئة درهم، وألا يزيد على
(1) المهذب: 55/ 2، مغني المحتاج: 220/ 3، كشاف القناع: 142/ 5 وما بعدها، المغني: 680/ 6 وما بعدها، و 739.
(2)
رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه.