الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع ـ التفريق بسبب
الظهار:
فيه خمسة مطالب:
الأول ـ تعريف الظهار وحكمه الشرعي وأحواله تنجيزاً وإضافة وتعليقاً وتأقيتاً.
الثاني ـ ركن الظهار وشروطه.
الثالث ـ أثر الظهار أو ما يحرم على المظاهر.
الرابع ـ كفارة الظهار.
الخامس ـ انتهاء حكم الظهار.
المطلب الأول ـ تعريف الظهار وحكمه الشرعي وأحواله تنجيزاً وإضافة وتعليقاً وتأقيتاً:
الظهار شبيه بالإيلاء في أن كلاً منها يمين تمنع الوطء، ويرفع منعه الكفارة، وهو شبيه أيضاً باللعان على رأي الجمهور في أنه يمين لا شهادة. وكان الأولى ذكر الظهار عقب الإيلاء كما فعل فقهاؤنا، لكني أخرته إلى ما بعد اللعان لتوقف اللعان على التفريق القضائي الذي هو عنوان الفصل، وأما الظهار فيأتي التفريق فيه فقط إذا امتنع الزوج عن التكفير.
والظهار لغة: مصدر مأخوذ من الظهر، مشتق من قول الرجل إذا ظاهر امرأته:(أنت علي كظهر أمي)، وكان طلاقاً في الجاهلية، ويقال: كانوا في الجاهلية إذا كره أحدهم امرأته، ولم يرد أن تتزوج بغيره، آلى منها أو ظاهر، فتبقى لا ذات زوج ولا خلية عن الأزواج تستطيع أن تنكح غير زوجها الأول، فغيَّر الشارع حكمه إلى تحريم الزوجة بعد العود (العزم على الوطء) ولزوم الكفارة.
والظهار شرعاً: هو أن يشبه الرجل زوجته بامرأة محرمة عليه على التأبيد، أو بجزء منها يحرم عليه النظر إلىه كالظهر والبطن والفخذ، كأن يقول لها: أنت علي كظهر أمي أو أختي، أو بحذف كلمة (علي).
وتعريفات فقهاء المذاهب متقاربة، وهي ما يأتي، عرفه الحنفية بقولهم (1): تشبيه المسلم زوجته، أو ما يعبر به عنها من أعضائها، أو جزءاً شائعاً منها، بمحرَّمة عليه تأبيداً. فلا ظهار لذمي عندهم، ويشمل الظهار الزوجة الكتابية والصغيرة والمجنونة، ويمكن تشبيه الزوجة، أو ما يعبر به عنها كالرأس والرقبة، أو تشبيهه جزءاً شائعاً من الزوجة كقوله: نصفك ونحوه، والمشبه به إما جملة القريبة المحرم مثل: أنت علي كأمي، أو عضو يحرم النظر إليه من أعضاء محرمة عليه نسباً أو مصاهرة أو رضاعاً كالظهر وغيره. وإنما خص هذا اليمين باسم الظهار تغليباً للظهر؛ لأنه كان الأصل في استعمالهم.
فلو شبه زوجته بمن تحرم عليه مؤقتاً، لم يكن ظهاراً، مثل: أنت علي كظهر أختك أو عمتك، فإن الأخت والعمة تحرمان حرمة مؤقتة، أو قال: كمطلقتي ثلاثاً، فإنها تحرم حتى تنكح زوجاً غيره، أو كالمجوسية لجواز إسلامها، وكذا لو شبهها بجزء لا يحرم النظر إليه كالوجه والرأس، لا يكون ظهاراً.
ولو شبهها بشيء يحرم عليه من غير النساء كالخمر والخنزير، لم يكن ظهاراً، ويرجع فيه إلى نيته، فإن قصد به طلاقاً، كان طلاقاً بائناً، وإن قصد التحريم أو لم يقصد شيئاً كان إيلاء.
ولو شبهها بفرج أبيه أو قريبه كان مظاهراً. لكن لو قالت: أنت علي كظهر أبي أو ابني، لا يصح؛ لأن المظاهر به ليس من جنس النساء.
(1) الدر المختار: 790/ 2، فتح القدير: 225/ 3، اللباب: 67/ 3، البدائع: 233/ 3.
وعرفه المالكية (1) بقولهم: الظهار: تشبيه المسلم المكلف من تحل من زوجة أو أمة أو جزأها بمحرَّمة عليه أو بظهر أجنبية، وإن تعليقاً أو مقيداً بوقت. فلا ظهار لكافر، ولا لصبي ومجنون ومكره، ويتحقق الظهار بتشبيه الزوجة، مثل أنت أمي، أو جزء منها كيدها ورجلها، ولا ظهار في قوله: أنت علي كظهر زوجتي النفساء أوالمُحْرِمة بحج؛ لأن التحريم لها عليه ليس أصالة، فالظهار: تشبيه الزوجة بالمحرمة عليه أصالة، أو المحرمة عليه وقت اليمين مثل ظهر أجنبية. وبه يتفق الحنفية والمالكية في عدم صحة ظهار الكافر، ويختلفون في تشبيه الزوجة بظهر امرأة أجنبية. فلا ينعقد عند الحنفية؛ لأن التحريم مؤقت، وينعقد بنية الظهار عند المالكية، لأن التحريم الحالي أصيل.
والظهار المعلق بشرط عندهم مثل: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، وإن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي. أما إن علقه بأمر محقق نحو: إن جاء رمضان فأنت علي كظهر أمي أو فلانة الأجنبية، أو إن طلعت الشمس في غد فأنت علي كظهر أمي، تنجز من الآن، ومنع منها حتى يكفِّر.
وإن قيد الظهار بوقت، مثل: أنت علي كظهر أمي في هذا اليوم أوالشهر، انعقد مؤبداً، ولا ينحل إلا بالكفارة.
وعرفه الشافعية (2) بأنه: تشبيه الزوجة غير البائن بأنثى لم تكن حلالاً على التأبيد. فلا يصح من صبي ومجنون ومغمى عليه ولا من مكره، ويصح من ذمي لعموم آية الظهار، ولا يصح تشبيه الزوجة بغير محرَّمة على التأبيد، ولو شبهها بأجنبية ومطلقة، وأخت زوجة، وأب للمظاهر، وملاعنة له ومجوسية ومرتدة،
(1) الشرح الصغير: 634/ 2 وما بعدها، المقدمات الممهدات: 599/ 1.
(2)
مغني المحتاج: 352/ 3 - 354.