الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث ـ قيود إيقاع الطلاق شرعا ً:
قيد الشرع الطلاق بقيود شرعية منعاً للشطط والتسرع، وحفظاً على الرابطة الزوجية؛ لأن هذا الرباط مقدس، يختلف عن كل العقود الأخرى، ولأن الطلاق يؤثر تأثيراً بالغاً في حياة المرأة، فإن جوهر ما تملكه أصبح هدراً، وربما عاشت أيِّما لا تتزوج أبداً، وفي التأيم غالباً مفاسد كثيرة أو تعريض للفساد والشر والمعصية.
فإن توافرت هذه القيود كان الطلاق موافقاً للشرع لا إثم فيه، وإن فقد واحد منها، كان إيقاعه موجباً للإثم والسخط الإلهي.
والقيود ثلاثة (1):
1ً - أن يكون الطلاق لحاجة مقبولة.
2ً - أن يكون في طهر لم يجامعها فيه.
3ً - أن يكون مفرّقاً ليس بأكثر من واحدة.
وأبحث هذه القيود وأثر مخالفتها عند فقهائنا:
أولاً ـ أن يكون الطلاق لحاجة مقبولة شرعاً وعرفاً:
يرى الحنفية في أصل المذهب (2) كما تبين سابقاً: أن الأصل في الطلاق هو الإباحة، لإطلاق الآيات القرآنية الواردة فيه، مثل قوله تعالى:{لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} [البقرة:236/ 2] وقوله:
(1) فتح القدير: 147/ 3، اللباب: 53/ 3، بداية المجتهد: 80/ 2، الشرح الصغير: 576/ 2 ومابعدها، مغني المحتاج: 300/ 3 ومابعدها، المهذب: 86/ 2 ومابعدها، كشاف القناع: 305/ 5 - 309، المغني: 160/ 7 - 164.
(2)
الدر المختار: 571/ 2 وما بعدها، فتح القدير: 21/ 3 - 22.
{فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق:1/ 65] ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، وفعله الصحابة، ولو كان الطلاق محظوراً لما أقدموا عليه.
ونوقشت هذه الأدلة، أما الآية الأولى فهي لبيان إباحة الطلاق قبل الدخول وقبل تسمية المهر، وأما الآية الثانية فبيان وقت الطلاق المفضل شرعاً وهو وقت ابتداء أو استقبال العدة. وأما طلاق حفصة وطلاق بعض الصحابة، فلم يثبت أنه كان لغير حاجة أو سبب يدعو إليه. والظاهر هو أنه لحاجة؛ لأن الطلاق لغير حاجة كفر بنعمة الزواج، وإيذاء محض بالزوجة وأهلها وأولادها.
ويرى الجمهور غير الحنفية منهم الكمال بن الهمام وابن عابدين (1): أن الأصل في الطلاق هو الحظر والمنع وخلاف الأولى، والأولى أن يكون لحاجة كسوء سلوك الزوجة أوإيذائها أحداً، لما فيه من قطع الألفة، وهدم سنة الاجتماع، والتعريض للفساد، ولقوله تعالى:{فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً} [النساء:34/ 4] وللحديث السابق: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» وحديث: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة» (2) ففيه دليل على أن سؤال المرأة الطلاق من زوجها محرم عليها تحريماً شديداً؛ لأن من لم يرح رائحة الجنة غير داخل إليها أبداً، وكفى بذنب يبلغ بصاحبه إلى ذلك المبلغ مشيراً إلى خطورته وشدته، كما قال الشوكاني (3).
وهذا هو الراجح لاتفاقه مع مقاصد الشريعة، ولمخاطر الطلاق المتعددة، قال ابن عابدين: الأصل في الطلاق الحظر، بمعنى أنه محظور إلا لعارض يبيحه،
(1) الدسوقي: 361/ 2، المهذب: 78/ 2، كشاف القناع: 261/ 5، المغني: 97/ 7 وما بعدها.
(2)
وفي حديث آخر رواه الطبراني عن أبي موسى: «لا تطلقوا النساء إلا من ريبة، فإن الله لايحب الذواقين ولا الذواقات» لكنه ضعيف.
(3)
نيل الأوطار: 221/ 6.