الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 - باب مَا يُعْطَى فِي الرُّقْيَةِ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» . وَقَالَ الشَّعْبِىُّ لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَلِّمُ إِلَاّ أَنْ يُعْطَى شَيْئًا فَلْيَقْبَلْهُ وَقَالَ الْحَكَمُ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ. وَأَعْطَى الْحَسَنُ دَرَاهِمَ عَشَرَةً. وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ بِأَجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسًا. وَقَالَ كَانَ يُقَالُ السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ. وَكَانُوا يُعْطَوْنَ عَلَى الْخَرْصِ.
ــ
فإن قلت: فما الحكم في ذلك؟ قلت: جوزه العلماء لأنه نوع كسب.
فإن قلت: فقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]؟ قلت: إجارة المسلم نفسه برضاه لا يعد سبيلًا.
باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب
قوله: على أحياء العرب، لم يوجد في بعض النسخ، وهو أولى، وعلى تقدير وجوده فالوجه فيه بيان سبب الورود.
(وقال ابن عباس عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله) هذا التعليق سيأتي مسندًا، وقال به الأئمة سوى أبي حنيفة لم يجوز [على] تعليم القرآن، وإن أجازه على الرقية، واستدل [بادلة] لا تعادل حديث ابن عباس.
(وقال الشعبي) -بفتح الشين وسكون العين- أبو عمرو عامر الكُوفيّ: (لا يشترط المعلم إلَّا أن يعطى شيئًا) استثناء منقطع؛ أي لكن إن أعطي شيئًا أخذه، وقد يروي بكسر الهمزة على إن الشرطية.
قال بعض الشارحين تفريعًا على الكسر: فلم كتبت الألف؟ قلت: هو كقراءة الكسائي {مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} هذا كلامه، وخلله من وجهين؛ الأول:"أن يعطى" إنما تكتب بالياء، وجوابه أن يقال: لما لم يحذف الياء في الكتابة أو الألف في التلفظ؟ الثاني: إن هذا قراءة ابن كثير من رواية قنبل، والوجه فيه إجراء المعتل مجرى الصحيح (الرشوة) بضم الراء وكسرها.
2276 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ - رضى الله عنه - قَالَ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَىِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَىْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَىْءٌ، فَأَتَوْهُمْ، فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ، إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ لَا يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَىْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّى لأَرْقِى، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضِيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً. فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ،
ــ
2276 -
(أبو النُّعمان) محمَّد بن الفضل (أبو عوانة) -بفتح العين- الوضاح اليشكري (أبو بشر) -بكسر الموحدة- اسمه جعفر (عن أبي المتوكل) هو الناجي، واسمه علي بن دَاود (انطلق نفر) قال الجوهري: النفر بالتحريك عدة رجال، من ثلاثة إلى عشرة، وعلى هذا فهو من إطلاق المقيد على المطلق، لما روى ابن ماجه أنَّهم كانوا ثلاثين راكبًا (نزلوا على حيّ من أحياء العرب فاستضافوهم) أي: طلبوا منهم الضيافة (فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي) لدغه عقرب، جاء صريحًا في بعض الرّوايات، رواه التِّرْمِذِيّ (لو أتيتم هؤلاء الرهط) لو للتمني، وتحتمل الشرط (يَا أيها الرّهط: إن سيدنا لدغ) على بناء المجهول (فهل عند أحدٍ منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم؟ إنِّي والله لأرقي) هذا القائل أبو سعيد الخُدرِيّ، سعد بن سنان (فصالحوهم على قطيع من الغنم) أي: قطعة، فعيل بمعنى المفعول، وفي "النَّسائيّ":"ثلاثون شاة"(فانطلق يتفلِ عليه) -بكسر الفاء وضمها- من التفل؛ وهو النفخ إذا كان معه ريق (ويقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}) أي: هذه السورة (فكأنما نشط من عقال) -بكسر العين- هو الحبل الذي يربط به، ونشط على بناء المجهول؛ أي: حلّ،
فَانْطَلَقَ يَمْشِى وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِى صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ اقْسِمُوا. فَقَالَ الَّذِى رَقَى لَا تَفْعَلُوا، حَتَّى نَأْتِىَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِى كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا. فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ - ثُمَّ قَالَ - قَدْ أَصَبْتُمُ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِى مَعَكُمْ سَهْمًا» . فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ بِهَذَا. أطرافه 5007، 5736، 5749
ــ
قال ابن الأثير: صوابه أنشط، يقال: نشطته إذا عقلته، نشحطته إذا حللته.
قلت: لا وجه لرواية البناء؛ بل هو من نشطت الدلو إذا نزعته.
(فانطلق يمشي ما به قلبة) -بفتح القاف والسلام والباء- ي: ليس به ألم؛ وسمي قلبة لأن من به مرض يقلب النظر إليه، أو يقلب ذلك الموضع ليتمكن من وضع الدواء عليه (فقدموا على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فذكروا له، وقال: وما يدريك أنها رقية؟)(قد أصبتم) أي: في التوقُّف فيه، أو في أخذ الجعل.
(اضربوا لي معكم بسهم) فَعَلَهُ تطييبًا لقلوبهم؛ ليعلم أنَّه خال من كل شبهة.
(فضحك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) لعل ضحكه كان فرحًا بما ألهم الله أصحابه، أو بما جعل الله في القرآن شفاء.
(قال شعبة: أخبرنا أبو بشر: سمعت أَبا المتوكل) فائدة هذا التعليق التصريحُ بالسّماع، وفيه دفع توهم التدليس؛ بخلاف السند الأول؛ فإنَّه معنعن.
فإن قلت: ورد في الأحاديث النهي عن الرقية قلت: النهي إنما ورد في رقية لا يُعلم معناها، أو تشتمل على ألفاظ لا تحل؛ جمعًا بين الروايات.
فإن قلت: جاء في وصف الذين يدخلون الجنة بغير حساب "هم الذين لا يرقون ولا يسترقون"؟ قلت: ذاك مقام الكُمَّل من المتوكلين، والكلام هنا في الجواز.