الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
79 - باب وُجُوبِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَجُعِلَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ
1643 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ عُرْوَةُ سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - فَقُلْتُ لَهَا أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالَتْ بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِى إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَطَوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِى كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا
ــ
القدر زائد على جواب السائل، وإنما ذكره إشارة إلى أن هذا الطريق حق، وليس فيها ما يكره؛ كما كان يرى عمر وعثمان وأمّا قوله: فلما مسحوا الركن حلّوا لا بدّ من تأويله بأنهم طافوا، وسعوا، وحلقوا أو قصروا، وإنما لم يذكرها لأنه معلوم أنها من أعمال العمرة، والغرض أنهم حلوا قبل الوقوف بعرفة.
باب الصّفا والمروة وجُعل من شعائر الله
وفي بعضها: وجعلا من شعائر الله، وهذا ظاهر، والأول معناه: جعل السعي من شعائر الله بقرينة المقام؛ لأن الوجوب إنما يتعلق بفعل المكلف.
1643 -
(قال عروة: سألت عائشة فقلت: أرأيت قول الله تعالى) بالنصب؛ أي: أخبريني عن معنى قوله تعالى: ({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]). سأل عائشة ثم ذكر قبل جوابها ما عنده من تأويل الآية، وظن أنَّه مصيب في ذلك، فإذا وافقها ظهر له مزية في العلم (فوالله ما على أحد جناح ألا يطوف بالصفا والمروة) فهم هذا من قوله تعالى: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 185]، وقد أخطأ في ذلك؛ فإن الآية تدل على أن لا حرج على من سعى؛ لا على من لم يسع؛ إذ لو كان المراد ذلك لقال: أن لا يطوف بزيادة "لا"، هذا محصل جواب عائشة.
ثم ذكرت سبب النزول، وهو أنّ الأنصار قبل الإسلام كانوا يُهلّون لمناة الطّاغية، وهي صنم كان لهم بالمشلل -بضم الميم وتشديد اللّام المفتوحة- مكان بقرب قُديد، وإضافة مناة
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) الآيَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها - وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إِلَاّ مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ
ــ
إلى الطاغية إمّا من إضافة الموصوف إلى الصفة إن كان وصفًا لها، ويجوز أن يكون وصفًا لمن عبدها، أي: الطائفة الطّاغية، من الطغيان، وهو التجاوز عن الحد.
(وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطّواف بينهما) أي: شرعه؛ لا أنَّه سنة تقابل الوجوب، لقولها:(فليس لأحد تركه) فإن ما لا يجوز تركه إمّا ركن كما قاله مالك والشافعي والإمام أحمد، وواجب كما قاله أبو حنيفة.
فإن قلت: رفع الجناح أعم من الوجوب، من أين استفادت عائشة الوجوب؟ قلت: قد قيل إنها استفادت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: "خذوا عني مناسككم"، أو من القرائن، والكلّ ضعيف، أمّا الفعل فلأنه لا يدل على الوجوب، وأمّا:"خذوا عني مناسككم" فلأنّ المناسك تشمل على الواجب والمندوب.
والحق أن الوجوب إنما استفيد من قوله صلى الله عليه وسلم: "اسعوا فإن اللهَ كتب عليكم السعي" رواه شارح السنة، والإمام أحمد، والشافعي والطبراني، والأمر للوجوب، وأما الاستدلال بقول عائشة كما رواه مسلم: لعمري ما أتم الله حج امرئ لم يطف بين الصّفا والمروة فلا يتم؛ لأنها لم ترفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك دليلًا لكان قولها هنا: ليس لأحد تركه كافيًا؛ لأن الَّذي لا يجوز لأحد تركه هو الواجب لا غير (قال عروة: ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن) أي: ما قالت عائشة (فقال: إن هذا العلم ما كنت سمعته) بضم التاء، ثم ذكر أبو بكر ما كان عنده من العلم، وذلك أن غير الأنصار كانوا في الجاهلية يطوفون بين الصفا والمروة، فلما ذكرَ اللهُ في كتابه الطوافَ ولم يذكِر الصفا والمروةُ تحرجوا لا أنَّه كان من