الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(10) باب ما يدعى به وما يتعوذ منه
[2631]
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي - في رواية: في بيتي - قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا - وفي رواية: كثيرا -
ــ
في الدنيا؛ لأنَّ نشأة الدنيا ضعيفة لا تحتمل العذاب الشديد والألم العظيم، بل إذا عظم عليه ذلك هلك ومات، فأمَّا نشأة الآخرة فهي للبقاء، إما في نعيم، أو في عذاب، إذ لا موت، كما قال في حق الكفار:{كُلَّمَا نَضِجَت جُلُودُهُم بَدَّلنَاهُم جُلُودًا غَيرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ} - فنسأل الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة - ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أحسن ما يقال، وهو قوله: آتنا في الدنيا حسنة.
(10)
ومن باب: ما يدعى به وما يتعوذ منه
(قول أبي بكر رضي الله عنه: علمني دعاء أدعو به في صلاتي) إنما خص الصلاة؛ لأنَّها بالإجابة أجدر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء) (1). وقد تقدَّم: أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وظلم الإنسان لنفسه هو تركها مع هواها حتى يصدر عنها من المعاصي ما يوجب عقوبتها. وغفران الذنوب: هو سترها بالتوبة منها أو بالعفو عنها.
و(قوله: فاغفر لي مغفرة من عندك) أي: تفضلا من عندك، وإن لم أكن لها أهلا، وإلا فالمغفرة والرحمة، وكل شيء من عنده تعالى. وقد أكد ذلك قوله: وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم أي: لأنك الكثير المغفرة والرحمة،
(1) رواه مسلم (482)، وأبو داود (875)، والنسائي (2/ 226).
ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم.
رواه أحمد (1/ 3)، والبخاري (834)، ومسلم (2705)(48)، والنسائي (3/ 53)، وابن ماجه (3835).
[2632]
وعن عائشة، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدعُو بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتنَةِ القَبرِ وَعَذَابِ القَبرِ، وَمِن شَرِّ فِتنَةِ الغِنَى، وَمِن شَرِّ فِتنَةِ الفَقرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ
ــ
لا لأني أستحق ذلك، وقد استحب بعض العلماء أن يدعى بهذا الدعاء في الصلاة قبل التسليم، والصلاة كلها عند علمائنا محل للدعاء، غير أنه يكره الدعاء في الركوع، وأقربه للإجابة: السجود، كما قلناه. وقد قدمنا: أنه يجوز أن يدعى في الصلاة بكل دعاء كان بألفاظ القرآن، أو بألفاظ السنة أو غيرها؛ خلافا لمن منع ذلك إذا كان بألفاظ الناس، وهو أحمد بن حنبل وأبو حنيفة.
و(قوله: اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، وعذاب القبر) الفتنة هنا: هي ضلال أهل النار المفضي بهم إلى عذاب النار. وفتنة القبر: هي الضلال عن صواب إجابة الملكين فيه، وهما: منكر ونكير - كما تقدَّم - وعذاب القبر: هو ضرب من لم يوفق للجواب بمطارق الحديد، وتعذيبه إلى يوم القيامة. وشر فتنة الغنى: هي الحرص على الجمع للمال، وحبه حتى يكتسبه من غير حله، وبمنعه من واجبات إنفاقه وحقوقه. وشر فتنة الفقر: يعني به: الفقر المدقع الذي لا يصحبه صبر ولا ورع، حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الأديان، ولا بأهل المروءات، حتى لا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب، ولا في أي ركاكة تورط، وقيل: المراد به فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها. وليس في شيء من هذه الأحاديث ما يدلّ على أن الغنى أفضل من الفقر، ولا أن الفقر أفضل
المَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغسِل خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّ قَلبِي مِن الخَطَايَا كَمَا نَقَّيتَ الثَّوبَ الأَبيَضَ مِن الدَّنَسِ، وَبَاعِد بَينِي وَبَينَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدتَ بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن الكَسَلِ وَالهَرَمِ وَالمَأثَمِ وَالمَغرَمِ.
رواه أحمد (6/ 88)، والبخاريُّ (832)، ومسلم (589) في كتاب الذكر (49)، والترمذيُّ (3495)، وابن ماجه (3838).
[2633]
وعن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل.
وفي رواية: وأرذل العمر - وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات.
رواه أحمد (3/ 113)، والبخاريُّ (6369)، ومسلم (2706)(50 و 52)، والنسائي (8/ 258).
ــ
من الغنى؛ لأنَّ الغنى والفقر المذكورين هنا مذمومان باتفاق العقلاء. وقد تكلمنا على مسألة التفضيل فيما تقدَّم. والكسل المتعوذ منه هو التثاقل عن الطاعات، وعن السعي في تحصيل المصالح الدينية والدنيوية. والعجز المتعوذ منه: هو عدم القدرة على تلك الأمور. والهرم المتعوذ منه: هو المعبر عنه في الحديث الآخر: بأرذل العمر، وهو: ضعف القوى، واختلال الحواس والعقل الذي يعود الكبير بسببه إلى أسوأ من حال الصغير، وهو الذي قال الله تعالى فيه:{وَمَن نُعَمِّرهُ نُنَكِّسهُ فِي الخَلقِ أَفَلا يَعقِلُونَ}
[2634]
وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من سوء القضاء ومن درك الشقاء، ومن شماتة الأعداء، ومن جهد البلاء. قال سفيان بن عيينة: أشك أني زدت واحدة منها.
رواه أحمد (2/ 246)، والبخاريُّ (6616)، ومسلم (2707)، والنسائي (8/ 269).
* * *
ــ
و(قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من سوء القضاء، ومن درك الشقاء) يروى بفتح الراء وبإسكانها، فبالفتح: الاسم، وبالإسكان: المصدر، وهما متقاربان، والمتعوذ منه: أن يلحقه شقاء في الدنيا يتعبه (1)، ويثقله، وفي الآخرة: يعذبه. وجهد البلاء: يروى بفتح الجيم وضمها. قال ابن دريد: هما لغتان بمعنى واحد، وهو: التعب والمشقة، وقال غيره - وهو نفطويه - بالضم، وهو الوسع والطاقة، وبالفتح: المبالغة والغاية. وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جهد البلاء: قلة المال وكثرة العيال. وشماتة الأعداء: هي ظفرهم به، أو فرحهم بما يلحقه من الضرر والمصائب. وقد جاء هذا الدعاء مسجعا - كما ترى الآن - ذلك السجع لم يكن متكلفا، وإنَّما يكره من ذلك ما كان متكلفا - كما تقدم - وإنَّما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الدعوات، وتعوذ بهذه التعوذات إظهارا للعبودية، وبيانا للمشروعية؛ ليقتدى بدعواته ويتعوذ بتعويذاته، والله أعلم.
* * *
(1) في (ز): يعميه.