المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(13) باب ما ذكر من أن ابن صياد: الدجال - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٧

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(12) باب إقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة

- ‌(37) كتاب الأذكار والدعوات

- ‌(1) باب الترغيب في ذكر الله تعالى

- ‌(2) باب فضل مجالس الذكر والاستغفار

- ‌(3) باب فضل إحصاء أسماء الله تعالى

- ‌(4) باب فضل قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له

- ‌(5) باب فضل التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌(6) باب يذكر الله تعالى بوقار وتعظيم وفضل لا حول ولا قوة إلا بالله

- ‌(7) باب تجديد الاستغفار والتوبة في اليوم مائة مرة

- ‌(8) باب ليحقق الداعي طلبته وليعزم في دعائه

- ‌(9) باب في أكثر ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(10) باب ما يدعى به وما يتعوذ منه

- ‌(11) باب ما يقول إذا نزل منزلا وإذا أمسى

- ‌(12) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع وما بعد ذلك

- ‌(13) باب مجموعة أدعية كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها

- ‌(14) باب: ما يقال عند الصباح وعند المساء

- ‌(15) باب كثرة ثواب الدعوات الجوامع وما جاء في أن الداعي يستحضر معاني دعواته في قلبه

- ‌(16) باب التسلي عند الفاقات بالأذكار وما يدعى به عند الكرب

- ‌(17) باب ما يقال عند صراخ الديكة ونهيق الحمير

- ‌(18) باب أحب الكلام إلى الله تعالى

- ‌(19) باب ما يقال عند الأكل والشرب والدعاء للمسلم بظهر الغيب

- ‌(20) باب يستجاب للعبد ما لم يعجل أو يدعو بإثم

- ‌(21) باب الدعاء بصالح ما عمل من الأعمال

- ‌(22) باب فضل الدوام على الذكر

- ‌(38) كتاب الرقاق

- ‌(1) باب وجوب التوبة وفضلها

- ‌(2) باب ما يخاف من عقاب الله على المعاصي

- ‌(3) باب في رجاء مغفرة الله تعالى وسعة رحمته

- ‌(4) باب من عاد إلى الذنب فليعد إلى الاستغفار

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ}

- ‌(6) باب لا ييأس من قبول التوبة ولو قتل مائة نفس

- ‌(7) باب يهجر من ظهرت معصيته حتى تتحقق توبته وقبول الله تعالى للتوبة الصادقة وكيف تكون أحوال التائب

- ‌(8) باب تقبل التوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها

- ‌(39) كتاب الزهد

- ‌(1) باب هوان الدنيا على الله تعالى وأنها سجن المؤمن

- ‌(2) باب ما للعبد من ماله وما الذي يبقى عليه في قبره

- ‌(3) باب ما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس

- ‌(4) باب لا تنظر إلى من فضل الله عليك في الدنيا وانظر إلى من فضلت عليه

- ‌(5) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها

- ‌(6) باب الخمول في الدنيا والتقلل منها

- ‌(7) باب التزهيد في الدنيا والاجتزاء في الملبس والمطعم باليسير الخشن

- ‌(8) باب ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل الإصبع في اليم وما جاء أن المؤمن فيه كخامة الزرع

- ‌(9) باب شدة عيش النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا

- ‌(10) باب سبق فقراء المهاجرين إلى الجنة، ومن الفقير السابق

- ‌(11) باب كرامة من قنع بالكفاف وتصدق بالفضل

- ‌(12) باب الاجتهاد في العبادة والدوام على ذلك، ولن ينجي أحدا منكم عمله

- ‌(13) باب في التواضع

- ‌(40) كتاب ذكر الموت وما بعده

- ‌(1) باب الأمر بحسن الظن بالله عند الموت وما جاء: أن كل عبد يبعث على ما مات عليه

- ‌(2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده وما جاء في عذاب القبر

- ‌(3) باب سؤال الملكين للعبد حين يوضع في القبر وقوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ}

- ‌(4) باب في أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليسمع ما يقال

- ‌(6) باب في الحشر وكيفيته

- ‌(7) باب دنو الشمس من الخلائق في المحشر وكونهم في العرق على قدر أعمالهم

- ‌(8) باب في المحاسبة ومن نوقش هلك

- ‌(9) باب حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وصفة أهل الجنة وصفة أهل النار

- ‌(10) باب في صفة الجنة وما أعد الله فيها

- ‌(11) باب في غرف الجنة وتربتها وأسواقها

- ‌(12) باب في الجنة أكل وشرب ونكاح حقيقة ولا قذر فيها ولا نقص

- ‌(13) باب في حسن صورة أهل الجنة وطولهم وشبابهم وثيابهم وأن كل ما في الجنة دائم لا يفنى

- ‌(14) باب في خيام الجنة وما في الدنيا من أنهار الجنة

- ‌(15) باب في صفة جهنم وحرها وأهوالها وبعد قعرها، أعاذنا الله منها

- ‌(16) باب تعظيم جسد الكافر وتوزيع العذاب بحسب أعمال الأعضاء

- ‌(17) باب ذبح الموت وخلود أهل الجنة وأهل النار

- ‌(18) باب محاجة الجنة والنار

- ‌(19) باب شهادة أركان الكافر عليه يوم القيامة وكيف يحشر

- ‌(20) باب أكثر أهل الجنة وأكثر أهل النار

- ‌(21) باب لكل مسلم فداء من النار من الكفار

- ‌(22) باب آخر من يخرج من النار وآخر من يدخل الجنة وما لأدنى أهل الجنة منزلة وما لأعلاهم

- ‌(41) كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌(1) باب إقبال الفتن ونزولها كمواقع القطر ومن أين تجيء

- ‌(2) باب الفرار من الفتن وكسر السلاح فيها وما جاء: أن القاتل والمقتول في النار

- ‌(3) باب لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، وحتى يكثر الهرج وجعل بأس هذه الأمة بينها

- ‌(4) باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما يكون إلى قيام الساعة

- ‌(5) باب في الفتنة التي تموج موج البحر وفي ثلاث فتن لا يكدن يذرن شيئا

- ‌(6) باب ما فتح من ردم يأجوج ومأجوج، ويغزو البيت جيش فيخسف به

- ‌(7) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وحتى يمنع أهل العراق ومصر والشام ما عليهم

- ‌(8) باب لا تقوم الساعة حتى تفتح قسطنطينية، وتكون ملحمة عظيمة، ويخرج الدجال ويقتله عيسى ابن مريم

- ‌(9) باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس وما يفتح للمسلمين مع ذلك

- ‌(10) باب الآيات العشر التي تكون قبل الساعة وبيان أولها

- ‌(11) باب: أمور تكون بين يدي الساعة

- ‌(12) باب الخليفة الكائن في آخر الزمان وفيمن يهلك أمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقتل عمارا الفئة الباغية وإخماد الفتنة الباغية ولتفنى كنوز كسرى في سبيل الله

- ‌(13) باب ما ذكر من أن ابن صياد: الدجال

- ‌(14) باب في صفة الدجال وما يجيء معه من الفتن

- ‌(15) باب: في هوان الدجال على الله تعالى وأنه لا يدخل مكة والمدينة ومن يتبعه من اليهود

- ‌(16) باب حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

- ‌(17) باب كيف يكون انقراض هذا الخلق وتقريب الساعة وكم بين النفختين

- ‌(18) باب المبادرة بالعمل الصالح والفتن وفضل العبادة في الهرج

- ‌(19) باب إغراء الشيطان بالفتن

- ‌(20) باب في قوله عليه الصلاة والسلام: لتتبعن سنن الذين من قبلكم، وهلك المتنطعون آخر الفتن

- ‌(42) كتاب التفسير

- ‌(1) باب من فاتحة الكتاب

- ‌(2) ومن سورة البقرة

- ‌(3) ومن سورة آل عمران

- ‌(4) ومن سورة النساء

- ‌(5) ومن سورة العقود

- ‌(6) ومن سورة الأنعام

- ‌(7) ومن سورة الأعراف

- ‌(8) ومن سورة الأنفال وبراءة

- ‌(9) ومن سورة إبراهيم

- ‌(10) ومن سورة الحجر

- ‌(11) ومن سورة الإسراء

- ‌(12) ومن سورة الكهف

- ‌(13) ومن سورة مريم

- ‌(14) ومن سورة الأنبياء

- ‌(15) ومن سورة الحج

- ‌(16) ومن سورة النور

- ‌(17) ومن سورة الفرقان

- ‌(18) ومن سورة الشعراء

- ‌(19) ومن سورة: الم السجدة

- ‌(20) ومن سورة الأحزاب

- ‌(21) ومن سورة تنزيل

- ‌(22) ومن سورة حم السجدة

- ‌(23) ومن سورة الدخان

- ‌(24) ومن سورة الحجرات

- ‌(25) ومن سورة ق

- ‌(26) ومن سورة القمر

- ‌(27) ومن سورة الحديد والحشر

- ‌(28) ومن سورة المنافقين

- ‌(29) باب: من أخبار المنافقين

- ‌(30) ومن سورة التحريم

- ‌(31) ومن سورة الجن

- ‌(32) ومن سورة المدثر

- ‌(33) ومن سورة القيامة

- ‌(34) ومن سورة الأخدود

- ‌(35) ومن سورة الشمس وضحاها

- ‌(36) ومن سورة الليل

- ‌(37) ومن سورة الضحى

- ‌(38) ومن سورة اقرأ باسم ربك

- ‌(39) ومن سورة النصر

الفصل: ‌(13) باب ما ذكر من أن ابن صياد: الدجال

(13) باب ما ذكر من أن ابن صياد: الدجال

[2824]

عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ: خَرَجنَا حُجَّاجًا - أَو: عُمَّارًا - وَمَعَنَا ابنُ صَائِدٍ، قَالَ: فَنَزَلنَا مَنزِلًا فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ، فَاستَوحَشتُ مِنهُ وَحشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيهِ، قَالَ: وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِي، فَقُلتُ: إِنَّ الحَرَّ شَدِيدٌ فَلَو وَضَعتَهُ تَحتَ تِلكَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَفَعَلَ، قَالَ: فَرُفِعَت لَنَا غَنَمٌ فَانطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسٍّ، فَقَالَ: اشرَب أَبَا سَعِيدٍ، فَقُلتُ: إِنَّ الحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌّ، مَا بِي إِلَّا أَنِّي أَكرَهُ أَن أَشرَبَ عَن يَدِهِ - أَو قَالَ: آخُذه عَن يَدِهِ - فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ لَقَد هَمَمتُ أَن آخُذَ حَبلًا فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَختَنِقَ مِمَّا يَقُولُ لِي النَّاسُ، يَا أَبَا سَعِيدٍ مَن خَفِيَ عَلَيهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا خَفِيَ عَلَيكُم مَعشَرَ الأَنصَارِ، أَلَستَ مِن أَعلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ أَلَيسَ قَد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هُوَ كَافِرٌ، وَأَنَا مُسلِمٌ؟ أَوَلَيسَ قَد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هُوَ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ لَهُ، وَقَد تَرَكتُ وَلَدِي بِالمَدِينَةِ؟ أَوَلَيسَ قَد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَدخُلُ المَدِينَةَ

ــ

(13)

ومن باب: ما ذكر في ابن صياد

ويقال: ابن صائد، واسمه صاف، وكل ذلك في الحديث. قال الواقدي: نسبه في بني النجار، وقيل: هو من اليهود، وكانوا حلفاء بني النجار، وكانت حاله في صغره حالة الكهان، يصدق مرة ويكذب مرارا، ثم إنه أسلم لما كبر، وظهرت منه علامة الخير من الحج والجهاد مع المسلمين، ثم ظهرت منه أحوال، وسمعت منه أقوال، تشعر بأنه الدجال، وبأنه كافر، كما يأتي في تفاصيل أحاديثه، فقيل: إنه تاب ومات بالمدينة، ووقف على عينه هناك، وقيل: بل فقد في يوم الحرة، ولم يوقف عليه، وكان جابر وابن عمر رضي الله عنهم يحلفان أنه الدجال،

ص: 262

وَلَا مَكَّةَ، وَقَد أَقبَلتُ مِن المَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ؟ - وَفِي رِوَايَةٍ: قَد حَجَجتُ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: حَتَّى كِدتُ أَن أَعذِرَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعرِفُهُ وَأَعرِفُ مَولِدَهُ وَأَينَ هُوَ الآنَ، قَالَ: قُلتُ لَهُ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَومِ.

وفي رواية: قال، وقيل له: أيسرك أنك ذاك الرجل؟ قال: فقال: لو عرض علي ما كرهت.

رواه مسلم (2926)(90 و 91)، والترمذيُّ (2246).

ــ

لا يشكان فيه، وعلى الجملة فأمره كله مشكل على الأمة، وهو فتنة ومحنة.

وقد تقدم أن الأطم: هو الحصن، ويجمع: آطام. ويروى أطم ابن مغالة، وبني مغالة، وكلاهما صحيح، وبنو مغالة بغين معجمة. وفي حديث ابن حميد، وفي حديث الحلواني: بني معاوية، والأول المعروف، وبنو مغالة: كل ما كان عن يمينك إذا وقفت آخر البلاط مستقبل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وبنو جديلة ما كان عن يسارك، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم في بني مغالة، قاله الزبير. وقال بعضهم: بنو مغالة حي من قضاعة، وبنو معاوية: هم بنو جديلة.

و(قوله: فرفصه) رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاء والصاد المهملة - رواية الجماعة. قال بعض الشارحين: الرفص: الضرب بالرجل، مثل الرفس.

قلت: وهذا ليس بمعروف عند أهل اللغة، وإنما رفس، بالسين المهملة. يقال: رفسه يرفِسُه ويرفُسُه: إذا ضربه برجله. فأمَّا رفص بالصاد: فهو من الرفصة، وهي النوبة من الماء تكون بين القوم، وهم يترافصون الماء، أي: يتناوبونه، وقد وقع عند الصدفي: فرفضه، بضاد معجمة. قال القاضي: وهو وهم.

قلت: ويحتمل أن يقال: ليس بوهم، ويكون معناه من الرفض، وهو الرمي، وكأنه أعرض عنه، ولم يلتفت إليه لما سمع منه ما سمع، فعل المغضب. وأبعد من هذه ما وقع في البخاري من رواية المروزي: فرقصه، بالقاف والصاد

ص: 263

[2825]

وعن عبد الله بن عمر، أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ انطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي رَهطٍ قِبَلَ ابنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدَهُ يَلعَبُ مَعَ الصِّبيَانِ عِندَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَد قَارَبَ ابنُ صَيَّادٍ يَومَئِذٍ الحُلُمَ، فَلَم يَشعُر حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ظَهرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِابنِ صَيَّادٍ: أَتَشهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَنَظَرَ إِلَيهِ ابنُ صَيَّادٍ فَقَالَ: أَشهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، فَقَالَ ابنُ صَيَّادٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَشهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرَفَضَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: آمَنتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَاذَا تَرَى؟ قَالَ ابنُ صَيَّادٍ: يَأتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خُلِّطَ عَلَيكَ الأَمرُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي قَد خَبَأتُ لَكَ خَبِيئًا، فَقَالَ ابنُ

ــ

المهملة، وفي حديث كتاب الأدب من البخاري، فَرَضَّه، بالضاد المعجمة من الرض، وقال بعضهم فيه: فرصَّه، بالصاد المهملة؛ أي: ضغطه.

و(قوله: يأتيني صادق وكاذب) يعني به تابعه من الشيطان، كان تارة يصدق له وتارة يكذب، وهذه حالة الكهان.

و(قوله: خُلط عليك الأمر) أي: لبس عليك تابعك الجني حالك.

و(قوله صلى الله عليه وسلم: خبئت لك خبيئا) رواية الجماعة: خبيئا، بكسر الباء، وعند التميمي: خَبأ، بسكونها، وكلاهما بمعنى. في الصحاح: الخبء: ما خبئ، وكذلك: الخبيء، وكلاهما مهموز، واختلف في هذا المخبأ ما هو؟ فالأكثر على أنه: أضمر له في نفسه: {يَومَ تَأتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} وقال الداودي: وكانت في يده سورة الدخان مكتوبة، وعلى هذا فيكون قوله: الدخ، يعني به الدخان. قالوا: هي لغة معروفة في الدخان، وأنشدوا:

عند رواق البيت يغشى الدخا

وحكى هذه اللغة في الصحاح، ووجدته في كتاب الشيخ: الدخ، ساكن

ص: 264

صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اخسَأ فَلَن تَعدُوَ قَدرَكَ، فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: ذَرنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضرِب عُنُقَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِن يَكُنهُ فَلَن تُسَلَّطَ عَلَيهِ، وَإِن لَم يَكُنهُ فَلَا خَيرَ لَكَ فِي قَتلِهِ.

ــ

الخاء. ومصححا عليه، أعني: الذي جاء في الحديث، وكأنه على الوقف، وأما الذي في الشعر فهو مشدد الخاء، وكذلك قرأته في الحديث فيما أعلم، وقيل: إنما أراد ابن صياد أن يقول: الدخان، فزجره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الدخ، وهذا فيه بعد. وقيل: الدخ: نبت موجود بين النخيل والبساتين خبأه له. واخسأ: زجر للكلب، ولمن يذم ويهان.

و(قوله: لن تعدو قدرك) أي: لن تجاوز حالة الكهان المتخرصين الكذابين، لا يليق بك إلا ذلك، وإنَّما اختبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لينظر هل طريقته طريقة الكهان أو لا؟ فظهر أنه كذلك، وأن الشياطين تلعب به، وتلبس عليه.

و(قوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير في قتله) هذا يدلّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتضح له شيء من أمر كونه هو الدجال أم لا؟ وليس هذا نقصا في حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه لم يكن يعلم إلا ما علمه الله، وهذا مما لم يعلمه الله تعالى به، ولا هو مما ترهق إلى علمه حاجة لا شرعية، ولا عادية، ولا مصلحية، ولعل الله تعالى قد علم في إخفائه مصلحة فأخفاه، والذي يجب الإيمان به: أنه لا بد من خروج الدجال يدعي الإلهية، وأنه كذاب أعور، كما جاء في الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي قد حصلت لمن عاناها العلم القطعي بذلك.

و(قوله: وإن لم يكنه، فلا خير لك في قتله) أي: لأنه صبي حينئذ. وقيل: لأنه كان لقومه عهد من النبي صلى الله عليه وسلم، كما عاهد يهود المدينة، أو لأنه من حلفاء بني النجار كما تقدَّم. وهذا الضمير المتصل في (يكنه) هو خبرها، وقد وضع موضع المنفصل، واسمها مستتر فيها، ونحوه قول أبي الأسود الدؤلي:

ص: 265

وَقَالَ أيضا: انطَلَقَ بَعدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأُبَيُّ بنُ كَعبٍ إِلَى النَّخلِ الَّتِي فِيهَا ابنُ صَيَّادٍ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّخلَ، طَفِقَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخلِ، وَهُوَ يَختِلُ أَن يَسمَعَ مِن ابنِ صَيَّادٍ شَيئًا قَبلَ أَن يَرَاهُ ابنُ صَيَّادٍ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضطَجِعٌ عَلَى فِرَاشٍ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ، فِيهَا زَمزَمَةٌ، فَرَأَت أُمُّ ابنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخلِ، فَقَالَت لِابنِ صَيَّادٍ: يَا صَافِ - وَهُوَ اسمُ ابنِ صَيَّادٍ - هَذَا مُحَمَّدٌ، فَثَارَ ابنُ صَيَّادٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَو تَرَكَتهُ بَيَّنَ. قَالَ عَبدُ اللَّهِ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ

ــ

دع الخمر تشربها الغواة فإنني

رأيت أخاها مغنيا بمكانها (1)

فإن لا يكنها أو تكنه فإنه

أخوها غذته أمه بلبانها

أي: فإلا يكن هو إياها أو تكن هي إياه.

و(قوله: طفق يتقي) أي: أخذ وجعل، وقد تقدَّم أنها من أفعال المقاربة. ويتقي: يستتر بجذوع النخل، أي: بأصول النخل.

و(قوله: فثار ابن صياد) أي: وثب وثبة شديدة.

و(قوله صلى الله عليه وسلم: لو تركته بين) أي: كان يعبر عن حاله في نومه، هل هو الدجال، أم لا؟ وقد يشكل هذا مع قوله: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ. . . (2) وبالإجماع على أن النائم غير مؤاخذ بما يقوله في حال نومه، ولا بما يصدر عنه، ولا يعول على هذا الإشكال؛ لأنَّ هذا ليس من باب المؤاخذة، ولا التكليف، وإنما هو من باب النظر في قرائن الأحوال؛ فإنَّ النائم الغالب عليه

(1) في اللسان والصحاح: "مجزيًا بمكانها".

(2)

رواه أحمد (6/ 100)، وأبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (2041).

ص: 266

فَأَثنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ له أَهل، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: إِنِّي لَأُنذِرُكُمُوهُ، مَا مِن نَبِيٍّ إِلَّا وَقَد أَنذَرَهُ قَومَهُ، لَقَد أَنذَرَهُ نُوحٌ قَومَهُ، وَلَكِن أَقُولُ لَكُم فِيهِ قَولًا لَم يَقُلهُ نَبِيٌّ لِقَومِهِ، إنَّهُ أَعوَرُ وَإنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَيسَ بِأَعوَرَ.

ــ

أنه يتكلم في نومه بما يكون غالبا عليه في يقظته، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر أن يظهر له منه في حال نومه ما يدل على حاله دلالة خاصة به، والله تعالى أعلم.

و(قوله: إني لأنذركم الدجال، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه) إنما كان هذا من الأنبياء لما علموا من عظيم فتنته، وشدة محنته، على ما يأتي تفصيلها في الأحاديث المذكورة بعد، ولأنهم لما لم يُعيّن لواحد منهم زمان خروجه، توقع كل واحد منهم خروجه في زمان أمته، فبالغ في التحذير. وفائدة هذا الإنذار الإيمان بوجوده والعزم على معاداته ومخالفته، وإظهار تكذيبه وصدق الالتجاء إلى الله تعالى في التعوذ من فتنته. وهذا مذهب أهل السنة، وعامة أهل الفقه والحديث، خلافا لمن أنكر أمره وأبطله من الخوارج وبعض المعتزلة، وخلافا للجبائي من المعتزلة، ومن وافقنا على إثباته من الجهمية وغيرهم، لكن زعموا أن ما عنده مخارق وحيل، قال: لأنها لو كانت أمورا صحيحة لكان ذلك إلباسا للكاذب بالصادق، وحينئذ لا يكون فرق بين النبي والمتنبئ، وهذا هذيان لا يلتفت إليه؛ فإنَّ هذا إنما كان يلزم لو أن الدجال يدعي النبوة، وليس كذلك؛ فإنه إنما ادعى الإلهية، وكذبه في هذه الدعوى واضح للعقول؛ إذ أدلة حدثه ونقصه وفقره مدرك بأول الفطرة، بحيث لا يجهله من له أدنى فكرة، وقد زاد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى إيضاحا في هذا الحديث من ثلاثة أوجه:

أحدها: بقوله: ولكن أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لأمته، إنه أعور، وإن الله ليس بأعور وهذا تنبيه للعقول القاصرة أو الغافلة على أن من كان ناقصا في ذاته، عاجزا عن إزالة نقصه، لم يصلح لأن يكون إلها لعجزه وضعفه، ومن كان عاجزا عن إزالة نقصه كان أعجز عن نفع غيره، وعن مضرته.

ص: 267

وقَالَ بَعضُ أَصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ يَومَ حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ: إِنَّهُ مَكتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ كَافِرٌ، يَقرَؤُهُ مَن كَرِهَ عَمَلَهُ، أَو يَقرَؤُهُ كُلُّ مُؤمِنٍ. وَقَالَ: تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَن يَرَى أَحَدُكُم رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ.

رواه أحمد (2/ 148) و (169) في إثر الرقم السابق، والبخاريُّ (3055 - 3057)، ومسلم (2930)(95) و (2931)، وأبو داود (4329)، والترمذي (2235).

ــ

وثانيها: قوله: إنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب وهذا أمر مشاهد للحس يشهد بكذبه وكفره.

وثالثها: قوله: تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت، وهذا نص جلي في أن الله تعالى لا يُرى في هذه الدار، وهو موافق لقوله تعالى:{لا تُدرِكُهُ الأَبصَارُ} أي: في الدنيا، ولقوله تعالى لموسى عليه السلام:{لَن تَرَانِي} أي في الدنيا. ولقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحيًا} الآية.

وحاصل هذا: أن الصادق قد أخبر أن الله تعالى لا يراه أحد في الدنيا، والدجال يراه الناس، فليس بإله، وهذا منه صلى الله عليه وسلم نزول إلى غاية البيان، بحيث لا يبقى معه ريبة لإنسان، وقد تقدَّم الخلاف في رؤية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربه في كتاب الإيمان، وقد قلنا: إنه لم يثبت في الباب قاطع يعتمد عليه، والأصل: التمسك بما دلت هذه الأدلة عليه، وقد تأول بعض الناس قوله صلى الله عليه وسلم: مكتوب بين عينيه كافر. وقال: معنى ذلك ما ثبت من سمات حدثه، وشواهد عجزه، وظهور نقصه. قال: ولو كان على ظاهره وحقيقته لاستوى في إدراك ذلك المؤمن والكافر، وهذا عدول وتحريف عن حقيقة الحديث من غير موجب لذلك، وما ذكره من لزوم المساواة بين المؤمن والكافر في قراءة ذلك لا يلزم؛ لوجهين:

أحدهما: أن الله تعالى يمنع الكافر من إدراكه، لا سيما وذلك الزمان قد

ص: 268

[2826]

وَعَن أَبِي سَعِيدٍ، وَذَكَرَ بَعضُ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الحَدِيثُ، قَالَ فِيهِ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا تَرَى؟ قَالَ: عَرشًا عَلَى المَاءِ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: تَرَى عَرشَ إِبلِيسَ عَلَى البَحرِ.

رواه مسلم (2925)، والترمذيُّ (2249).

ــ

انحرفت فيه عوائد، فليكن هذا منها. وقد نُص على هذا في بعض طرقه فقال: يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، وقراءة غير الكاتب خارقة للعادة.

وثانيهما: أن المؤمن إنما يدركه لتثبته ويقظته، ولسوء ظنه بالدجال، وتخوفه من فتنته، فهو في كل حال يستعيد النظر في أمره، ويستزيد بصيرة في كذبه، فينظر في تفاصيل أحواله، فيقرأ سطور كفره وضلاله ويتبين عين محاله. وأما الكافر فمصروف عن ذلك كله بغفلته وجهله، وكما انصرف عن إدراك نقص عوره، وشواهد عجزه، كذلك يصرف عن فهم قراءة سطور كفره ورمزه.

وأما الفرق بين النبي والمتنبئ، فالمعجزة لا تظهر على يدي المتنبئ؛ لأنَّه يلزم منه انقلاب دليل الصدق دليل الكذب، وهو محال، وللبحث فيها مجال في علم الكلام، وأما من قال أن ما يأتي به الدجال حيل ومخارق، فهو معزول عن الحقائق؛ لأنَّ ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الأمور حقائق لا يحيل العقل شيئا منها، فوجب إبقاؤها على حقائقها، وسيأتي تفصيلها. والرواية في (تعلموا) بتشديد اللام بمعنى: اعلموا وتعلموا.

و(قوله: فرفعت لنا غنم) أي: أبصرناها على بعد، وكأن الآل الذي هو السراب رفعها لهم؛ أي: أظهرها. والعُس، بضم العين: القدح الكبير.

و(قول ابن صياد لأبي سعيد: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو كافر وأنا مسلم إلخ. . .) هذا الحديث من أوله إلى آخره يدلّ على أن هذه القصة اتفقت لأبي سعيد مع ابن صياد بعد أن كبر، وصار رجلا وولد له، وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ابن صياد أسلم وحج، وأنه حفظ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك ذكره

ص: 269

[2827]

وَعَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: لَقِيتُ ابنَ صَيَّادٍ مَرَّتَينِ، فَقُلتُ لِبَعضِهِم: هَل تَحَدَّثُونَ أَنَّهُ هُوَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، قَالَ: قُلتُ: كَذَبتَنِي، وَاللَّهِ لَقَد أَخبَرَنِي بَعضُكُم أَنَّهُ لَن يَمُوتَ حَتَّى يَكُونَ أَكثَرَكُم مَالًا وَوَلَدًا، فَكَذَلِكَ هُوَ زَعَمُوا اليَومَ. قَالَ: فَتَحَدَّثنَا ثُمَّ فَارَقتُهُ،

ــ

ابن جرير وغيره في الصحابة، غير أنه قد ظهرت منه في هذا الحديث أمور بعضها كفر، وذلك قوله: لو عرض علي ما كرهت، فإنَّ من يرضى لنفسه دعوى الإلهية، وحالة الدجال هو كافر، ولا يتصور في هذا خلاف، وبعضها يشعر بأنه الدجال، وهو قوله: والله إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو. زاد الترمذي (1): وأين هو الساعة من الأرض، وأعرف والده. فإنَّ هذا يقارب النص في أنه هو، وما لبس به من أن مسلم فسيكفر، أو هو منافق كافر في الحال، وحجه وغيره محبط بكفره، أو لعله كان ذلك منه نفاقا. وأما كونه لا يولد له، ولا يدخل مكة والمدينة، فيحتمل أن يكون ذلك منه إذا خرج على الناس، والله تعالى أعلم بحقيقة ذلك.

و(قول أبي سعيد الخدري له: تبا لك سائر اليوم)، أي: خسارا لك دائما؛ لأنَّ اليوم هنا يراد به الزمان، وتبا: منصوب بفعل مضمر لا يستعمل إظهاره؛ أي: لقيت تبا، أي: تبابا، أو صادفت، أو لقّاه الله تبابا.

و(قول ابن عمر رضي الله عنهما: لقيت ابن صائد مرتين، فقلت لبعضهم: هل تحدثون أنه هو؟ ) يعني لبعض من كان معه، والذي قال: لا والله، هو ذلك البعض الذي خاطبه، وله قال ابن عمر: كذبتني، ألا ترى أنه خاطبه بقوله: لقد أخبرني بعضكم، ولا يتخيل أن الخطاب لابن صياد؛ لأنَّه لم يتكلم معه بهذه اللقيا، وإنما تكلم معه في اللقية الأخرى.

و(قوله: لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالا وولدا، فكذلك هو زعموا اليوم) مثل هذا الخبر لا يتوصل إليه إلا بالنقل، ولم يكن عندهم

(1) رواه الترمذي (2249).

ص: 270

قَالَ: فَلَقِيتُهُ لَقيَةً أُخرَى وَقَد نَفَرَت عَينُهُ، قَالَ: فَقُلتُ: مَتَى فَعَلَت عَينُكَ مَا أَرَى؟ قَالَ: لَا أَدرِي، قَالَ: قُلتُ: لَا تَدرِي وَهِيَ فِي رَأسِكَ؟ قَالَ: إِن شَاءَ اللَّهُ خَلَقَهَا فِي عَصَاكَ هَذِهِ، قَالَ: فَنَخَرَ كَأَشَدِّ نَخِيرِ حِمَارٍ سَمِعتُ، قَالَ: فَزَعَمَ بَعضُ أَصحَابِي أَنِّي ضَرَبتُهُ بِعَصًا كَانَت مَعِيَ حَتَّى تَكَسَّرَت، وَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ مَا شَعَرتُ، قَالَ: وَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُمِّ المُؤمِنِينَ فَحَدَّثَهَا فَقَالَت: مَا تُرِيدُ إِلَيهِ؟ أَلَم تَعلَم أَنَّهُ قَد قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبعَثُهُ عَلَى النَّاسِ غَضَبٌ يَغضَبُهُ.

ــ

شيء يعتمدونه إلا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مرفوع بالمعنى لا باللفظ، فكأنه قال: أخبرني بعضكم عن النبي صلى الله عليه وسلم.

و(قوله: فلقيته لقية أخرى، وقد نفرت عينه) كذا وقع لأكثرهم، والصواب الفتح في اللام من لقية؛ لأنَّه مصدر، ولم يحكه ثعلب إلا بالرفع، ونفرت، بالنون والفاء المفتوحتين: رواية جماعة الشيوخ؛ أي: ورمت، وفي أصل القاضي التميمي: نقرت وفقئت، معا، فقلت: فقئت في الموضعين، وكتب على الأول بخطه: نقرت، بالنون والقاف. ورواه أبو عبد الله المازري: نفرت، بالفاء، وهي كلها متقاربة، وأشبهها الأولى، فإنَّ عينه في ذلك الوقت لم تكن مفقوءة؛ إذ لو كان ذلك لكان من أعظم الأدلة على أنه الدجال، ولاستدل بذلك من قال: إنه هو، على من خالفه في ذلك، ولم يرد ذلك، غير أنه قد حكى أبو الفرج الجوزي في أنه ولد وهو أعور مختون مسرور، وهذا فيه نظر؛ لأنَّ الظاهر من هذا الحديث أشهر مما ذكر. ويحتمل أن يكون ذلك الورم مبتدأ فقء عينه إن كان هو الدجال، والله أعلم. وكون ابن عمر لم يشعر بضربه لابن صياد بالعصا حتى تكسرت، كان ذلك لشدة موجدته عليه، وكأنه تحقق منه أنه الدجال.

و(قوله: فنخر كأشد نخير حمار سمعت) النخير: صوت الأنف. تقول منه: نَخَر ينخِر ينخُر نَخِيرا.

ص: 271

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ ابنَ عُمَرَ لَقِيَ ابنَ صَيَّادٍ فِي بَعضِ طُرُقِ المَدِينَةِ، فَقَالَ قَولًا أَغضَبَهُ، فانتفخ حتى ملأ السكة، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها، فقالت له: يرحمك الله ما أردت من ابن صياد؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما يخرج من غضبة يغضبها؟

رواه أحمد (6/ 283)، ومسلم (2932)(98 و 99).

* * *

ــ

و(قوله: فقال له قولا أغضبه) يعني: أن ابن عمر قال لابن صياد قولا غضب ابن صياد لأجله، فانتفخ حتى ملأ السكة، وهي الطريق، وتجمع سككا، وهذا الانتفاخ محمول على حقيقته وظاهره، ويكون هذا أمرا خارقا للعادة في حق ابن صياد، ويكون من علامات أنه الدجال؛ لأنَّ هذا موافق لما قالته حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنما يخرج من غضبة يغضبها. وقد اجتمعت في أحاديث ابن عمر هذه قرائن كثيرة تفيد أن ابن صياد هو الدجال، ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما قد اعتقد ذلك وصمم عليه، بحيث كان يحلف على ذلك، وكذلك جابر بن عبد الله، رضي الله عنهم.

* * *

ص: 272