الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(19) باب شهادة أركان الكافر عليه يوم القيامة وكيف يحشر
[2768]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَل نَرَى رَبَّنَا يَومَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: هَل تُضَارُّونَ فِي رُؤيَةِ الشَّمسِ فِي الظَّهِيرَةِ، لَيسَت فِي سَحَابَةٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهَل تُضَارُّونَ فِي رُؤيَةِ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ، لَيسَ
ــ
جاء رجل من جراد؛ أي: جماعة منها، ويشهد بصحَّة هذا التأويل قوله في آخر الحديث: ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة. والله بمراد رسوله أعلم، والتسليم في المشكلات أسلم. وقد تقدَّم القول في قط الزمانية، وأنها مبنية على الضم مشددة ومخففة، وأنها تقال بفتح القاف، وهو الأصل فيها، ويقال بالضم إتباعا. وأما قط بمعنى حسب، فهي مبنية على السكون، وقد تكسر وتلحقها نون الوقاية إذا أضيفت (1)، وتقال بالدال، ويصح فيها ما يصح في الطاء.
(19 و 20 و 21 و 22) ومن باب: شهادة أركان الكافر عليه يوم القيامة (2)
قد تقدَّم القول على رؤية الله تعالى في كتاب الإيمان، وعلى قوله: تضارون.
(1) أي: إلى ياء المتكلم. قال الراجز:
امتلأ الحوضُ وقال قطنِي
…
سلًّا رويدًا قد ملأتَ بطني
انظر: اللسان مادة (قطط).
(2)
شرح المؤلف رحمه الله تحت هذا العنوان جميع الأبواب المتبقية من كتاب: ذكر الموت وما بعده.
فِي سَحَابَةٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤيَةِ رَبِّكُم، إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤيَةِ أَحَدِهِمَا. قَالَ: فَيَلقَى العَبدَ فَيَقُولُ: أَي فُل، أَلَم أُكرِمكَ وَأُسَوِّدكَ وَأُزَوِّجكَ وَأُسَخِّر لَكَ الخَيلَ وَالإِبِلَ، وَأَذَركَ تَرأَسُ وَتَربَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: أَفَظَنَنتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا،
ــ
(قوله: أي فل) هو منادى مرخم، فكأنه قال: يا فلان، ولا يرخم في غير النداء إلا في ضرورة الشعر.
و(قوله: ألم أكرمك؟ ) أي: بما فضلتك به على سائر الحيوانات، كما قال تعالى:{وَلَقَد كَرَّمنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلنَاهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقنَا تَفضِيلا}
و(قوله: وأسودك) أي: جعلتك سيدا على قومك. والسؤدد: التقدم بالأوصاف الجميلة، والأفعال الحميدة.
و(قوله: وأذرك ترأس وتربع؟ ) أي: ألم أتركك تترأس على قومك؟ أي: تكون رئيسا عليهم. وتربع - بالموحدة - أي: تأخذ المرباع، أي: الربع فيما يحصل لقومك من الغنائم والكسب. وكانت عادتهم: أن أمراءهم يأخذون من الغنائم الربع، ويسمونه المرباع. قال قطرب: المرباع: الربع. والمعشار: العشر، ولم يسمع في غيرهما. ورواية الجمهور: تربع بالباء، وعند ابن ماهان: ترتع، بتاء باثنتين من فوقها، ومعناه: تتنعم.
و(قوله: أفظننت أنك ملاقي؟ ) أي: أعلمت؟ كقوله تعالى: {فَظَنُّوا أَنَّهُم مُوَاقِعُوهَا} أي: علموا.
و(قوله: فإني أنساك كما نسيتني) أي: أتركك في العذاب كما تركت معرفتي وعبادتي.
فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلقَى الثَّانِيَ، فَيَقُولُ له مثل ذلك. ويقول هو مثل ذلك بعينه، ثُمَّ يَلقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ مِثلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرسُولِكَ وَصَلَّيتُ وَصُمتُ وَتَصَدَّقتُ، وَيُثنِي بِخَيرٍ مَا استَطَاعَ، قال: فَيَقُولُ: هَاهُنَا إِذًا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الآنَ نَبعَثُ شَاهِدًا عَلَيكَ، فَيفكّرُ فِي نَفسِهِ مَن ذَا الَّذِي يَشهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُختَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ: انطِقِي، فَتَنطِقُ فَخِذُهُ وَلَحمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، فَذَلِكَ لِيُعذِرَ مِن نَفسِهِ، وَذَلِكَ المُنَافِقُ، وَذَلِكَ الَّذِي يَسخَطُ اللَّهُ عَلَيهِ.
رواه مسلم (2968).
ــ
و(قوله للثالث: هاهنا إذًا؟ ) يعني: أهاهنا تكذب وتقول غير الحق، وذلك أن هذا المنافق أنجاه كذبه ونفاقه في الدنيا من سفك دمه، واستباحة ماله، فاستصحب الكذب إلى الآخرة، حتى كذب بين يدي الله تعالى.
و(قوله: فيختم على فيه) أي: يمنع من الكلام المكتسب له، وينطق لسانه وسائر أركانه بكلام ضروري لا كسب له فيه، ولا قدرة على منعه، كما قال تعالى:{يَومَ تَشهَدُ عَلَيهِم أَلسِنَتُهُم وَأَيدِيهِم وَأَرجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ} فإذا شهدت عليه أركانه بعمله خُلي بينه وبين الكلام المقدور ل، فيلوم جوارحه الشاهدة عليه بقوله: ويلكن فعنكن كنت أناضل أي: أدافع وأحتج، والرواية المشهورة: إذًا التي للتعليل. وقد رواها ابن الحذاء: إذن والأول أصح وأشهر، وقد سقطت هذه اللفظة جملة عند الصدفي. واقتصر على: هاهنا. وقيل: معناها: هنا اثبت مكانك، كما تقول لمن تهدده: اثبت مكانك حتى أريك وما ذكرناه أولى وأشبه، والله تعالى أعلم.
و(قوله: ليعذر من نفسه) بضم الياء وكسر الذال المعجمة، مِن: أعذر، أي: بالغ في حجَّة نفسه. يعني أن المنافق قال ما قال من ادعاء فعل الخيرات المتقدمة.
[2769]
وعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا عِندَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ فَقَالَ: هَل تَدرُونَ مِمَّ أَضحَكُ؟ قَالَ: قُلنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ، قَالَ: مِن مُخَاطَبَةِ العَبدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَم تُجِرنِي مِن الظُّلمِ؟ قَالَ: فيَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفسِكَ اليَومَ عَلَيكَ شَهِيدًا وَبِالكِرَامِ الكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُختَمُ عَلَى فِيهِ فَيُقَالُ لِأَركَانِهِ: انطِقِي، قَالَ: فَتَنطِقُ بِأَعمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَينَهُ وَبَينَ الكَلَامِ، قَالَ: فَيَقُولُ: بُعدًا لَكُنَّ وَسُحقًا، فَعَنكُنَّ كُنتُ أُنَاضِلُ.
رواه مسلم (2969)(17).
[2770]
وعن أنس بن مالك أن رجلا قال: يا رسول الله، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ قال قتادة: بلى وعزة ربنا.
رواه البخاريُّ (6523)، ومسلم (2806).
* * *
ــ
و(قوله في الرواية الأخرى: ألم تجرني من الظلم؟ . . . إلى آخر الكلام. .) ليبالغ في عذر نفسه الذي يظن أنه ينجيه، يقال: أعذر الرجل في الأمر، أي: بالغ فيه، وقد تقدم القول في أن أقل ساكني الجنة النساء الآدميات، وأنهن أكثر ساكني النار.