الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنَّ عَلَينَا أَن نَجمَعَهُ فِي صَدرِكَ وَقُرآنَهُ فَتَقرَؤُهُ، {فَإِذَا قَرَأنَاهُ فَاتَّبِع قُرآنَهُ} قَالَ: أَنزَلنَا فَاستَمِع لَهُ {إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ} أَن نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبرِيلُ أَطرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ.
رواه البخاريُّ (4928)، ومسلم (448)(147)، والترمذي (3326)، والنسائي (2/ 149).
* * *
(34) ومن سورة الأخدود
[2927]
عَن صُهَيبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ مَلِكٌ فِيمَن كَانَ قَبلَكُم، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلمَلِكِ: إِنِّي قَد كَبِرتُ فَابعَث إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمهُ السِّحرَ، فَبَعَثَ إِلَيهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ - إِذَا سَلَكَ - رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ فَأَعجَبَهُ، فَكَانَ إِذَا أَتى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُل: حَبَسَنِي أَهلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهلَكَ فَقُل:
ــ
والرُّجز: الأوثان، سماها بذلك لاستحقاق عابديها الرِّجز، وهو العذاب. كقوله:{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيهِمُ الرِّجزُ} واهجر: اترك. ولربك فاصبر: أي على ما تلقاه من الأذى والتكذيب عند الإنذار.
(33 (1) و 34) ومن سورة الأخدود
(قول الراهب للغلام: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي) دليل على إجازة الكذب لمصلحة الدين، ووجه التمسك بهذا أن نبينا صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث
(1) لم يتعرض المؤلف رحمه الله لشرح ما أشكل في عنوانه: ومن سورة القيامة.
حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَينَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَد حَبَسَت النَّاسَ، فَقَالَ: اليَومَ أَعلَمُ آلسَّاحِرُ أَفضَلُ أَم الرَّاهِبُ أَفضَلُ، فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيكَ مِن السَّاحِرِ فَاقتُل هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَي بُنَيَّ أَنتَ اليَومَ أَفضَلُ مِنِّي، قَد بَلَغَ مِن أَمرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبتَلَى، فَإِن ابتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ الغُلَامُ يُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِن سَائِرِ الأَدوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلمَلِكِ كَانَ قَد عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجمَعُ إِن أَنتَ شَفَيتَنِي، قَالَ: إِنِّي لَا أَشفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشفِي اللَّهُ، فَإِن آمَنتَ بِاللَّهِ دَعَوتُ
ــ
كله في معرض الثناء على الراهب والغلام على جهة الاستحسان لما صدر عنهما، فلو كان شيء مما صدر عنهما من أفعالهما محرما أو غير جائز في شرعه، لبينه لأمته، ولاستثناه من جملة ما صدر عنهما، ولم يفعل ذلك. فكل ما أخبر به عنهما حجَّة ومسوغ الفعل.
فإن قيل: كيف يجوز في شرعنا ما فعل الغلام من دلالته على الراهب للقتل، ومن إرشاده إلى كيفية قتل نفسه؟ فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن الغلام غير مكلف؛ لأنَّه لم يبلغ الحلم، ولو سلم أنه مكلف لكان العذر عن ذلك أنه لم يعلم أن الراهب يُقتل، فلا يلزم من دلالته عليه قتله. وعن معونته على قتل نفسه: أنه لما غلب على ظنه أنه مقتول ولا بد، أو علم بما جعل الله في قلبه، أرشدهم إلى طريق يظهر الله بها كرامته وصحة الدين الذي كانا عليه، ليُسلم الناس، وليدينوا دين الحق عند مشاهدة ذلك، كما كان. وقد أسلم عثمان رضي الله عنه نفسه عند علمه بأنه يقتل - ولا بد - بما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما بيناه.
اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ، فَأَتَى المَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيهِ كَمَا كَانَ يَجلِسُ فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَن رَدَّ عَلَيكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَخَذَهُ فَلَم يَزَل يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الغُلَامِ، فَجِيءَ بِالغُلَامِ فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: أَي بُنَيَّ قَد بَلَغَ مِن سِحرِكَ مَا تُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ وَتَفعَلُ وَتَفعَلُ؟ قَالَ: إِنِّي لَا أَشفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشفِي اللَّهُ، فَأَخَذَهُ فَلَم يَزَل يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ: ارجِع عَن دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَعَا بِالمِئشَارِ فَوَضَعَ المِئشَارَ فِي مَفرِقِ رَأسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ المَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارجِع عَن
ــ
وهذا الحديث كله إنما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ليصبروا على ما يلقون من الأذى والآلام والمشقات التي كانوا عليها؛ ليتأسوا بمثل هذا الغلام في صبره وتصلبه في الحق وتمسكه به، وبذله نفسه في حق إظهار دعوته، ودخول الناس في الدين مع صغر سنه وعظيم صبره، وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحق حتى نُشر بالمئشار، وكذلك كثير من الناس لما آمنوا بالله تعالى ورسخ الإيمان في قلوبهم، صبروا على الطرح في النار، ولم يرجعوا عن دينهم، وهذا كله فوق ما كان يُفعل بمن آمن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنَّه لم يكن فيهم من فُعل به شيء من ذلك؛ لكفاية الله تعالى لهم، ولأنه تعالى أراد إعزاز دينه وإظهار كلمته. على أني أقول: إن محمدا صلى الله عليه وسلم أقوى الأنبياء في الله، وأصحابه أقوى أصحاب الأنبياء في الله تعالى، فقد امتُحن كثير منهم بالقتل وبالصلب وبالتعذيب الشديد، ولم يلتفت إلى شيء من ذلك، وتكفيك قصة عاصم وخبيب وأصحابهما، وما لقي أصحابه من الحروب، والمحن، والأسر، والحرق، وغير ذلك، فلقد بذلوا في الله نفوسهم وأموالهم، وفارقوا ديارهم وأولادهم، حتى أظهروا دين الله، ووفوا بما عاهدوا عليه الله، فجازاهم الله أفضل الجزاء، ووفاهم من أجر من دخل في الإسلام بسببهم أفضل الإجزاء.
دِينِكَ، فَأَبَى، فَوَضَعَ المِئشَارَ فِي مَفرِقِ رَأسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ: ارجِع عَن دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِن أَصحَابِهِ فَقَالَ: اذهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصعَدُوا بِهِ الجَبَلَ فَإِذَا بَلَغتُم بِهِ ذُروَتَهُ، فَإِن رَجَعَ عَن دِينِهِ وَإِلَّا فَاطرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الجَبَلَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكفِنِيهِم بِمَا شِئتَ، فَرَجَفَ بِهِم الجَبَلُ، فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمشِي إِلَى المَلِكِ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِن أَصحَابِهِ فَقَالَ: اذهَبُوا بِهِ فَاحمِلُوهُ على قُرقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ البَحرَ، فَإِن رَجَعَ عَن دِينِهِ وَإِلَّا فَاطرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكفِنِيهِم بِمَا شِئتَ، فَانكَفَأَت بِهِم السَّفِينَةُ، فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمشِي إِلَى المَلِكِ، فَقَالَ المَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَقَالَ لِلمَلِكِ: إِنَّكَ لَستَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ:
ــ
وقد تقدَّم أن المئشار يقال بالنون وبالياء المهموزة، وهي الأفصح، وقد تُسهل همزتها. والدابة العظيمة، كانت أسدا، كما جاء في حديث آخر. والقُرقُور - بضم القافين - هو السفينة الكبيرة. قاله الهروي، وقد أُنكر هذا عليه. وقيل: إن السفن الكبار لا تستعمل في مثله.
قلت: وهذا إنكار ينبغي أن يُنكر، فلعل هذا الملك قصد إلى أعظم السفن حتى يتوسط البحر بهذا الغلام ليلقوه في أبعده عنه، أو لعله جعل معه في السفينة من يملؤها أو ما يملؤها، والمرجع فيه إلى أهل اللغة. وقد قال ابن دريد في الجمهرة: القرقور: ضرب من السفن، عربي معروف، والمعروف عند الناس فيه استعماله فيما صغر منها، وخف للتصرف فيه.
و(قوله: فرجف بهم الجبل) أي: تحرك، وتزلزل بهم. وخد الأخدود؛ أي: حفر في الأرض شقا مستطيلا عظيما، ويجمع: أخاديد.
تَجمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصلُبُنِي عَلَى جِذعٍ، ثُمَّ خُذ سَهمًا مِن كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَع السَّهمَ فِي كَبِدِ القَوسِ، ثُمَّ قُل: بِاسمِ اللَّهِ رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ ارمِنِي؛ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلتَ ذَلِكَ قَتَلتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهمًا مِن كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهمَ فِي كَبدِ القَوسِ ثُمَّ قَالَ: بِاسمِ اللَّهِ رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهمُ فِي صُدغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدغِهِ فِي مَوضِعِ السَّهمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الغُلَامِ، ، فَأُتِيَ المَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيتَ مَا كُنتَ تَحذَرُ؟ قَد وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَد آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالأُخدُودِ بِأَفوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّت وَأَضرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ: مَن لَم يَرجِع عَن دِينِهِ فَأَحمُوهُ فِيهَا، أَو قِيلَ لَهُ: اقتَحِم. فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَت امرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَتَقَاعَسَت أَن تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الغُلَامُ: يَا أُمَّه اصبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الحَقِّ.
رواه أحمد (6/ 17)، ومسلم (3005)، والترمذي (3340)، والنسائي في الكبرى (11661).
* * *
ــ
و(قوله: فأحموه فيها، أو قيل: اقتحم) هذا شك من بعض الرواة، فأحموه فيها، معناه: ألقوه فيها وأدخلوه إياها. يقال: أحميت الحديد والشيء في النار: إذا أدخلته فيها. قال القاضي أبو الفضل: واقتحم: ادخل على كُره ومشقة.
و(قوله: فتقاعست) أي: تأخرت وامتنعت، وقد أظهر الله لهذا الملك الجبار الظالم من الآيات والبينات ما يدلّ على القطع والثبات أن الراهب والغلام على الدين الحق، والمنهج الصدق، لكن من حُرم التوفيق استدبر الطريق. وفي هذا الحديث إثبات كرامات الأولياء، وقد تقدَّم القول فيها.