المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(34) ومن سورة الأخدود - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٧

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(12) باب إقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة

- ‌(37) كتاب الأذكار والدعوات

- ‌(1) باب الترغيب في ذكر الله تعالى

- ‌(2) باب فضل مجالس الذكر والاستغفار

- ‌(3) باب فضل إحصاء أسماء الله تعالى

- ‌(4) باب فضل قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له

- ‌(5) باب فضل التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌(6) باب يذكر الله تعالى بوقار وتعظيم وفضل لا حول ولا قوة إلا بالله

- ‌(7) باب تجديد الاستغفار والتوبة في اليوم مائة مرة

- ‌(8) باب ليحقق الداعي طلبته وليعزم في دعائه

- ‌(9) باب في أكثر ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(10) باب ما يدعى به وما يتعوذ منه

- ‌(11) باب ما يقول إذا نزل منزلا وإذا أمسى

- ‌(12) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع وما بعد ذلك

- ‌(13) باب مجموعة أدعية كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها

- ‌(14) باب: ما يقال عند الصباح وعند المساء

- ‌(15) باب كثرة ثواب الدعوات الجوامع وما جاء في أن الداعي يستحضر معاني دعواته في قلبه

- ‌(16) باب التسلي عند الفاقات بالأذكار وما يدعى به عند الكرب

- ‌(17) باب ما يقال عند صراخ الديكة ونهيق الحمير

- ‌(18) باب أحب الكلام إلى الله تعالى

- ‌(19) باب ما يقال عند الأكل والشرب والدعاء للمسلم بظهر الغيب

- ‌(20) باب يستجاب للعبد ما لم يعجل أو يدعو بإثم

- ‌(21) باب الدعاء بصالح ما عمل من الأعمال

- ‌(22) باب فضل الدوام على الذكر

- ‌(38) كتاب الرقاق

- ‌(1) باب وجوب التوبة وفضلها

- ‌(2) باب ما يخاف من عقاب الله على المعاصي

- ‌(3) باب في رجاء مغفرة الله تعالى وسعة رحمته

- ‌(4) باب من عاد إلى الذنب فليعد إلى الاستغفار

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ}

- ‌(6) باب لا ييأس من قبول التوبة ولو قتل مائة نفس

- ‌(7) باب يهجر من ظهرت معصيته حتى تتحقق توبته وقبول الله تعالى للتوبة الصادقة وكيف تكون أحوال التائب

- ‌(8) باب تقبل التوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها

- ‌(39) كتاب الزهد

- ‌(1) باب هوان الدنيا على الله تعالى وأنها سجن المؤمن

- ‌(2) باب ما للعبد من ماله وما الذي يبقى عليه في قبره

- ‌(3) باب ما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس

- ‌(4) باب لا تنظر إلى من فضل الله عليك في الدنيا وانظر إلى من فضلت عليه

- ‌(5) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها

- ‌(6) باب الخمول في الدنيا والتقلل منها

- ‌(7) باب التزهيد في الدنيا والاجتزاء في الملبس والمطعم باليسير الخشن

- ‌(8) باب ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل الإصبع في اليم وما جاء أن المؤمن فيه كخامة الزرع

- ‌(9) باب شدة عيش النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا

- ‌(10) باب سبق فقراء المهاجرين إلى الجنة، ومن الفقير السابق

- ‌(11) باب كرامة من قنع بالكفاف وتصدق بالفضل

- ‌(12) باب الاجتهاد في العبادة والدوام على ذلك، ولن ينجي أحدا منكم عمله

- ‌(13) باب في التواضع

- ‌(40) كتاب ذكر الموت وما بعده

- ‌(1) باب الأمر بحسن الظن بالله عند الموت وما جاء: أن كل عبد يبعث على ما مات عليه

- ‌(2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده وما جاء في عذاب القبر

- ‌(3) باب سؤال الملكين للعبد حين يوضع في القبر وقوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ}

- ‌(4) باب في أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليسمع ما يقال

- ‌(6) باب في الحشر وكيفيته

- ‌(7) باب دنو الشمس من الخلائق في المحشر وكونهم في العرق على قدر أعمالهم

- ‌(8) باب في المحاسبة ومن نوقش هلك

- ‌(9) باب حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وصفة أهل الجنة وصفة أهل النار

- ‌(10) باب في صفة الجنة وما أعد الله فيها

- ‌(11) باب في غرف الجنة وتربتها وأسواقها

- ‌(12) باب في الجنة أكل وشرب ونكاح حقيقة ولا قذر فيها ولا نقص

- ‌(13) باب في حسن صورة أهل الجنة وطولهم وشبابهم وثيابهم وأن كل ما في الجنة دائم لا يفنى

- ‌(14) باب في خيام الجنة وما في الدنيا من أنهار الجنة

- ‌(15) باب في صفة جهنم وحرها وأهوالها وبعد قعرها، أعاذنا الله منها

- ‌(16) باب تعظيم جسد الكافر وتوزيع العذاب بحسب أعمال الأعضاء

- ‌(17) باب ذبح الموت وخلود أهل الجنة وأهل النار

- ‌(18) باب محاجة الجنة والنار

- ‌(19) باب شهادة أركان الكافر عليه يوم القيامة وكيف يحشر

- ‌(20) باب أكثر أهل الجنة وأكثر أهل النار

- ‌(21) باب لكل مسلم فداء من النار من الكفار

- ‌(22) باب آخر من يخرج من النار وآخر من يدخل الجنة وما لأدنى أهل الجنة منزلة وما لأعلاهم

- ‌(41) كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌(1) باب إقبال الفتن ونزولها كمواقع القطر ومن أين تجيء

- ‌(2) باب الفرار من الفتن وكسر السلاح فيها وما جاء: أن القاتل والمقتول في النار

- ‌(3) باب لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، وحتى يكثر الهرج وجعل بأس هذه الأمة بينها

- ‌(4) باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما يكون إلى قيام الساعة

- ‌(5) باب في الفتنة التي تموج موج البحر وفي ثلاث فتن لا يكدن يذرن شيئا

- ‌(6) باب ما فتح من ردم يأجوج ومأجوج، ويغزو البيت جيش فيخسف به

- ‌(7) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وحتى يمنع أهل العراق ومصر والشام ما عليهم

- ‌(8) باب لا تقوم الساعة حتى تفتح قسطنطينية، وتكون ملحمة عظيمة، ويخرج الدجال ويقتله عيسى ابن مريم

- ‌(9) باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس وما يفتح للمسلمين مع ذلك

- ‌(10) باب الآيات العشر التي تكون قبل الساعة وبيان أولها

- ‌(11) باب: أمور تكون بين يدي الساعة

- ‌(12) باب الخليفة الكائن في آخر الزمان وفيمن يهلك أمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقتل عمارا الفئة الباغية وإخماد الفتنة الباغية ولتفنى كنوز كسرى في سبيل الله

- ‌(13) باب ما ذكر من أن ابن صياد: الدجال

- ‌(14) باب في صفة الدجال وما يجيء معه من الفتن

- ‌(15) باب: في هوان الدجال على الله تعالى وأنه لا يدخل مكة والمدينة ومن يتبعه من اليهود

- ‌(16) باب حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

- ‌(17) باب كيف يكون انقراض هذا الخلق وتقريب الساعة وكم بين النفختين

- ‌(18) باب المبادرة بالعمل الصالح والفتن وفضل العبادة في الهرج

- ‌(19) باب إغراء الشيطان بالفتن

- ‌(20) باب في قوله عليه الصلاة والسلام: لتتبعن سنن الذين من قبلكم، وهلك المتنطعون آخر الفتن

- ‌(42) كتاب التفسير

- ‌(1) باب من فاتحة الكتاب

- ‌(2) ومن سورة البقرة

- ‌(3) ومن سورة آل عمران

- ‌(4) ومن سورة النساء

- ‌(5) ومن سورة العقود

- ‌(6) ومن سورة الأنعام

- ‌(7) ومن سورة الأعراف

- ‌(8) ومن سورة الأنفال وبراءة

- ‌(9) ومن سورة إبراهيم

- ‌(10) ومن سورة الحجر

- ‌(11) ومن سورة الإسراء

- ‌(12) ومن سورة الكهف

- ‌(13) ومن سورة مريم

- ‌(14) ومن سورة الأنبياء

- ‌(15) ومن سورة الحج

- ‌(16) ومن سورة النور

- ‌(17) ومن سورة الفرقان

- ‌(18) ومن سورة الشعراء

- ‌(19) ومن سورة: الم السجدة

- ‌(20) ومن سورة الأحزاب

- ‌(21) ومن سورة تنزيل

- ‌(22) ومن سورة حم السجدة

- ‌(23) ومن سورة الدخان

- ‌(24) ومن سورة الحجرات

- ‌(25) ومن سورة ق

- ‌(26) ومن سورة القمر

- ‌(27) ومن سورة الحديد والحشر

- ‌(28) ومن سورة المنافقين

- ‌(29) باب: من أخبار المنافقين

- ‌(30) ومن سورة التحريم

- ‌(31) ومن سورة الجن

- ‌(32) ومن سورة المدثر

- ‌(33) ومن سورة القيامة

- ‌(34) ومن سورة الأخدود

- ‌(35) ومن سورة الشمس وضحاها

- ‌(36) ومن سورة الليل

- ‌(37) ومن سورة الضحى

- ‌(38) ومن سورة اقرأ باسم ربك

- ‌(39) ومن سورة النصر

الفصل: ‌(34) ومن سورة الأخدود

إِنَّ عَلَينَا أَن نَجمَعَهُ فِي صَدرِكَ وَقُرآنَهُ فَتَقرَؤُهُ، {فَإِذَا قَرَأنَاهُ فَاتَّبِع قُرآنَهُ} قَالَ: أَنزَلنَا فَاستَمِع لَهُ {إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ} أَن نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبرِيلُ أَطرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ.

رواه البخاريُّ (4928)، ومسلم (448)(147)، والترمذي (3326)، والنسائي (2/ 149).

* * *

(34) ومن سورة الأخدود

[2927]

عَن صُهَيبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ مَلِكٌ فِيمَن كَانَ قَبلَكُم، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلمَلِكِ: إِنِّي قَد كَبِرتُ فَابعَث إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمهُ السِّحرَ، فَبَعَثَ إِلَيهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ - إِذَا سَلَكَ - رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ فَأَعجَبَهُ، فَكَانَ إِذَا أَتى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُل: حَبَسَنِي أَهلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهلَكَ فَقُل:

ــ

والرُّجز: الأوثان، سماها بذلك لاستحقاق عابديها الرِّجز، وهو العذاب. كقوله:{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيهِمُ الرِّجزُ} واهجر: اترك. ولربك فاصبر: أي على ما تلقاه من الأذى والتكذيب عند الإنذار.

(33 (1) و 34) ومن سورة الأخدود

(قول الراهب للغلام: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي) دليل على إجازة الكذب لمصلحة الدين، ووجه التمسك بهذا أن نبينا صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث

(1) لم يتعرض المؤلف رحمه الله لشرح ما أشكل في عنوانه: ومن سورة القيامة.

ص: 424

حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَينَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَد حَبَسَت النَّاسَ، فَقَالَ: اليَومَ أَعلَمُ آلسَّاحِرُ أَفضَلُ أَم الرَّاهِبُ أَفضَلُ، فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيكَ مِن السَّاحِرِ فَاقتُل هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَي بُنَيَّ أَنتَ اليَومَ أَفضَلُ مِنِّي، قَد بَلَغَ مِن أَمرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبتَلَى، فَإِن ابتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ الغُلَامُ يُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِن سَائِرِ الأَدوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلمَلِكِ كَانَ قَد عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجمَعُ إِن أَنتَ شَفَيتَنِي، قَالَ: إِنِّي لَا أَشفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشفِي اللَّهُ، فَإِن آمَنتَ بِاللَّهِ دَعَوتُ

ــ

كله في معرض الثناء على الراهب والغلام على جهة الاستحسان لما صدر عنهما، فلو كان شيء مما صدر عنهما من أفعالهما محرما أو غير جائز في شرعه، لبينه لأمته، ولاستثناه من جملة ما صدر عنهما، ولم يفعل ذلك. فكل ما أخبر به عنهما حجَّة ومسوغ الفعل.

فإن قيل: كيف يجوز في شرعنا ما فعل الغلام من دلالته على الراهب للقتل، ومن إرشاده إلى كيفية قتل نفسه؟ فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن الغلام غير مكلف؛ لأنَّه لم يبلغ الحلم، ولو سلم أنه مكلف لكان العذر عن ذلك أنه لم يعلم أن الراهب يُقتل، فلا يلزم من دلالته عليه قتله. وعن معونته على قتل نفسه: أنه لما غلب على ظنه أنه مقتول ولا بد، أو علم بما جعل الله في قلبه، أرشدهم إلى طريق يظهر الله بها كرامته وصحة الدين الذي كانا عليه، ليُسلم الناس، وليدينوا دين الحق عند مشاهدة ذلك، كما كان. وقد أسلم عثمان رضي الله عنه نفسه عند علمه بأنه يقتل - ولا بد - بما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما بيناه.

ص: 425

اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ، فَأَتَى المَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيهِ كَمَا كَانَ يَجلِسُ فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَن رَدَّ عَلَيكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَخَذَهُ فَلَم يَزَل يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الغُلَامِ، فَجِيءَ بِالغُلَامِ فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: أَي بُنَيَّ قَد بَلَغَ مِن سِحرِكَ مَا تُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ وَتَفعَلُ وَتَفعَلُ؟ قَالَ: إِنِّي لَا أَشفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشفِي اللَّهُ، فَأَخَذَهُ فَلَم يَزَل يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ: ارجِع عَن دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَعَا بِالمِئشَارِ فَوَضَعَ المِئشَارَ فِي مَفرِقِ رَأسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ المَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارجِع عَن

ــ

وهذا الحديث كله إنما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ليصبروا على ما يلقون من الأذى والآلام والمشقات التي كانوا عليها؛ ليتأسوا بمثل هذا الغلام في صبره وتصلبه في الحق وتمسكه به، وبذله نفسه في حق إظهار دعوته، ودخول الناس في الدين مع صغر سنه وعظيم صبره، وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحق حتى نُشر بالمئشار، وكذلك كثير من الناس لما آمنوا بالله تعالى ورسخ الإيمان في قلوبهم، صبروا على الطرح في النار، ولم يرجعوا عن دينهم، وهذا كله فوق ما كان يُفعل بمن آمن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنَّه لم يكن فيهم من فُعل به شيء من ذلك؛ لكفاية الله تعالى لهم، ولأنه تعالى أراد إعزاز دينه وإظهار كلمته. على أني أقول: إن محمدا صلى الله عليه وسلم أقوى الأنبياء في الله، وأصحابه أقوى أصحاب الأنبياء في الله تعالى، فقد امتُحن كثير منهم بالقتل وبالصلب وبالتعذيب الشديد، ولم يلتفت إلى شيء من ذلك، وتكفيك قصة عاصم وخبيب وأصحابهما، وما لقي أصحابه من الحروب، والمحن، والأسر، والحرق، وغير ذلك، فلقد بذلوا في الله نفوسهم وأموالهم، وفارقوا ديارهم وأولادهم، حتى أظهروا دين الله، ووفوا بما عاهدوا عليه الله، فجازاهم الله أفضل الجزاء، ووفاهم من أجر من دخل في الإسلام بسببهم أفضل الإجزاء.

ص: 426

دِينِكَ، فَأَبَى، فَوَضَعَ المِئشَارَ فِي مَفرِقِ رَأسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ: ارجِع عَن دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِن أَصحَابِهِ فَقَالَ: اذهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصعَدُوا بِهِ الجَبَلَ فَإِذَا بَلَغتُم بِهِ ذُروَتَهُ، فَإِن رَجَعَ عَن دِينِهِ وَإِلَّا فَاطرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الجَبَلَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكفِنِيهِم بِمَا شِئتَ، فَرَجَفَ بِهِم الجَبَلُ، فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمشِي إِلَى المَلِكِ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِن أَصحَابِهِ فَقَالَ: اذهَبُوا بِهِ فَاحمِلُوهُ على قُرقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ البَحرَ، فَإِن رَجَعَ عَن دِينِهِ وَإِلَّا فَاطرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكفِنِيهِم بِمَا شِئتَ، فَانكَفَأَت بِهِم السَّفِينَةُ، فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمشِي إِلَى المَلِكِ، فَقَالَ المَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَقَالَ لِلمَلِكِ: إِنَّكَ لَستَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ:

ــ

وقد تقدَّم أن المئشار يقال بالنون وبالياء المهموزة، وهي الأفصح، وقد تُسهل همزتها. والدابة العظيمة، كانت أسدا، كما جاء في حديث آخر. والقُرقُور - بضم القافين - هو السفينة الكبيرة. قاله الهروي، وقد أُنكر هذا عليه. وقيل: إن السفن الكبار لا تستعمل في مثله.

قلت: وهذا إنكار ينبغي أن يُنكر، فلعل هذا الملك قصد إلى أعظم السفن حتى يتوسط البحر بهذا الغلام ليلقوه في أبعده عنه، أو لعله جعل معه في السفينة من يملؤها أو ما يملؤها، والمرجع فيه إلى أهل اللغة. وقد قال ابن دريد في الجمهرة: القرقور: ضرب من السفن، عربي معروف، والمعروف عند الناس فيه استعماله فيما صغر منها، وخف للتصرف فيه.

و(قوله: فرجف بهم الجبل) أي: تحرك، وتزلزل بهم. وخد الأخدود؛ أي: حفر في الأرض شقا مستطيلا عظيما، ويجمع: أخاديد.

ص: 427

تَجمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصلُبُنِي عَلَى جِذعٍ، ثُمَّ خُذ سَهمًا مِن كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَع السَّهمَ فِي كَبِدِ القَوسِ، ثُمَّ قُل: بِاسمِ اللَّهِ رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ ارمِنِي؛ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلتَ ذَلِكَ قَتَلتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهمًا مِن كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهمَ فِي كَبدِ القَوسِ ثُمَّ قَالَ: بِاسمِ اللَّهِ رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهمُ فِي صُدغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدغِهِ فِي مَوضِعِ السَّهمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الغُلَامِ، ، فَأُتِيَ المَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيتَ مَا كُنتَ تَحذَرُ؟ قَد وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَد آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالأُخدُودِ بِأَفوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّت وَأَضرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ: مَن لَم يَرجِع عَن دِينِهِ فَأَحمُوهُ فِيهَا، أَو قِيلَ لَهُ: اقتَحِم. فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَت امرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَتَقَاعَسَت أَن تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الغُلَامُ: يَا أُمَّه اصبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الحَقِّ.

رواه أحمد (6/ 17)، ومسلم (3005)، والترمذي (3340)، والنسائي في الكبرى (11661).

* * *

ــ

و(قوله: فأحموه فيها، أو قيل: اقتحم) هذا شك من بعض الرواة، فأحموه فيها، معناه: ألقوه فيها وأدخلوه إياها. يقال: أحميت الحديد والشيء في النار: إذا أدخلته فيها. قال القاضي أبو الفضل: واقتحم: ادخل على كُره ومشقة.

و(قوله: فتقاعست) أي: تأخرت وامتنعت، وقد أظهر الله لهذا الملك الجبار الظالم من الآيات والبينات ما يدلّ على القطع والثبات أن الراهب والغلام على الدين الحق، والمنهج الصدق، لكن من حُرم التوفيق استدبر الطريق. وفي هذا الحديث إثبات كرامات الأولياء، وقد تقدَّم القول فيها.

ص: 428