الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(16) باب التسلي عند الفاقات بالأذكار وما يدعى به عند الكرب
[2656]
عن علي بن أبي طالب، أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها اشتَكَت مَا تَلقَى مِن الرَّحَى فِي يَدِهَا، وَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبيٌ، فَانطَلَقَت فَلَم تَجِدهُ وَلَقِيَت عَائِشَةَ فَأَخبَرَتهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخبَرَتهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ
ــ
منه صلى الله عليه وسلم، يدل على أن الذي ينبغي له أن يهتم بدعائه فيستحضر معاني دعواته في قلبه ويبالغ في ذكرها بلفظه بضرب من الأمثال، وتأكيد الأقوال، فإذا قال: اهدني الصراط المستقيم، وسددني سداد السهم الصائب، كان أبلغ وأهم من قوله: اهدني وسددني فقط، وهذا واضح.
(16)
ومن باب: التسلي عند الفاقات بالأذكار
(قوله: إن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها) يعني: من مشقة الطحن في الرحى. وفي غير كتاب مسلم: أنها جرّت بالرحى حتى مجلت يدها، وقمت البيت حتى اغبر شعرها، وخبزت حتى تغير وجهها. ففيه دليل على: أن المرأة وإن كانت شريفة، عليها أن تخدم بيت زوجها، وتقوم بعمله الخاص به. وبه قال بعض أهل العلم، وقيل: ليس عليها شيء من ذلك، سواء كانت شريفة أو دنيئة، حكاه ابن خوازمنداد عن بعض أصحابنا، ومشهور مذهب مالك الفرق بين الشريفة فلا يلزمها، وبين من ليس كذلك فيلزمها. ومحمل هذا الحديث على أن فاطمة تبرعت بذلك، ولا خلاف في استحباب ذلك لمن تبرع به؛ لأنَّه معونة للزوج، وهي مندوب إليها، وقد تقدَّم هذا في النكاح. وفيه ما يدلّ على ما كان عليه ذلك الصدر الصالح من شظف العيش وشدة الحال، وأن الله تعالى حماهم
فَاطِمَةَ إِلَيهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَينَا وَقَد أَخَذنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبنَا نَقُومُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: عَلَى مَكَانِكُمَا، فَقَعَدَ بَينَنَا حَتَّى وَجَدتُ بَردَ قَدَمِهِ عَلَى صَدرِي، وقَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيرًا مِمَّا سَأَلتُمَا؟ إِذَا أَخَذتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَن تُكَبِّرَا اللَّهَ أَربَعًا وَثَلَاثِينَ وَتُسَبِّحَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَحمَدَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَهوَ خَيرٌ لَكُمَا.
زاد في رواية: قال علي: ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم. قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.
رواه أحمد (1/ 136)، والبخاريُّ (3705)، ومسلم (2727).
ــ
الدنيا، مع أنه مكنهم منها، وهي سنة الله في الأنبياء والأولياء، كما قال صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل (1).
و(قوله: فجاء وقد أخذنا مضاجعنا) كان هذا المجيء بالليل؛ لأنَّه قد جاء في بعض طرقه أنه قال: طرقهما ليلا.
و(قوله: على مكانكما) أي: اثبتا على مكانكما والزماه. وقعود النبي صلى الله عليه وسلم بين ابنته وبين علي دليل على جواز مثل ذلك، وأنه لا يعاب على من فعله إذا لم يؤد ذلك إلى اطلاع على عورة، أو إلى شيء ممنوع شرعا.
و(قوله: ما ألفيتيه عندنا (2)) أي: ما وجدت الخادم عندنا، ثم إنه أحالهما على التسبيح والتهليل والتكبير؛ ليكون ذلك عوضا من الدعاء عند الكرب والحاجة، كما كانت عادته عند الكرب على ما يأتي في الحديث المذكور بعد هذا. ويمكن أن يكون من جهة أنه أحب لابنته ما يحب لنفسه، إذ كانت بضعة منه، من
(1) رواه أحمد (1/ 172)، والترمذي (2398)، وابن ماجه (4023).
(2)
هذه العبارة ليست في التلخيص، وإنما هي في صحيح مسلم برقم (2728)(81).
[2657]
وعن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم.
وفي رواية: (إذا حزبه أمر) مكان (عند الكرب).
رواه أحمد (1/ 228)، والبخاريُّ (6345)، ومسلم (2730).
* * *
ــ
إيثار الفقر، وتحمل شدته والصبر عليه، ترفيعا لمنازلهم وتعظيما لأجورهم، وبهذين المعنيين، أو أحدهما تكون تلك الأذكار خيرا لهما من خادم؛ أي من التصريح بسؤال خادم، والله تعالى أعلم.
و(قوله: كان صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم. . . الحديث) قال الطبري: كان السلف يدعون بهذا الدعاء، ويسمونه: دعاء الكرب، فإن قيل: كيف يسمى هذا دعاء وليس فيه من معنى الدعاء شيء، وإنَّما هو تعظيم لله تعالى، وثناء عليه؟ فالجواب: إن هذا يسمى دعاء لوجهين:
أحدهما: أنه يستفتح به الدعاء، ومِن بعده يدعو. وقد ورد في بعض طرقه: ثم يدعو.
وثانيهما: أن ابن عيينة قال - وقد سئل عن هذا -: أما علمت أن الله تعالى يقول: إذا شغل عبدي ثناؤه عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين؟ (1). وقد قال أمية بن أبي الصلت:
إذا أثنى عليك المرء يوما
…
كفاه من تعرضك (2) الثناء
(1) رواه الترمذي (2926).
(2)
في (ز): تعرضه.