الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) ومن سورة آل عمران
[2856]
عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ أَنَّ رِجَالًا مِن المُنَافِقِينَ فِي عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا إِذَا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الغَزوِ تَخَلَّفُوا عَنهُ وَفَرِحُوا بِمَقعَدِهِم خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اعتَذَرُوا لَهُ وَحَلَفُوا،
ــ
منه شيء، أو يلزم أحكام ذلك كله؟ اختلف فيه. والصحيح أن ذلك يختلف بحسب الوقائع، فقسم: لا يسقط بالخطأ والنسيان باتفاق، كالغرامات والديات والصلوات، وقسم يسقط باتفاق، كالقصاص والنطق بكلمة الكفر ونحو ذلك. وقسم ثالث يختلف فيه، وصوره لا تنحصر، ويُعرف تفصيل ذلك في الفروع.
والإصر: الثقل والمشقة الفادحة. وقول ابن عباس في هذا الحديث حكاية عن الله تعالى: قد فعلت. وقول أبي هريرة في حديثه الذي تقدم في كتاب الإيمان: قال: نعم دليل على أنهم كانوا ينقلون الحديث بالمعنى، وقد قررنا في الأصول: أن ذلك جائز من العالم بمواقع الألفاظ، وأن ذلك لا يجوز لمن بعد الصدر الأول لتغير اللغات، وتباين الكلمات. والمولى: الولي. والناصر: المعين على العدو. والكافر: الجاحد.
(3)
ومن سورة آل عمران
(قوله تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم)، تخلفوا: تأخروا. والمقعد: القعود. وحديث أبي سعيد هذا يدلّ على أن قوله تعالى: {لا تَحسَبَنَّ} الآية - نزلت في المنافقين، وحديث ابن عباس الذي بعده يدل على أنها نزلت في أهل الكتاب، ولا بعد في ذلك لإمكان نزولها على السببين لاجتماعهما في زمان واحد، فكانت جوابا للفريقين، والله تعالى أعلم.
والمفازة: الموضع الذي يُفاز فيه من المكروه.
وَأَحَبُّوا أَن يُحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا، فَنَزَلَت:{لا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ يَفرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَن يُحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا فَلا تَحسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِنَ العَذَابِ}
رواه البخاريُّ (4567)، ومسلم (2777).
[2857]
عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال: إنَّ مَروَانَ قَالَ: اذهَب يَا رَافِعُ - لِبَوَّابِهِ - إِلَى ابنِ عَبَّاسٍ فَقُل: لَئِن كَانَ كُلُّ امرِئٍ مِنَّا فَرِحَ بِمَا أَتَى وَأَحَبَّ أَن يُحمَدَ بِمَا لَم يَفعَل مُعَذَّبًا لَنُعَذَّبَنَّ أَجمَعُونَ! فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: مَا لَكُم وَلِهَذِهِ الآيَةِ؟ إِنَّمَا أُنزِلَت هَذِهِ الآيَةُ فِي أَهلِ الكِتَابِ - ثُمَّ تَلَا
ــ
و(قوله: {لا تَحسَبَنَّ})؛ أي: لا تظنن، أي: لتعلموا أنهم غير فائزين من عذاب الله لأنَّهم كتموا الحق وأحبوا أن يُحمدوا به؛ أي: يثنى عليهم بأنهم عليه. والذين فاعل لـ تحسبن، ومفعولاها محذوفان لدلالة تحسبنهم عليه، وهذا نحو قول الشاعر (1):
بأي كتاب أم بأية سنة
…
ترى حُبهم عارا علي وتحسب؟
اكتفى بذكر مفعولي الفعل الواحد عن ذكر مفعولي الثاني، وهذا أحسن ما قيل فيه.
و(قوله واستحمدوا بذلك عنده)؛ أي: طلبوا أن يحمدوا.
و(قول مروان لابن عباس رضي الله عنهما لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون) دليل على القول بأن للعموم صيغا مخصوصة، وأن الذين منها، وهذا مقطوع به من بعضهم، ذلك من القرآن والسنة.
(1) هو الكميت بن زيد الأسدي. انظر: خزانة الأدب (9/ 137).