المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(12) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع وما بعد ذلك - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٧

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(12) باب إقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة

- ‌(37) كتاب الأذكار والدعوات

- ‌(1) باب الترغيب في ذكر الله تعالى

- ‌(2) باب فضل مجالس الذكر والاستغفار

- ‌(3) باب فضل إحصاء أسماء الله تعالى

- ‌(4) باب فضل قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له

- ‌(5) باب فضل التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌(6) باب يذكر الله تعالى بوقار وتعظيم وفضل لا حول ولا قوة إلا بالله

- ‌(7) باب تجديد الاستغفار والتوبة في اليوم مائة مرة

- ‌(8) باب ليحقق الداعي طلبته وليعزم في دعائه

- ‌(9) باب في أكثر ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(10) باب ما يدعى به وما يتعوذ منه

- ‌(11) باب ما يقول إذا نزل منزلا وإذا أمسى

- ‌(12) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع وما بعد ذلك

- ‌(13) باب مجموعة أدعية كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها

- ‌(14) باب: ما يقال عند الصباح وعند المساء

- ‌(15) باب كثرة ثواب الدعوات الجوامع وما جاء في أن الداعي يستحضر معاني دعواته في قلبه

- ‌(16) باب التسلي عند الفاقات بالأذكار وما يدعى به عند الكرب

- ‌(17) باب ما يقال عند صراخ الديكة ونهيق الحمير

- ‌(18) باب أحب الكلام إلى الله تعالى

- ‌(19) باب ما يقال عند الأكل والشرب والدعاء للمسلم بظهر الغيب

- ‌(20) باب يستجاب للعبد ما لم يعجل أو يدعو بإثم

- ‌(21) باب الدعاء بصالح ما عمل من الأعمال

- ‌(22) باب فضل الدوام على الذكر

- ‌(38) كتاب الرقاق

- ‌(1) باب وجوب التوبة وفضلها

- ‌(2) باب ما يخاف من عقاب الله على المعاصي

- ‌(3) باب في رجاء مغفرة الله تعالى وسعة رحمته

- ‌(4) باب من عاد إلى الذنب فليعد إلى الاستغفار

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ}

- ‌(6) باب لا ييأس من قبول التوبة ولو قتل مائة نفس

- ‌(7) باب يهجر من ظهرت معصيته حتى تتحقق توبته وقبول الله تعالى للتوبة الصادقة وكيف تكون أحوال التائب

- ‌(8) باب تقبل التوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها

- ‌(39) كتاب الزهد

- ‌(1) باب هوان الدنيا على الله تعالى وأنها سجن المؤمن

- ‌(2) باب ما للعبد من ماله وما الذي يبقى عليه في قبره

- ‌(3) باب ما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس

- ‌(4) باب لا تنظر إلى من فضل الله عليك في الدنيا وانظر إلى من فضلت عليه

- ‌(5) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها

- ‌(6) باب الخمول في الدنيا والتقلل منها

- ‌(7) باب التزهيد في الدنيا والاجتزاء في الملبس والمطعم باليسير الخشن

- ‌(8) باب ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل الإصبع في اليم وما جاء أن المؤمن فيه كخامة الزرع

- ‌(9) باب شدة عيش النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا

- ‌(10) باب سبق فقراء المهاجرين إلى الجنة، ومن الفقير السابق

- ‌(11) باب كرامة من قنع بالكفاف وتصدق بالفضل

- ‌(12) باب الاجتهاد في العبادة والدوام على ذلك، ولن ينجي أحدا منكم عمله

- ‌(13) باب في التواضع

- ‌(40) كتاب ذكر الموت وما بعده

- ‌(1) باب الأمر بحسن الظن بالله عند الموت وما جاء: أن كل عبد يبعث على ما مات عليه

- ‌(2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده وما جاء في عذاب القبر

- ‌(3) باب سؤال الملكين للعبد حين يوضع في القبر وقوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ}

- ‌(4) باب في أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليسمع ما يقال

- ‌(6) باب في الحشر وكيفيته

- ‌(7) باب دنو الشمس من الخلائق في المحشر وكونهم في العرق على قدر أعمالهم

- ‌(8) باب في المحاسبة ومن نوقش هلك

- ‌(9) باب حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وصفة أهل الجنة وصفة أهل النار

- ‌(10) باب في صفة الجنة وما أعد الله فيها

- ‌(11) باب في غرف الجنة وتربتها وأسواقها

- ‌(12) باب في الجنة أكل وشرب ونكاح حقيقة ولا قذر فيها ولا نقص

- ‌(13) باب في حسن صورة أهل الجنة وطولهم وشبابهم وثيابهم وأن كل ما في الجنة دائم لا يفنى

- ‌(14) باب في خيام الجنة وما في الدنيا من أنهار الجنة

- ‌(15) باب في صفة جهنم وحرها وأهوالها وبعد قعرها، أعاذنا الله منها

- ‌(16) باب تعظيم جسد الكافر وتوزيع العذاب بحسب أعمال الأعضاء

- ‌(17) باب ذبح الموت وخلود أهل الجنة وأهل النار

- ‌(18) باب محاجة الجنة والنار

- ‌(19) باب شهادة أركان الكافر عليه يوم القيامة وكيف يحشر

- ‌(20) باب أكثر أهل الجنة وأكثر أهل النار

- ‌(21) باب لكل مسلم فداء من النار من الكفار

- ‌(22) باب آخر من يخرج من النار وآخر من يدخل الجنة وما لأدنى أهل الجنة منزلة وما لأعلاهم

- ‌(41) كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌(1) باب إقبال الفتن ونزولها كمواقع القطر ومن أين تجيء

- ‌(2) باب الفرار من الفتن وكسر السلاح فيها وما جاء: أن القاتل والمقتول في النار

- ‌(3) باب لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، وحتى يكثر الهرج وجعل بأس هذه الأمة بينها

- ‌(4) باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما يكون إلى قيام الساعة

- ‌(5) باب في الفتنة التي تموج موج البحر وفي ثلاث فتن لا يكدن يذرن شيئا

- ‌(6) باب ما فتح من ردم يأجوج ومأجوج، ويغزو البيت جيش فيخسف به

- ‌(7) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وحتى يمنع أهل العراق ومصر والشام ما عليهم

- ‌(8) باب لا تقوم الساعة حتى تفتح قسطنطينية، وتكون ملحمة عظيمة، ويخرج الدجال ويقتله عيسى ابن مريم

- ‌(9) باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس وما يفتح للمسلمين مع ذلك

- ‌(10) باب الآيات العشر التي تكون قبل الساعة وبيان أولها

- ‌(11) باب: أمور تكون بين يدي الساعة

- ‌(12) باب الخليفة الكائن في آخر الزمان وفيمن يهلك أمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقتل عمارا الفئة الباغية وإخماد الفتنة الباغية ولتفنى كنوز كسرى في سبيل الله

- ‌(13) باب ما ذكر من أن ابن صياد: الدجال

- ‌(14) باب في صفة الدجال وما يجيء معه من الفتن

- ‌(15) باب: في هوان الدجال على الله تعالى وأنه لا يدخل مكة والمدينة ومن يتبعه من اليهود

- ‌(16) باب حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

- ‌(17) باب كيف يكون انقراض هذا الخلق وتقريب الساعة وكم بين النفختين

- ‌(18) باب المبادرة بالعمل الصالح والفتن وفضل العبادة في الهرج

- ‌(19) باب إغراء الشيطان بالفتن

- ‌(20) باب في قوله عليه الصلاة والسلام: لتتبعن سنن الذين من قبلكم، وهلك المتنطعون آخر الفتن

- ‌(42) كتاب التفسير

- ‌(1) باب من فاتحة الكتاب

- ‌(2) ومن سورة البقرة

- ‌(3) ومن سورة آل عمران

- ‌(4) ومن سورة النساء

- ‌(5) ومن سورة العقود

- ‌(6) ومن سورة الأنعام

- ‌(7) ومن سورة الأعراف

- ‌(8) ومن سورة الأنفال وبراءة

- ‌(9) ومن سورة إبراهيم

- ‌(10) ومن سورة الحجر

- ‌(11) ومن سورة الإسراء

- ‌(12) ومن سورة الكهف

- ‌(13) ومن سورة مريم

- ‌(14) ومن سورة الأنبياء

- ‌(15) ومن سورة الحج

- ‌(16) ومن سورة النور

- ‌(17) ومن سورة الفرقان

- ‌(18) ومن سورة الشعراء

- ‌(19) ومن سورة: الم السجدة

- ‌(20) ومن سورة الأحزاب

- ‌(21) ومن سورة تنزيل

- ‌(22) ومن سورة حم السجدة

- ‌(23) ومن سورة الدخان

- ‌(24) ومن سورة الحجرات

- ‌(25) ومن سورة ق

- ‌(26) ومن سورة القمر

- ‌(27) ومن سورة الحديد والحشر

- ‌(28) ومن سورة المنافقين

- ‌(29) باب: من أخبار المنافقين

- ‌(30) ومن سورة التحريم

- ‌(31) ومن سورة الجن

- ‌(32) ومن سورة المدثر

- ‌(33) ومن سورة القيامة

- ‌(34) ومن سورة الأخدود

- ‌(35) ومن سورة الشمس وضحاها

- ‌(36) ومن سورة الليل

- ‌(37) ومن سورة الضحى

- ‌(38) ومن سورة اقرأ باسم ربك

- ‌(39) ومن سورة النصر

الفصل: ‌(12) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع وما بعد ذلك

[2636]

وعن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة؟ قال: أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لم تضرك.

رواه أحمد (2/ 375)، ومسلم (2709).

* * *

(12) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع وما بعد ذلك

[2637]

عن البراء بن عازب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم

ــ

للرجل الملدوغ: أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. لم تضرك.

[(12) ومن باب: ما يقول عند النوم وأخذ المضجع وما بعد ذلك (1)]

(قوله: إذا أخذت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن) هذا الأمر على جهة الندب؛ لأنَّ النوم وفاة، وربما يكون موتا، كما قال تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوتِهَا وَالَّتِي لَم تَمُت فِي مَنَامِهَا فَيُمسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيهَا المَوتَ وَيُرسِلُ الأُخرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ولما كان الموت

(1) هذا العنوان لم يرد في نسخ المفهم، واستدركناه من التلخيص.

ص: 37

قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت

ــ

كذلك ندب النبي صلى الله عليه وسلم النائم إلى أن يستعد للموت بالطهارة، والاضطجاع على اليمين، على الهيئة التي يوضع عليها في قبره. وقيل: الحكمة في الاضطجاع على اليمين، أن يتعلق القلب إلى الجانب الأيمن، فلا يثقل النوم، وفيه دليل على: أن النوم على طهارة كاملة أفضل، ويتأكد الأمر في حق الجنب، غير أن الشرع قد جعل وضوء الجنب عند النوم بدلا من غسله تخفيفا عنه، وإلا فذلك الأصل يقتضي: ألا ينام حتى يغتسل. وقد تقدَّم القول في الأمر في حق الجنب عند النوم والطهارة.

و(قوله: قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك، وفي رواية: نفسي بدل: وجهي) وكلاهما بمعنى: الذات والشخص. فكأنه قال: أسلمت ذاتي وشخصي. وقد قيل: إن معنى الوجه: القصد، والعمل الصالح، ولذلك جاء في رواية: أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك فجمع بينهما، فدل ذلك على أنهما أمران متغايران كما قلناه. ومعنى أسلمت: سلمت، واستسلمت، أي: سلمتها لك؛ إذ لا قدرة لي على تدبيرها، ولا على جلب ما ينفعها، ولا على دفع ما يضرها، بل: أمرها إليك مسلم تفعل فيها ما تريد، واستسلمت لما تفعل فيها، فلا اعتراض على ما تفعل، ولا معارضة.

و(قوله: وفوضت أمري إليك) أي: توكلت عليك في أمري كله؛ لتكفيني همه، وتتولى إصلاحه.

و(قوله: وألجأت ظهري إليك) أي: أسندته إليك لتقويه وتعينه على ما ينفعني؛ لأنَّ من استند إلى شيء تقوى به، واستعان.

و(قوله: رغبة ورهبة إليك) أي: طمعا في رفدك وثوابك، وخوفا منك ومن أليم عقابك.

ص: 38

بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، واجعلهن من آخر كلامك، فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة.

وفي رواية: وإن أصبحت أصبت خيرا.

قال: فرددتهن لأستذكرهن، فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت، قال: قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت.

رواه أحمد (4/ 290)، والبخاريّ (6311)، ومسلم (2710)(56 و 58)، وأبو داود (5047).

ــ

و(قوله: فإن مت مت على الفطرة) أي: على دين الإسلام، كما قال في الحديث الآخر: من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة (1).

قلت: هكذا قال الشيوخ في هذا الحديث، وفيه نظر؛ لأنَّه: إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرناها من التوحيد والتسليم، والرضا إلى أن يموت على الفطرة، كما يموت من قال: لا إله إلا الله، ولم يخطر له شيء من تلك الأمور، فأين فائدة تلك الكلمات العظيمة، وتلك المقامات الشريفة؟ فالجواب: أن كلا منهما - وإن مات على فطرة الإسلام - فبين الفطرتين ما بين الحالتين، ففطرة الطائفة الأولى: فطرة المقربين والصديقين، وفطرة الثانية: فطرة أصحاب اليمين.

و(قوله: وإن أصبحت أصبت خيرا) أي: صلاحا في ذلك وزيادة في أجرك وأعمالك.

و(قوله: قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت) هذا حجَّة لمن لم يجز نقل الحديث بالمعنى، وهو الصحيح من مذهب مالك، وقد ذكرنا الخلاف فيه، ولا

(1) رواه أحمد (5/ 233، 247)، وأبو داود (3116).

ص: 39

[2638]

وعنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه قال: اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت، وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا

ــ

شك في أن لفظ النبوة من النبأ، وهو الخبر، فالنبي في العرف: هو المنبأ من جهة الله تعالى لأمر يقتضي تكليفا، فإن أمر بتبليغه إلى غيره فهو رسول، وإلا فهو نبي غير رسول. وعلى هذا فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا؛ لأنَّ الرسول والنبي قد اشتركا في أمر عام وهو النبأ، وافترقا في أمر خاص (1) وهو الرسالة، فإذا قلت: محمد رسول الله، تضمن ذلك أنه نبي رسول، فلما اجتمعا في النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يجمع بينهما في اللفظ حتى يفهم من كل واحد منهما من حيث النطق ما وضع له، وأيضًا فليخرج عما يشبه تكرار اللفظ من غير فائدة؛ لأنَّه إذا قال: ورسولك، فقد فهم منه أنه أرسله، فإذا قال: الذي أرسلت، صار كالحشو الذي لا فائدة له، بخلاف: نبيك الذي أرسلت، فإنَّهما لا تكرار فيهما، لا محققا ولا متوهما. والله تعالى أعلم.

و(قوله: اللهم باسمك أحيا، وباسمك أموت) أي: بك يكون ذلك، فالاسم هنا: هو المسمى، كقوله تعالى:{سَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الأَعلَى} أي: سبح ربك. هذا قول الشارحين.

قلت: وقد استفدت فيه من بعض مشايخنا معنى آخر وهو: أنه يحتمل أنه يعني باسمك المحيي المميت من أسمائه تعالى، ومعنى ذلك: أن الله تعالى إنما سمى نفسه بأسمائه الحسنى؛ لأنَّ معانيها ثابتة في حقه وواجبة له، فكل ما ظهر في الوجود من الآثار إنما هي صادرة عن تلك المقتضيات، فكل إحياء في الدنيا والآخرة: إنما هو صادر عن قدرته على الإحياء، وكذلك القول في الإماتة، وفي الرحمة والملك، وغير ذلك من المعاني التي تدل عليها أسماؤه، فكأنه قال:

(1) زيادة من (ز).

ص: 40

بعدما أماتنا وإليه النشور.

رواه أحمد (4/ 302)، ومسلم (2711).

[2639]

وعن عبد الله بن الحارث يحدث عن عبد الله بن عمر: أنه أمر رجلا إذا أخذ مضجعه قال: اللهم خلقت نفسي وأنت توفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتها فاغفر لها، اللهم أسألك العافية. فقال له رجل: سمعت هذا من عمر؟ قال: من خير من عمر، من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواه مسلم (2712).

[2640]

وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول: اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة

ــ

باسمك المحيي أحيا، وباسمك المميت أموت، وكذلك القول في سائر الأسماء الدالة على المعاني. وبسط ذلك يستدعي تطويلا، وفيما ذكرناه تنبيه يكتفي به النبيه.

و(قوله: وإليك النشور) أي: المرجع بعد الإحياء. يقال: نشر الله الموتى فنشروا، أي: أحياهم فحيوا، وخرجوا من قبورهم منتشرين، أي: جماعات في تفرقة، كما قال تعالى:{كَأَنَّهُم جَرَادٌ مُنتَشِرٌ}

و(قوله: لك مماتها ومحياها) أي: موتها وحياتها، أي: ذلك لك وحدك لا لغيرك.

و(قول الرجل لابن عمر: سمعت من ابن عمر؟ فقال: من خير من ابن عمر) هكذا رواه السمرقندي بزيادة ابن في الموضعين، وهو وهم؛ لأنَّ القائل: سمعت من خير من عمر، هو ابن عمر لا عمر، وكذلك رواية الجماعة، وهو الصحيح.

و(قوله: {فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى}) أي: شاق الحبة، فيخرج منها سنبلة، والنواة: فيخرج منها نخلة. ومنه القسم المشهور عن علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، أي: شقها.

ص: 41

والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر.

رواه أحمد (2/ 381)، ومسلم (2713)(62)، وأبو داود (5051)، والترمذي (3400)، وابن ماجه (3883).

ــ

وأصل رب: اسم فاعل من رب الشيء يربه: إذا أصلحه وقام عليه، ثم إنه يقال على السيد والمالك.

و(قوله: أنت الأول فليس قبلك شيء. . . الحديث إلى آخره) تضمن هذا الدعاء من أسماء الله تعالى ما تضمنه قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ} وقد اختلفت عبارات العلماء في ذلك، وأرشق عباراتهم في ذلك قول من قال: الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، والظاهر بلا اقتراب، والباطن بلا احتجاب. وقيل: الأول بالإبداء، والآخر بالإفناء، والظاهر بالآيات، والباطن عن الإدراكات. وقيل: الأول: القديم، والآخر: الباقي، والظاهر: الغالب، والباطن: الخفي اللطيف، الرفيق بالخلق. وهذا القول يناسب الحديث، وهو بمعناه.

و(قوله: فليس فوقك شيء) أي: لا يقهرك شيء.

و(قوله: فليس دونك شيء) أي: لا شيء ألطف منك، ولا أرفق.

ص: 42

[2641]

وعنه؛ قال: أتت فاطمة النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال لها: قولي: اللهم رب السماوات السبع. . . بمثل ما تقدم.

وفي رواية: كان يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن، ثم يقول: اللهم. . . كما تقدم.

رواه مسلم (2713)(61 و 63).

[2642]

وعنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه، وليسم الله، فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه؛ فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن،

ــ

و(قوله: إذا أوى أحدكم إلى فراشه) أي: انضم. قال الأزهري: آوى وأوى بمعنى واحد، لازم ومتعد، وفي الصحاح عن أبي زيد: آويته أنا إيواء، وأويته: إذا أنزلته بك. فعلت وأفعلت بمعنى. فأما أويت له، بمعنى رثيت له، فبالقصر لا غير. قال ذو الرمة:

. . . . . . . . . . .

ولو أني استأويته ما أوى ليا (1)

و(قوله: فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه، وليسم الله، فإنَّه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه) داخلة الإزار: هي ما يلي الجسد من طرفي الإزار.

قلت: هذا الحديث يتضمن الإرشاد إلى مصلحتين: إحداهما معلومة ظاهرة وهي: أن الإنسان إذا قام عن فراشه لا يدري ما دب عليه بعده من الحيوانات ذوات السموم، فينبغي له إذا أراد أن ينام عليه أن يتفقده ويمسحه، لإمكان أن يكون فيه شيء يخفى من رطوبة أو غيرها، فهذه مصلحة ظاهرة، وأما

(1) هذا عجز بيت، وصدره:

على أمْرِ من لم يَشوِني ضَرُّ أمْره

ص: 43

وليقل: سبحانك ربي، لك وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين.

وفي رواية: ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، فإن أحييت نفسي فارحمها.

رواه البخاريُّ (6320)، ومسلم (2714)، وأبو داود (5050)، والترمذي (3401).

[2643]

وعن ثابت عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى

ــ

اختصاص هذا النفض بداخلة الإزار فمصلحة لم تظهر لنا، بل: إنما ظهرت تلك للنبي صلى الله عليه وسلم بنور النبوة، وإنَّما الذي علينا نحن الامتثال. ويقع لي: أن النبي صلى الله عليه وسلم علم فيه خاصية طبية تنفع من ضرر بعض الحيوانات، كما قد أمر بذلك في حق العائن كما تقدَّم. والله تعالى أعلم. ويدلّ على ذلك ما زاده الترمذي في هذا الحديث: فليأخذ صنفة إزاره، فلينفض بها فراشه ثلاثا (1). فحذا بها حذو تكرار الرقى.

و(قوله: لك وضعت جنبي، وبك أرفعه) كذا صح: لك وضعت، باللام، لا بالباء، وبك أرفعه: روي بالباء وباللام، فالباء للاستعانة. أي: بك أستعين على وضع جنبي ورفعه. فاللام يحتمل أن يكون معناه: لك تقربت بذلك. فإنَّ نومه إنما كان ليستجم به لما عليه من الوظائف، ولأنه كان يوحى إليه في نومه، ولأنه كان يقتدى به، فصار نومه عبادة، وأما يقظته فلا تخفى أنها كانت كلها عبادة، ويحتمل أن يكون معناه: لك وضعت جنبي لتحفظه، ولك رفعته لترحمه.

(1) رواه الترمذي (3401) وهي نفس الرواية التى أشرنا إليها في التلخيص.

ص: 44