الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) باب لا تقوم الساعة حتى تفتح قسطنطينية، وتكون ملحمة عظيمة، ويخرج الدجال ويقتله عيسى ابن مريم
.
[2801]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنزِلَ الرُّومُ بِالأَعمَاقِ - أَو: بِدَابِقٍ - فَيَخرُجُ إِلَيهِم جَيشٌ مِن المَدِينَةِ مِن خِيَارِ أَهلِ الأَرضِ يَومَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَت الرُّومُ: خَلُّوا بَينَنَا وَبَينَ الَّذِينَ سَبَوا مِنَّا نُقَاتِلهُم، فَيَقُولُ المُسلِمُونَ: لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَينَكُم وَبَينَ إِخوَانِنَا،
ــ
و(قوله: تنزل الروم بالأعماق، أو بدابق) الأعماق: جمع عمق - بضم العين وفتحها -: وهي ما بعد من أطراف المفاوز. قال رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
ودابق: اسم بلد، والأغلب عليه التذكير والصرف؛ لأنَّه في الأصل نهر. قال الراجز:
بدابق وأين مني دابق
وقد يؤنث ولا يصرف، وهو بفتح الباء. وكذا وجدته مقيدا مصححا في كتاب الشيخ، ويقال بالكسر فيما أحسب.
و(قول الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا) الرواية الصحيحة بفتح السين والباء؛ أي: الذين أصابوا منا سبيا، وقد قيده بعضهم بضم السين والباء، وليس بشيء؛ لأنَّ قول المسلمين في جوابهم: لا والله ما نخلي بينكم وبين إخواننا. يعنون: أنهم منهم في الأنساب والدين، فلو أن الروم طلبوا من سُبي منهم لما قالوا لهم ذلك مطلقا. والله تعالى أعلم.
فَيُقَاتِلُونَهُم، فَيَنهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيهِم أَبَدًا، وَيُقتَلُ ثُلُثُهُم أَفضَلُ الشُّهَدَاءِ عِندَ اللَّهِ، وَيَفتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفتَنُونَ أَبَدًا، فَيَفتَتِحُونَ قُسطَنطِينِيَّةَ، فَبَينَمَا هُم يَقتَسِمُونَ الغَنَائِمَ قَد عَلَّقُوا سُيُوفَهُم بِالزَّيتُونِ إِذ صَاحَ فِيهِم الشَّيطَانُ: أنَّ المَسِيحَ قَد خَلَفَكُم فِي أَهلِيكُم، فَيَخرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا جَاؤوا الشَّأمَ خَرَجَ، فَبَينَمَا هُم يُعِدُّونَ لِلقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذ أُقِيمَت الصَّلَاةُ، فَيَنزِلُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ عليه السلام، فَآمَّهُم، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ المِلحُ فِي المَاءِ، فَلَو تَرَكَهُ لَانذَابَ حَتَّى يَهلِكَ، وَلَكِن يَقتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، فَيُرِيهِم دَمَهُ فِي حَربَتِهِ.
رواه مسلم (2897).
ــ
و(قوله: فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا؛ لأنَّهم فروا من الزحف، حيث لا يجوز لهم الفرار، فلا يتوب الله عليهم؛ أي: لا يلهمهم إياها، ولا يعينهم عليها، بل: يصرون على ذنبهم ذلك ولا يندمون عليه. ويجوز أن يكون معنى ذلك: أنه تعالى لا يقبل توبتهم وإن تابوا، ويكونون هؤلاء ممن شاء الله ألا تقبل توبتهم لعظيم جرمهم.
و(قوله: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم) كذا الرواية الجيدة مخففة اللام بغير ألف، أي: بشر. يقال: خلفك الرجل في أهلك بخير أو بشر، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: من خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا (1) وقد رواه بعضهم: خالفكم، والأول أجود، لأن خالف يتعدى بـ (إلى)، وخلف يتعدى بـ (في) ورد خالف إلى خلف يجوز. وقد تقدَّم القول في اسم المسيح في كتاب الإيمان، وسيأتي الكلام في الدجال.
(1) رواه البخاري (2843)، ومسلم (1895)، وأبو داود (2509)، والترمذي (1627).
[2802]
وعَن يُسَيرِ بنِ جَابِرٍ قَالَ: هَاجَت رِيحٌ حَمرَاءُ بِالكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيسَ لَهُ هِجِّيرَى إِلَّا: يَا عَبدَ اللَّهِ بنَ مَسعُودٍ، جَاءَت السَّاعَةُ، قَالَ: فَقَعَدَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقسَمَ مِيرَاثٌ وَلَا يُفرَحَ بِغَنِيمَةٍ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَنَحَّاهَا نَحوَ الشَّامِ، فَقَالَ: عَدُوٌّ يَجمَعُونَ لِأَهلِ الإِسلَامِ وَيَجمَعُ لَهُم أَهلُ الإِسلَامِ، قُلتُ: الرُّومَ تَعنِي؟ قَالَ: نَعَم، وَيَكُونُ عِندَ ذَاكُم القِتَالِ رَدَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَيَشتَرِطُ المُسلِمُونَ شُرطَةً لِلمَوتِ لَا تَرجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقتَتِلُونَ حَتَّى يَحجُزَ بَينَهُم اللَّيلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيرُ غَالِبٍ، وَتَفنَى الشُّرطَةُ، ثُمَّ يَشتَرِطُ المُسلِمُونَ شُرطَةً لِلمَوتِ لَا تَرجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، يَحجُزَ بَينَهُم اللَّيلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيرُ غَالِبٍ وَتَفنَى الشُّرطَةُ، ثُمَّ يَشتَرِطُ المُسلِمُونَ
ــ
و(قوله: هاجت ريح حمراء) أي: شديدة، احمرت بها السحاب ويبست لها الشجر، وانكشفت الأرض، فظهرت حمرتها.
و(قوله: فجاء رجل ليس له هجيرى إلا يا عبد الله جاءت الساعة) كذا رويته هجيرا على وزن فعيلا، وهو تقييد أبي الفتح الشاشي والتميمي، وقيدها العذري: هِجِّير على وزن خِمِّير.
قلت: وكلاهما لغة صحيحة. قال الجوهري: الهجير مثل الفسيق: الدأب والعادة، وكذلك الهجيرى والإهجيرى. يقال: ما زال ذلك هجيراه، وإهجيراه، وإجريَّاه؛ أي: دأبه وعادته. قال غيره: وهجيرى أفصحها.
والشرطة، بضم الشين، وهي هنا: أول طائفة من الجيش تقاتل. ومنه الشَّرَطان (1) لتقدمهما أول الربيع، وقيل: إنهم سموا بذلك لعلامات تميزوا بها، والأشراط: العلامات. وهذا هو الأعرف. ويحجز بينهم الليل، أي: يحول بينهم وبين القتال بسبب ظلمته، والحاجز: هو الفاصل بين شيئين. ويفيء هؤلاء؛ أي: يرجع. ونهد إليهم؛ أي: تقدَّم. ومنه سمي النهد؛ لأنَّه متقدم في الصدر.
(1) الشَّرَطان: نجمان.
شُرطَةً لِلمَوتِ لَا تَرجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقتَتِلُونَ حَتَّى يُمسُوا فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كُلٌّ غَيرُ غَالِبٍ وَتَفنَى الشُّرطَةُ، فَإِذَا كَانَ اليَومُ الرَّابِعِ نَهَدَ إِلَيهِم بَقِيَّةُ أَهلِ الإِسلَامِ، فَيَجعَلُ اللَّهُ الدَّبرَةَ عَلَيهِم فَيَقتُلُونَ مَقتَلَةً - إِمَّا قَالَ: لَم يُرَ مِثلُهَا، وَإِمَّا قَالَ: لَا يُرَى مِثلُهَا - حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِم فَمَا يُخَلِّفُهُم حَتَّى يَخِرَّ مَيتًا، فَيَتَعَادُّ بَنُو الأَبِ كَانُوا مِائَةً فَلَا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنهُم إِلَّا الرَّجُلُ الوَاحِدُ، فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفرَحُ؟ أَو أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ؟ فَبَينَمَا هُم كَذَلِكَ إِذ سَمِعُوا بِناسٍ هُم أَكثرُ مِن ذَلِكَ، فَجَاءَهُم الصَّرِيخُ: أنَّ الدَّجَّالَ قَد خَلَفَهُم فِي ذَرَارِيِّهِم،
ــ
و(قوله: فيجعل الله الدبرة عليهم) كذا لكافتهم بالباء بواحدة وسكونها، ورواه العذري: الدائرة، ومعناهما متقارب. قال الأزهري: الدائرة: الدولة تدور على الأعداء. والدبرة: النصر والظفر، يقال: لمن الدبرة؛ أي: الدولة. وعلى من الدبرة؟ أي: الهزيمة. قاله الهروي.
و(قوله: حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم، فما يخلفهم) كذا رواية الجماعة، وهي جمع جنبة، وهي الجانب، ووقع لبعضهم: بجثمانهم؛ أي: بأشخاصهم. والجثمان، والآل، والطلل، والشخص، كلها بمعنى، فأمَّا الجثة، فتقال على الجالس والنائم.
و(قوله: إذا سمعوا بناس هم أكثر) بنون وسين مهملة. كذا للعذري، وكذا قرأته، وعند غيره: ببأس بباء بواحدة، وأكبر بباء بواحدة أيضًا، وهو الحرب الشديد، والأمر الهائل. قال بعض المشايخ: وهو الصواب. وتصححه رواية أبي داود: إذ سمعوا بأمر أكبر من ذلك (1). . . ويسير بن جابر: يُروى
(1) لم نجده في سنن أبي داود، وفي تحفة الأشراف (7/ 318) لم يعزه إلا لمسلم.