الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(12) باب في الجنة أكل وشرب ونكاح حقيقة ولا قذر فيها ولا نقص
[2753]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إن أَوَّل زُمرَةٍ يدخلون الجَنَّةَ - في رواية: مِن أُمَّتِي - عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم عَلَى أَشَدِّ كوكب دري فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً (في رواية: ثُمَّ هُم بَعدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ) لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يتفلون وَلَا يَمتَخِطُونَ.
ــ
و(قوله: أول زمرة يدخلون الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر) الصورة بمعنى الصفة، يعني: أنهم في إشراق وجوههم على صفة القمر ليلة تمامه وكماله، وهي ليلة أربعة عشر، وبذلك سمي القمر بدرا في تلك الليلة، ومقتضى هذا أن أبواب الجنة متفاوتة بحسب درجاتهم.
و(قوله: لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون) إنما لم تصدر هذه الفضلات عن أهل الجنة؛ لأنَّها أقذار مستخبثة، والجنة منزهة عن مثل ذلك، ولما كانت أغذية (1) أهل الجنة في غاية اللطافة والاعتدال، لم يكن لها فضلة تستقذر، بل تستطاب وتستلذ، وهي التي عبر عنها بالمسك، كما قال: ورشحهم المسك. وقد جاء في لفظ آخر: لا يبولون ولا يتغوطون، وإنما هو عرق يجري من أعراضهم مثل المسك (2) يعني: من أبدانهم.
(1) في (ز): نهاية.
(2)
رواه أحمد (4/ 367)، والبيهقي في البعث والنشور ص (205) حاشية (5)، وذكره ابن القيم في: حادي الأرواح ص (268).
أَمشَاطُهُم الذَّهَبُ - في رواية: والفضة - وَرَشحُهُم المِسكُ وَمَجَامِرُهُم الأَلُوَّةُ، وأزواجهم الحور العين.
وفي رواية: لكل واحد منهم زوجتان،
ــ
و(قوله: أمشاطهم الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة) يقال هنا: أي حاجة في الجنة للأمشاط، ولا تتلبد شعورهم ولا تتسخ، وأي حاجة للبخور وريحهم أطيب من المسك؟ ويجاب عن ذلك: بأن نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم، فليس أكلهم عن جوع، ولا شرابهم عن ظمأ، ولا تطيبهم عن نتن، وإنما هي لذات متوالية، ونعم متتابعة، ألا ترى قوله تعالى لآدم:{إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعرَى * وَأَنَّكَ لا تَظمَأُ فِيهَا وَلا تَضحَى} وحكمة ذلك أن الله تعالى نعمهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا، وزادهم على ذلك ما لا يعلمه إلا الله كما قدمناه. وقد تقدَّم الكلام في الألوة وفي لغاتها، وأنها: العود الهندي، في كتاب الطب.
و(قوله: وأزواجهم الحور العين) الحور: جمع حوراء. والحَوَر في العين: شدة بياضها في شدة سوادها. هذا المعروف. قال أبو عمرو: الحَوَر أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر، [وليس في بني آدم حور، وإنما قيل للنساء: حور العين؛ لأنهن تشبهن بالظباء والبقر](1). قال الأصمعي: ما أدري ما الحور في العين. والعِين: جمع عيناء، وهي: الواسعة العين. وفي الصحاح: رجل أعين: واسع العين، والجمع: عين، وأصله فُعل، بالضم، ومنه قيل لبقر الوحش: عين، والثور أعين، والبقرة عيناء.
و(قوله: لكل واحد منهم زوجتان) يعني: أن أدنى من في الجنة درجة له زوجتان، إذ ليس في الجنة أعزب، كما قال. وأم غير هؤلاء فمن ارتفعت منزلته
(1) ما بين حاصرتين مستدرك من (ز).
يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا.
ــ
فزوجاتهم على قدر درجاتهم، كما يأتي في قوله: في الجنة درة طولها ستون ميلا، في كل زاوية منها أهل للمؤمن ما يرون الآخرين. وبهذا يعلم أن نوع النساء المشتمل على الحور والآدميات في الجنة أكثر من نوع رجال بني آدم، ورجال بني آدم أكثر من نسائهم، وعن هذا قال صلى الله عليه وسلم: أقل ساكني الجنة نساء، وأكثر ساكني جهنم النساء (1) يعني: نساء بني آدم هن أقل في الجنة وأكثر في النار.
و(قوله: يرى مخ ساقها من وراء اللحم) يعني: من شدة صفاء لحم الساقين، فكأنه يرى مخ الساقين من وراء اللحم، كما يرى السلك في جوف الدرة الصافية.
و(قوله: قلوبهم قلب واحد) أي: كقلب واحد، يعني: أنها مطهرة عن مذموم الأخلاق، مكملة بمحاسنها، فلا اختلاف بينهم، ولا تباغض.
و(قوله: يسبحون الله بكرة وعشيا) هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام، لأن الجنة ليست محل تكليف، وإنما هي محل جزاء، وإنما هو عن تيسير وإلهام، كما قال في الرواية الأخرى: يُلهمون التسبيح والتحميد والتكبير، كما تلهمون النفس. ووجه التشبيه: أن تنفس الإنسان لا بد له منه، ولا كلفة ولا مشقة عليه في فعله. وآحاد التنفيسات مكتسبة للإنسان، وجملتها ضرورية في حقه، إذ يتمكن من ضبط قليل الأنفاس، ولا يتمكن من جميعها، فكذلك يكون ذكر الله تعالى على ألسنة أهل الجنة، وسر ذلك: أن قلوبهم قد تنورت بمعرفته، وأبصارهم قد تمتعت برؤيته، وقد غمرتهم سوابغ نعمته، وامتلأت أفئدتهم بمحبته ومخاللته. فألسنتهم ملازمة ذكره، ورهينة بشكره، فإنَّ من أحب شيئا أكثر من ذكره، وقد تقدم: أن أوقات الجنة من الأيام والساعات تقديريات.
(1) رواه أحمد (4/ 427)، ومسلم (2738).
وفي رواية: أخلاقهم على خلق رجل واحد، على طول أبيهم.
وفي رواية: على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء.
وقال أبو كريب: على خلق رجل.
وقال أبو هريرة حين تذاكروا ألرجال أكثر في الجنة أم النساء؟ فقال: لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب.
رواه البخاريُّ (3254)، ومسلم (2834)(14 - 17).
ــ
و(قوله: أخلاقهم على خلق رجل واحد) قد ذكر مسلم اختلاف الرواة في تقييد خلق؛ هل هو بفتح الخاء وسكون اللام، أو بضمها؟ وكذلك اختلف فيه رواة البخاري، والذي يناسب ما قبله الضم، فيكون معناه: أن أخلاقهم متساوية في الحسن والكمال. كلهم كريم الخلق؛ إذ لا تباغض، ولا تحاسد، ولا نقص، ويشهد له قوله فيما تقدَّم: قلوبهم قلب واحد.
و(قوله: على طول أبيهم آدم، أو على صورة أبيهم) استئناف خبر آخر عنهم، ويحتمل أن يريد به الخلق، بالفتح والسكون، ويكون قوله على طول أبيهم وما بعده مفسرا لذلك الخلق، والأول أولى لما ذكرناه، ولأنا إذا حملناه عليه استفدنا منه فائدتين، ومن الوجه الثاني فائدة واحدة، وحمل كلام الشارع والفصحاء على تكثير الفوائد أولى، كما قررناه في الأصول.
و(قوله: ستون ذراعا في السماء) أي: في الارتفاع، وكل ما علاك فهو سماء، ويعني بذلك: أن الله تعالى أعاد أهل الجنة إلى خلقة أصلهم الذي هو آدم، وعلى صفته وطوله الذي خلقه الله عليه في الجنة، وكان طوله فيها ستين ذراعا في الارتفاع، من ذراع نفسه، والله أعلم. ويحتمل أن يكون ذلك الذراع مقدرا بأذرعتنا