الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَنَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم} فَكُنتُ أَنَا أستنبط ذَلِكَ الأَمرَ، فَأَنزَلَ اللَّهُ عز وجل آيَةَ التَّخيِيرِ.
رواه مسلم (1479)(30).
* * *
(31) ومن سورة الجن
[2922]
عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الجِنِّ وَمَا رَآهُم، انطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِن أَصحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ
ــ
و(قوله: ونزلت هذه الآية: {وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ} . ظاهر هذا أن هذه الآية نزلت بسبب هذه القضية لأجل استنباط عمر رضي الله عنه ما استنبط فيما وقع له فيها ووافقه الله تعالى على ما وقع له، فأنزل القرآن على نحو ذلك. والاستنباط: الاستخراج، وقد تقدَّم. وأذاعوا به: أفشوه، يقال: ذاع الحديث يذيع ذيعا وذُيوعا، أي: انتشر، وأذاعه غيره: إذا أفشاه، ويقال: ذاع به، بمعناه. وأولو الأمر: العلماء في قول قتادة وغيره. وفي الآية من الفقه وجوب الرجوع إلى أقوال العلماء على من لا يحسن فهم الأحكام واستنباطها. قال الحسن: هي في الضعفاء أُمروا أن يستخرجوا العلم من الفقهاء والعلماء. وقال قتادة: نزلت هذه الآية في المنافقين، كانوا يشيعون ما يهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمن من أراد تأمينه، وإغزاء من أراد غزوه؛ إرادة الإفساد.
(31)
ومن سورة الجن
(قول ابن عباس رضي الله عنهما: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم) يعني: لم يقصدهم بالقراءة عليهم، وإنما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة
عُكَاظٍ، وَقَد حِيلَ بَينَ الشَّيَاطِينِ وَبَينَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرسِلَت عَلَيهِم الشُّهُبُ، فَرَجَعَت الشَّيَاطِينُ إِلَى قَومِهِم فَقَالُوا: مَا لَكُم؟ قَالُوا: حِيلَ بَينَنَا وَبَينَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرسِلَت عَلَيهِمُ الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا ذَاكَ إِلَّا مِن شَيءٍ حَدَثَ، فَاضرِبُوا مَشَارِقَ الأَرضِ وَمَغَارِبَهَا فَانظُرُوا مَا الَّذِي حَالَ بَينَنَا وَبَينَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَانطَلَقُوا يَضرِبُونَ مَشَارِقَ الأَرضِ وَمَغَارِبَهَا، فَمَرَّ النَّفَرُ الَّذِينَ أَخَذُوا نَحوَ تِهَامَةَ وَهُوَ بِنَخلٍ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصحَابِهِ صَلَاةَ الفَجرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرآنَ استَمَعُوا لَهُ وَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَالَ بَينَنَا وَبَينَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَرَجَعُوا إِلَى قَومِهِم فَقَالُوا: يَا قَومَنَا إِنَّا سَمِعنَا قُرآنًا عَجَبًا يَهدِي إِلَى الرُّشدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُشرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا، فَأَنزَلَ اللَّهُ عز وجل عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم:{قُل أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ}
رواه البخاري (773)، ومسلم (449)، والترمذيُّ (3323).
ــ
لأصحابه، لكن لما تفرقت الشياطين في الأرض يطلبون السبب الحائل بينهم وبين ما كانوا يسترقون من السمع، صادف هذا النفرُ من الجن النبي صلى الله عليه وسلم بسوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه، فاستمعوا له، فقالوا ما أخبر الله به عنهم:{قُل أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعنَا قُرآنًا عَجَبًا * يَهدِي إِلَى الرُّشدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُشرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} وقيل: كان عدد هؤلاء النفر اثني عشر، وقيل: تسعة، وقيل سبعة، وعلى هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم ما علم باستماع الجن ولا رآهم ولا كلمهم، وإنما أوحى الله تعالى إليه فعلم ذلك لما أنزل عليه القرآن بذلك، وهذا بخلاف حديث ابن مسعود، فإن مقتضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بعبد الله بن مسعود (1) معه، فجاءه داعي الجن فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم نحو حراء، فقرأ عليهم القرآن، فآمنوا وأسلموا،
(1) رواه مسلم (450)(150).
[2923]
وعن علقمة، قال: سألت ابن مسعود: هَل شَهِدَ أَحَدٌ مِنكُم مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيلَةَ الجِنِّ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيلَةٍ، فَفَقَدنَاهُ، فَالتَمَسنَاهُ فِي الأَودِيَةِ وَالشِّعَابِ، فَقُلنَا: استُطِيرَ أَو اغتِيلَ، قَالَ: فَبِتنَا بِشَرِّ لَيلَةٍ بَاتَ بِهَا قَومٌ، فَلَمَّا أَصبَحنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِن قِبَلَ حِرَاءٍ، قَالَ: فَقُلنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدنَاكَ فَطَلَبنَاكَ فَلَم نَجِدكَ، فَبِتنَا بِشَرِّ لَيلَةٍ بَاتَ بِهَا قَومٌ، فَقَالَ: أَتَانِي دَاعِي الجِنِّ فَذَهَبتُ مَعَهُ فَقَرَأتُ عَلَيهِم
ــ
فهذه قضية أخرى، وجن آخرون. والحاصل من الكتاب والسنة: العلم القطعي بأن الجن والشياطين موجودون متعبَّدون بالأحكام الشرعية على النحو الذي يليق بخلقتهم وأحوالهم، وأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم رسول إلى الإنس والجن أجمعين، فمن دخل في دينه وآمن به، فهو من المؤمنين، ومعهم في الدنيا والآخرة. والجنة مستقر المؤمنين، ومن كذبه وصد عنه فهو الشيطان المبعد عن المؤمنين في الدنيا والآخرة، والنار مستقر الكافرين أبد الآبدين. وظاهر هذا الحديث يقتضي: أن رجم الشياطين بالنجوم إنما صدر عند بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا، فلما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم، مُنعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولم تكن النجوم يُرمى بها قبل ذلك (1)، وذكر نحو ما تقدَّم لمسلم (2). وقد تقدَّم في آخر كتاب الطب من حديث ابن عباس (3) رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت يُرمى بها في الجاهلية، وقد اختلف الناس في ذلك لاختلاف هذين الحديثين، فذهبت طائفة - منهم الجاحظ - إلى أن الرجم لم يكن قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت طائفة، منهم الغزالي: كان يُرمى بها،
(1) رواه الترمذي (3324).
(2)
رواه مسلم (449)(149).
(3)
رواه مسلم (2229)(124).
القُرآنَ، قَالَ: فَانطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُم وَآثَارَ نِيرَانِهِم، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ، فَقَالَ: لَكُم كُلُّ عَظمٍ ذُكِرَ اسمُ اللَّهِ عَلَيهِ، يَقَعُ فِي أَيدِيكُم أَوفَرَ مَا يَكُونُ لَحمًا، وَكُلُّ بَعرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَلَا تَستَنجُوا بِهِمَا؛ فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخوَانِكُم.
رواه مسلم (450)(150)، وأبو داود (85)، والترمذيُّ (18).
ــ
ولكنه يزيد عند المبعث، وبهذا القول يرتفع التعارض بين الحديثين. وقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه لم يشهد ليلة الجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد، هو أصح من الحديث الذي يحتج به الحنفيون، مما روي عن ابن مسعود أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه خط عليه خطأ وقال: لا تبرح حتى آتيك فذهب في سواد الليل ثم جاءه فقال: ما في إداوتك، فقال: نبيذ، فقال: تمرة طيبة وماء طهور (1)، ثم أخبره خبر الجن؛ لأنَّ إسناده مجهول على ما قاله أهل الحديث. واستطير: أي استطيل، وأصله من استطال الفجر: إذا انتشر وطال. واغتيل: إذا هُجم عليه بالمكروه أو القتل. وحراء: جبل معروف بمكة، وهو ممدود مهموز.
و(قوله: وسألوه الزاد) أي: ما يحل لهم من الزاد ولدوابهم، فأجابهم بقوله: لكم كل عظم، وكل بعرة لعلف دوابكم أي: هذان محلل لكم، ويحتمل أن يكونوا سألوه أن يدعو لهم بالبركة في أرزاقهم، وفي علف دوابهم، ويدل على هذا قوله: يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وفي كتاب مسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوت الله ألا يمروا بعظم إلا وجدوه أوفر ما كان وأسمنه (2) أي بالنسبة إلى تغذيهم ونَيلهم. وهل نَيلهم من ذلك شَم أو لَحس؟ كل ذلك ممكن، وقد قيل بكل واحد منهما.
و(قوله: ذكر اسم الله عليه) أي: على تذكيته، ويحتمل على أكله،
(1) رواه أبو داود (84)، والترمذي (88)، وابن ماجه (384).
(2)
رواه البخاري بنحوه (3860) عن أبي هريرة، ولم نجده في صحيح مسلم.