الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) باب الفرار من الفتن وكسر السلاح فيها وما جاء: أن القاتل والمقتول في النار
[2781]
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، ومن وجد فيها ملجأ فليعذ به.
رواه أحمد (2/ 282)، والبخاريُّ (3601)، ومسلم (2886)(10).
[2782]
وعن أبي بكرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ، أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِن المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِن السَّاعِي إِلَيهَا، أَلَا فَإِذَا نَزَلَت - أَو وَقَعَت - فَمَن كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَليَلحَق بِإِبِلِهِ، وَمَن كَانَت لَهُ غَنَمٌ فَليَلحَق بِغَنَمِهِ، وَمَن كَانَت لَهُ أَرضٌ فَليَلحَق بِأَرضِهِ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيتَ مَن لَم يَكُن لَهُ إِبِلٌ، وَلَا
ــ
(2)
ومن باب: الفرار من الفتن وكسر السلاح فيها
(قوله: من تشرف إليها تستشرفه) أي: من تعاطاها أو تشوف إليها صرعته وأهلكته، وهو مأخوذ من أشرف المريض على الهلاك: إذا أشفى عليه، وقد روي: من يتشرف إليها على أنه فعل مضارع مجزوم بالشرط. والأول على أنه فعل ماض بموضع جزم بالشرط.
و(قوله: إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتن. . . الحديث إلى آخره) كله تضمن الإخبار عن وقوع فتن هائلة عظيمة بعده، والأمر بالكف عنها والفرار منها.
غَنَمٌ وَلَا أَرضٌ؟ قَالَ: فليَعمِد إِلَى سَيفِهِ، فَيَدُقّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لِيَنجُ إِن استَطَاعَ النَّجَاءَ، اللَّهُمَّ هَل بَلَّغتُ اللَّهُمَّ هَل بَلَّغتُ اللَّهُمَّ هَل
ــ
و(قوله: يعمد إلى سيفه فيدق عليه بحجر) هذا محمول على ظاهره، وذلك أنه إذا فعل ذلك لم يكن له شيء يستعين به على الدخول فيها فيفر منها أو يسلم.
و(قوله: ثم لينج إن استطاع النجاء) أي: ليسرع وليفر إن وجد إلى ذلك سبيلا. وقد قال بظاهر هذه الأحاديث جماعة من السلف، فاجتنبوا جميع ما وقع بين الصحابة من الخلاف والقتال، منهم: أبو بكرة وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، فأما عبد الله بن عمر فندم على تخلفه عن نصر علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال عند موته: ما آسى على شيء ما آسى على تركي قتال الفئة الباغية. يعني فئة معاوية. وأما محمد بن مسلمة فاتخذ سيفا من خشب، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بذلك وأقام بالربذة. فمن هؤلاء من تمسك بمثل هذه الأحاديث فانكف، ومنهم من أشكل عليه الأمر فانكف لذلك، كعبد الله بن عمر إلى أن اتضح له الحق فندم. قال القاضي: ويتوجه في هذا الحديث الكلام في دماء الصحابة وقتالهم. وللناس في ذلك غلو وإسراف واضطراب من المقالات واختلاف، والذي عليه جماعة أهل السنة والحق: حسن الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وطلب أحسن التأويل لفعلهم ، وأنهم مجتهدون غير قاصدين للمعصية والمجاهرة بذلك، وطلب حب الدنيا، بل: كل عمل على شاكلته وبحسب ما أداه إليه اجتهاده، لكن منهم المخطئ في اجتهاده، ومنهم المصيب، وقد رفع الله تعالى الحرج عن المجتهد المخطئ في فروع الدين، وضعف الأجر للمصيب. وقد توقف الطبري وغيره عن تعيين المحق منهم، وعند الجمهور أن عليا وأشياعه مصيبون في ذبهم عن الإمامة، وقتالهم من نازعهم فيها؛ إذ كان أحق الناس بها وأفضل من على الأرض حينئذ، وغيره تأول وجوب القيام بتغيير المنكر
بَلَّغتُ؟ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيتَ إِن أُكرِهتُ حَتَّى يُنطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّينِ - أَو: إِحدَى الفِئَتَينِ - فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيفِهِ، أَو يَجِيءُ سَهمٌ فَيَقتُلُنِي؟ قَالَ: يَبُوءُ بِإِثمِهِ وَإِثمِكَ وَيَكُونُ مِن أَصحَابِ النَّارِ.
رواه أحمد (5/ 48)، ومسلم (2887)، وأبو داود (4256).
[2783]
وعَن الأَحنَفِ بنِ قَيسٍ قَالَ: خَرَجتُ وَأَنَا أُرِيدُ هَذَا
ــ
في طلب قتلة عثمان الذين في عسكر علي رضي الله عنه وأنهم لا يعطون بيعة ولا يعقدون إمامة حتى يقضوا ذلك، ولم يطلبوا سوى ذلك، ولم ير هو دفعهم إذ الحكم فيهم إلى الإمام، وكانت الأمور لم يستقر استقرارها، ولا اجتمعت الكلمة بعد، وفيهم عدد ولهم شوكة ومنعة. ولو أظهر تسليمهم أولا أو القصاص، لاضطرب الأمر وابنتَّ الحبل. ومنهم جماعة لم يروا الدخول في شيء من ذلك؛ محتجين بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التلبس بالفتن، والنهي عن قتال أهل الدعوة، كما احتج به أبو بكرة رضي الله عنه في هذا الحديث على الأحنف، وعذروا الطائفتين بتأويلهم، ولم يروا إحداهما باغية فيقاتلوها.
و(قوله: أرأيت إن أكرهت؟ إلى قوله: يبوء بإثمه وإثمك) أي: يرجع، والمباءة: المرجع، وقد تقدم ذلك، ويعني: أنه يبوء بإثمه فيما دخل فيه، وبإثمك بقتله إياك، أو لإكراهه إياك على ما أكرهك، وفيه: رفع الحرج عن المكره على مثل هذا، والمكره هنا هو الذي لا يملك من نفسه شيئا، لقوله: أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي، ولم يقل: إنه انطلق من قبل نفسه. ولم يختلفوا: أن الإكراه على القتل لا يعذر به أحد، وإنما يعذر فيما تعلق بالقلب، أو ما لم يملك الإنسان نفسه. واختلف في الإكراه على المعاصي التي بين الله تعالى وبين عبده، هل يعذر المكره فيها في أحكام الدنيا والآخرة أم لا؟ وفي المسألة أبحاث تعرف في كتب الأصول.
الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكرَةَ فَقَالَ: أَينَ تُرِيدُ يَا أَحنَفُ؟ قَالَ: قُلتُ: أُرِيدُ نَصرَ ابنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَعنِي عَلِيًّا، قَالَ: فَقَالَ لِي: يَا أَحنَفُ ارجِع؛ فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا تَوَاجَهَ المُسلِمَانِ بِسَيفَيهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقتُولُ فِي النَّارِ، قَالَ: فَقُلتُ: - أَو قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَد أَرَادَ قَتلَ صَاحِبِهِ.
رواه أحمد (5/ 43 و 51)، والبخاريُّ (31)، ومسلم (2888)(14)، وأبو داود (4268 و 4269)، والنسائي (7/ 125)، وابن ماجه (3965).
[2784]
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي
ــ
و(قوله: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) معناه: أنهما مستحقان لذلك، أما القاتل فبالقتل الحرام، وأما المقتول فبالقصد الحرام، والمستحق للشيء قد يعفى عنه، وإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فأما من اعتقد استحلال دم المسلم بغير سبب ولا تأويل فهو كافر، وفي بعض ألفاظ هذا الحديث في الأم: إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم، فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعا (1). رواه الطبري والعذري: وهما على جرف جهنم كما ذكرناه، بالجيم، وعند بعضهم: حرف بالحاء، وكلاهما متقارب في المعنى والصورة. ورواه ابن ماهان: في حر بالحاء المهملة والراء، وغير فاء، مصدر حرت النار تحر حرا وحرارة.
(1) الحديث في صحيح مسلم برقم (2888)(16).