الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) باب في غرف الجنة وتربتها وأسواقها
[2749]
عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق، من المشرق أو المغرب؛ لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله
ــ
(11 و 12 و 13 و 14) ومن باب: غرف الجنة (1)
قوله: إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري) يعني: أن أهل السفل من الجنة ينظرون إلى من فوقهم على تفاوت منازلهم، كما ينظر من على الأرض دراري السماء، على تفاوت منازلها. فيقال: هذا منزل فلان، كما يقال: هذا المشتري مثلا، أو الزهرة، أو المريخ، وقد بين ذلك بقوله: لتفاوت ما بينهما وسمي الكوكب دريا لبياضه وصفائه، وقيل: لأنه شبه بالدر في صفائه.
و(قوله: الغابر من الأفق، من المشرق أو المغرب) الرواية المشهورة: الغابر، بواحدة، ومعناه الذاهب والباقي، على اختلاف المفسرين، وغبر من الأضداد. يقال: غبر: إذا ذهب، وغبر: إذا بقي، ويعني به: أن الكوكب حالة طلوعه وغروبه بعيد عن الأبصار، فيظهر صغيرا لبعده، وقد بينه بقوله: في الأفق من المشرق أو المغرب، والأفق: ناحية السماء، وهو بضم الهمزة والفاء وبسكونها،
(1) شرح المؤلف رحمه الله تحت هذا العنوان: هذا الباب والأبواب الثلاثة التالية، وهي: باب في الجنة أكل وشرب، وباب: في حُسْن صورة أهل الجنة، وباب: في خيام الجنة.
تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.
رواه أحمد (5/ 340)، والبخاري (6555)، ومسلم (2830). وهو عند ابن حبان (209) كما في التلخيص. ورواه مسلم بطوله من حديث أبي سعيد الخدري (2831)(11).
ــ
كما يقال: عُشر وعُشُر، وجمعه: آفاق، وقد قيدنا تلك اللفظة على من يوثق به: الغائر - بالهمز - اسم فاعل من غار. وقد روي في غير مسلم: الغارب، بتقديم الراء، ويروى: العازب بالعين المهملة والزاي؛ أي: البعيد، ومعانيها كلها متقاربة. ومن الأفق: رويناه بـ (من) التي لابتداء الغاية، وهي الظرفية، وأما من المشرق، فلم يرو في كتاب مسلم إلا بـ (من). وقد رواه البخاري في المشرق بـ (في) وهي أوضح، فأمَّا من رواهما بـ (من) في الموضعين فأوجه ما فيهما أن تكون الأولى لابتداء الغاية، والثانية بدل منها مبينة لها. وقيل: إنها في قوله: من المشرق؛ لانتهاء الغاية، وهو خروج عن أصلها، وليس معروفا عند أكثر النحويين.
و(قولهم: تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) كذا وقع هنا هذا الحرف. بلى؛ التي أصلها حرف جواب وتصديق، وليس هذا موضعها؛ لأنَّهم لم يستفهموا، وإنَّما أخبروا أن تلك المنازل للأنبياء لا لغيرهم. فجواب هذا يقتضي: أن تكون (بلى) التي للإضراب عن الأول وإيجاب المعنى للثاني، فكأنه تسومح فيها، فوضعت بلى موضع بل. و: رجال، مرفوع بالابتداء المحذوف، تقديره: هم رجال. وفيه أيضًا توسع؛ أي: تلك المنازل منازل رجال آمنوا بالله، أي: حق إيمانه، وصدقوا المرسلين، أي: حق تصديقهم، وإلا فكل من يدخل الجنة آمن بالله، وصدق رسله، ومع ذلك فهم متفاوتون في الدرجات والمنازل، وهذا واضح.
[2750]
وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صائد: ما تراب الجنة؟ قال: درمكة بيضاء مسك يا أبا القاسم. قال: صدقت.
رواه مسلم (2928)(92).
[2751]
وعنه؛ أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة، قال: درمكة بيضاء مسك خالص.
رواه مسلم (2928)(93).
[2752]
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة،
ــ
و(قوله صلى الله عليه وسلم لابن صياد: ما تربة (1) الجنة) هذا نص في أن النبي صلى الله عليه وسلم هو السائل لابن صياد عن تربة الجنة (2)، وفي الرواية الأخرى: أن ابن صياد هو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة، فهاتان روايتان، والواقع منهما إحداهما، والله أعلم، وكيفما كان فالخبر عن تربة الجنة صدق وصحيح؛ لأنَّه إن كان الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم فهو حق، إذ الكذب عليه محال، وإن كان ابن صياد هو الذي قاله فقد علمنا صحة ذلك من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم صدقه في ذلك، ويكون ابن صياد علم ذلك من جهة ما ألقاه إليه شيطانه من الكلمات التي استرق سمعها؛ لأنَّ ابن صياد كان من الكهان على ما يأتي في حديثه. والدرمكة: دقيق الحوارى. شبه تربة الجنة به في حسن لونها ونعيمها، وشبه رائحتها بالمسك، وهذا تشبيه تقريب، وأين الثريا من الثرى؟ !
و(قوله: إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة) السوق: يذكر ويؤنث،
(1) في مسلم والتلخيص: ما تراب.
(2)
في (ز): ذلك.
فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا.
رواه أحمد (3/ 284)، ومسلم (2833).
* * *
ــ
وسمي سوقا لقيام الناس فيها على ساق، وقيل: لسوق الناس بضائعهم إليها، فيحتمل أن يكون سوق الجنة عبارة عن مجتمع أهل الجنة، ومحل تزاورهم، وسمي سوقا بالمعنى الأول، ويؤيد هذا أن أهل الجنة لا يفقدون شيئا حتى يحتاجوا إلى شرائه من السوق، ويحتمل أن يكون سوقا مشتملا على محاسن مشتهيات مستلذات، تجمع هنالك مرتبة محسنة، كما تجمع في الأسواق، حتى إذا جاء أهل الجنة فرأوها، فمن اشتهى شيئا وصل إليه من غير مبايعة ولا معاوضة، ونعيم الجنة وخيرها أعظم وأوسع من ذلك كله، وخص يوم الجمعة بذلك لفضيلته، ولما خصه الله تعالى به من الأمور التي تقدَّم ذكرها، ولأنه يوم المزيد؛ أي اليوم الذي يوفى لهم ما وعدوا به من الزيادة. وأيام الجنة تقديرية؛ إذ لا ليل هناك ولا نهار، وإنما هناك أنوار متوالية لا ظلمة معها، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
و(قوله: فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم) ريح الشمال في الدنيا: هي التي تأتي من دبر القبلة من ناحية الشام، وهي التي تأتي بلاد العرب بالأمطار، فهي عندهم أحسن الأرياح، فلذلك سمي ريح الجنة بالشمال، وفي الشمال لغات. يقال: شمال، وشمأل، وشأمل، وشمل، وشمول. حكاها صاحب العين. ويقابلها: الجنوب، وقد سميت هذه الريح في حديث آخر بالمثيرة؛ لأنَّها تثير النعيم والطيب على أهل الجنة.