الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) ومن سورة الأنعام
[2871]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ التُّربَةَ يَومَ السَّبتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الجِبَالَ يَومَ الأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَومَ الِاثنَينِ، وَخَلَقَ المَكرُوهَ يَومَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَومَ الأَربِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَومَ الخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ عليه السلام بَعدَ العَصرِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ فِي آخِرِ الخَلقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِن سَاعَاتِ الجُمُعَةِ فِيمَا بَينَ العَصرِ إِلَى اللَّيلِ.
رواه أحمد (2/ 327)، ومسلم (2789).
ــ
(6)
ومن سورة الأنعام
(قول أبي هريرة رضي الله عنه أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت. . .) الحديث - ذكر هذا الحديث هنا لأنَّه مفصل لما أجمله قوله تعالى: {الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} والتربة: التراب - أي: الأرض، وكأنه خلق التراب يوم السبت غير منعقد ولا متجمد، ثم يوم الأحد جمده وجعل منه الجبال أرسى بها الأرض، وكمل خلق الأرض بجبالها في يومين.
و(قوله وخلق الأشجار يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء)؛ أي: ما يكره مما يهلك أو يؤلم كالسموم والخشاش (1) والحيوانات المضرة، وقد ذكر هذا الحديثَ ثابثٌ في كتابه، وقال فيه وخلق التِّقن يوم الثلاثاء بدل المكروه، قال: والتقن ما يقوم به المعاش ويصلح به التدبير كالحديد وغيره من
(1)"الخِشاش": حشرات الأرض وهوامّها. الواحدة: خِشاشة.
[2872]
وعَن أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يَومًا: أَتَدرُونَ أَينَ
ــ
جواهر الأرض، وكل شيء يحصل به صلاح فهو تِقن، ومنه إتقان الشيء وإحكامه.
و(قوله والنور يوم الأربعاء)، كذا الرواية الصحيحة المشهورة، وقد وقع في بعض نسخ مسلم النون بالنون - يعني به الحوت، وكذا جاء في كتاب ثابت في الأم، وفي رواية أخرى البحور مكان النور.
قلت: وهذه الرواية ليست بشيء؛ لأنَّ الأرض خُلقت بعد الماء وعلى الماء، كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرشُهُ عَلَى المَاءِ} ؛ أي: قبل خلق السماوات والأرض. إلا إن أراد بالبحور الأنهار التي خلق الله تعالى في الأرض فله وجه، والصحيح رواية النور، ويعني به الأجسام النيرة كالشمس والقمر والكواكب، ويتضمن هذا أنه تعالى خلق السماوات يوم الأربعاء؛ لأنَّ هذه الكواكب في السماوات، ونورها: ضوؤها الذي بين السماء والأرض، والله تعالى أعلم.
وتحقيق هذا أنه لم يذكر في هذا الحديث نصا على خلق السماوات، مع أنه ذكر فيه أيام الأسبوع كلها، وذكر ما خلق الله تعالى فيها، فلو خلق السماوات في يوم زائد على أيام الأسبوع لكان خلق السماوات والأرض في ثمانية أيام، وذلك خلاف المنصوص عليه في القرآن، ولا صائر إليه. وقد روي هذا الحديث في غير كتاب مسلم بروايات مختلفة مضطربة، وفي بعضها أنه خلق الأرض يوم الأحد والاثنين، والجبال يوم الثلاثاء، والشجر والأنهار والعمران يوم الأربعاء، والسماوات والشمس والقمر والنجوم والملائكة يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة. فهذه أخبار آحاد مضطربة فيما لا يقتضي عملا، فلا يُعتمد على ما تضمنته من ترتيب المخلوقات في تلك الأيام، والذي يعتمد عليه في ذلك قوله تعالى: {قُل أَإِنَّكُم لَتَكفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرضَ فِي
تَذهَبُ هَذِهِ الشَّمسُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ! قَالَ: إِنَّ هَذِهِ تَجرِي حَتَّى تَنتَهِيَ إِلَى مُستَقَرِّهَا تَحتَ العَرشِ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً، فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا: ارتَفِعِي، ارجِعِي مِن حَيثُ جِئتِ! فَتَرجِعُ فَتُصبِحُ طَالِعَةً مِن مَطلِعِهَا، ثُمَّ تَجرِي حَتَّى تَنتَهِيَ إِلَى مُستَقَرِّهَا تَحتَ العَرشِ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً، فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا: ارتَفِعِي، ارجِعِي مِن حَيثُ جِئتِ! فَتَرجِعُ فَتُصبِحُ طَالِعَةً مِن مَطلِعِهَا، ثُمَّ تَجرِي لَا يَستَنكِرُ النَّاسَ مِنهَا شَيئًا، حَتَّى تَنتَهِيَ إِلَى مُستَقَرِّهَا ذَاكَ تَحتَ العَرشِ، فَيُقَالُ لَهَا: ارتَفِعِي، أَصبِحِي طَالِعَةً مِن مَغرِبِكِ! فَتُصبِحُ طَالِعَةً مِن مَغرِبِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَدرُونَ مَتَى ذَلكُم؟ حِينَ {لا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو كَسَبَت فِي إِيمَانِهَا خَيرًا}
رواه أحمد (5/ 145)، ومسلم في الإيمان (159)(250)، والنسائي في الكبرى (11176).
ــ
يَومَينِ} الآيات، فلينظر فيها من أراد تحقيق ذلك، وفيها أبحاث طويلة ليس هذا موضع ذكرها.
و(قوله إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها)، قد كثرت أقوال الناس في معنى مستقر الشمس، وأشبه ما يقال فيه: إنه عبارة عن انتهائها إلى أن تسامت جزءا من العرش معلوما بحيث تخضع عنده وتذل، وهو المعبر عنه بسجودها، وتستأذن في سيرها المعتاد لها من ذلك المحل متوقعة ألا يؤذن لها في ذلك وأن تؤمر بالرجوع من حيث جاءت وبأن تطلع من مغربها، فإن كانت الشمس ممن تعقل نسب ذلك كله إليها لأنَّه صدر عنها، وإن كانت مما لا يعقل فعل ذلك الملائكة الموكلون بها، والله تعالى أعلم - وكل ذلك ممكن، وهذا القول موافق لمعنى هذا الحديث، فتأمله!
[2873]
وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللَّهُ: مَن جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشرُ أَمثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثلُهَا أَو أَغفِرُ، وَمَن تَقَرَّبَ مِنِّي شِبرًا تَقَرَّبتُ مِنهُ ذِرَاعًا، وَمَن تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ مِنهُ بَاعًا، وَمَن أَتَانِي يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً، وَمَن لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرضِ خَطِيئَةً لَا يُشرِكُ بِي شَيئًا لَقِيتُهُ بِمِثلِهَا مَغفِرَةً.
وفي رواية أو أزيد بزيادة ألف.
رواه مسلم (2687).
* * *
ــ
و(قوله يقول الله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، وأزيد) مفتوح الهمزة مكسور الزاي مضموم الدال على أنه فعل مضارع، وكذا رويته، وقد روي هذا الحرف بالواو الجامعة وبأو التي معناها أحد الشيئين، وهو إشارة إلى معنى قوله تعالى:{وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} والحسنة تعم الحسنات كلها، فأي حسنة عملها المسلم ضوعف ثوابها كذلك، ولا معنى لقول من قصرها على بعض الحسنات دون بعض فإنَّه تحكم مخالف للفظ العام والكرم التام، وقد تقدَّم الكلام على قوله من أتاني يمشي أتيته هرولة وأن ذلك تمثيل.
و(قوله ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لقيته بمثلها مغفرة)، قراب الأرض: قدر ملئها، وهو بكسر القاف، وأصله الوعاء، ومنه قراب السيف، وهو في هذا الحديث مَثَل.
* * *