الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(28) ومن سورة المنافقين
[2915]
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يصعد الثنية، ثنية المرار، فإنه يُحَط عنه ما حُط عن بني إسرائيل.
ــ
فظهر له أن المهاجرين والأنصار استحقوا الفيء بأنهم مهاجرون وأنصار من غير قيد زائد على ذلك، وأن مَن جاء بعدهم قُيِّدوا بقيد:{يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفِر لَنَا وَلإِخوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} فإنَّ لم يوجد هذا القيد لم يجُز الإعطاء لعدم تمام الموجب. وقد فهم عمر رضي الله عنه أن قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعدِهِم} يعم كل من يأتي إلى يوم القيامة، وأنها معطوفة على ما قبلها، فوقف الأرض المغنومة المفتتحة في زمانه على من يأتي بعد إلى يوم القيامة، وخصص بهذه الآية الأرض من جملة الغنيمة التي قال الله فيها:{وَاعلَمُوا أَنَّمَا غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} وقد تقدَّم الكلام على هذا في الجهاد.
(28)
ومن سورة المنافقين
(قوله: من يتسور ثنية المرار) يتسور: يعلو. وتسورت الجدار: علوته، وفي الرواية الأخرى: من يصعد وهذا واضح، والثنية: الطريق في الجبل. والمُرار - بضم الميم -: وهي ثنية معروفة وعرة المرتقى، فحث النبي صلى الله عليه وسلم على صعودها، ولعل ذلك للحراسة.
و(قوله: حط عنه ما حط عن بني إسرائيل) أي: غُفرت خطاياه كما وُعد بنو إسرائيل حين قيل لهم: {وَادخُلُوا البَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغفِر لَكُم خَطَايَاكُم} يعني بذلك: أن من صعد تلك الثنية غُفرت خطاياه كما كانت خطايا بني إسرائيل تحط وتغفر لو فعلوا ما أُمروا به من الدخول، وقول الحطة، لكنهم لم يفعلوا ما أمروا به بل تمردوا واستهزؤوا، فدخلوا يزحفون على أستاههم، وقالوا
قال: فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج، ثم تتام الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكلكم مغفور له، إلا صاحب الجمل الأحمر، فأتيناه فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم، قال: وكان رجل ينشد ضالة له.
رواه مسلم (2780)(12).
[2916]
وعن زيد بن أرقم، قال: خَرَجنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ، فَقَالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيٍّ لِأَصحَابِهِ:(لَا تُنفِقُوا عَلَى مَن عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا مِن حَولِهِ)، قَالَ زُهَيرٌ: وَهِيَ في قِرَاءَةُ عبد الله، وقال:{لَئِن رَجَعنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنهَا الأَذَلَّ} قَالَ: فَأَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخبَرتُهُ بِذَلِكَ،
ــ
حنطة في شعرة، وقد لا يبعد أن يكون بعضهم دخل على نحو ما أُمر به فغفر له، غير أنه لم ينقل ذلك إلينا.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل) لما صعدوا كما أُمروا أُنجز لهم ما به وُعدوا، فإنَّ الله تعالى لا يخلف الميعاد ولا رسوله. وقيل: إن صاحب الجمل هو الجد بن قيس، المنافق. وينشد ضالته: يطلبها، ونشدت الضالة: طلبتها، وأنشدتها: عرَّفتها.
و(قوله: حتى ينفضوا) أي: يتفرقوا. و (من حوله): في قراءة عبد الله، ولم يثبت في شيء من المصاحف المتفق عليها، ويمكن أن تكون زيادة بيان من جهة ابن مسعود.
و(قوله: {لَيُخرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنهَا الأَذَلَّ}) يعني المنافق
فَأَرسَلَ إِلَى عَبدِ اللَّهِ بنِ أُبَيٍّ فَسَأَلَهُ، فَاجتَهَدَ يَمِينَهُ مَا فَعَلَ، فَقَالَ: كَذَبَ زَيدٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَوَقَعَ فِي نَفسِي مِمَّا قَالُوهُ شِدَّةٌ حَتَّى أَنزَلَ اللَّهُ تَصدِيقِي: {إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ}
قَالَ: ثُمَّ دَعَاهُم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَستَغفِرَ لَهُم، قَالَ: فَلَوَّوا رُؤُوسَهُم. وقَوله: {كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} وَقَالَ: كَانُوا رِجَالًا أَجمَلَ شَيءٍ.
رواه البخاري (4900)، ومسلم (2772)، والترمذيُّ (3309 و 3310).
* * *
ــ
بالأعز: نفسه وعشيرته، وبالأذل: النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، جهل فقال، وحيث وجب أن يسكن حال غلبت عليه شقوته، فانعكست فكرته (1)، فظن الأرض سماء والسراب ماء، فنبهه ولد نطفته على قبيح غلطته، فقال له: أنت والله الأذل، ورسول الله الأعز، فأنزل الله تصديقه في كتابه لعلهم يسمعون:{وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ} ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم تلطف بهم على مقتضى خُلقه الكريم وحلمه العظيم، ودعاهم للاستغفار فأبت الشقوة إلا التمادي على الجهل والاستكبار فلووا رؤوسهم معرضين، وصدوا مستكبرين فقوبلوا بلن يغفر الله لهم، إن الله لا يهدي القوم الفاسقين، حشرنا الله مع المؤمنين وجنبنا أحوال المنافقين بفضله وكرمه.
و(قوله: {كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} يعني أنهم أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام، فصورهم معجبة وبواطنهم قبيحة خربة ومسندة إلى الجدر، شبههم بالجذوع المسندة الممالة إلى جدار، كما قال الشاعر:
قد مضينا بعدهم نتبعهم
…
فرأيناهم قياما كالخشب
(1) في (ز): فطنته.