الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(24) ومن سورة الحجرات
[2907]
عن أنس بن مالك، لما نزلت هذه الآية:{لا تَرفَعُوا أَصوَاتَكُم} إلى آخر الآية، جَلَسَ ثَابِت فِي بَيتِهِ وَقَالَ: أَنَا مِن أَهلِ النَّارِ، وَاحتَبَسَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَعدَ بنَ مُعَاذٍ
ــ
فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم على فارس؛ لأنَّهم وإياهم أهل كتاب، وكانت قريش يحبون ظهور فارس على الروم؛ لأنَّهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان، ولما نزلت هذه الآية خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة بالآية، فقال كبراء المشركين: ألا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى. وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر والمشركون، وأقبضوا الرهان، وقالوا لأبي بكر: كم تجعل البضع؟ البضع ثلاث سنين إلى تسع، قسم بيننا وبينك وسطا ننتهي إليه، فسموا بينهم ست سنين، فمضت الست سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر، ولما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين، لأن الله تعالى قال:{فِي بِضعِ سِنِينَ} قال: وأسلم بعد ذلك ناس كثير. قال: هذا حديث حسن صحيح (1)، وسيأتي القول في انشقاق القمر في سورته.
(24)
ومن سورة الحجرات
ثابت هذا هو ثابت بن قيس بن شماس بن مالك الخزرجي، يكنى أبا محمد، بابنه، وقيل: أبا عبد الرحمن، قُتل له يوم الحرة ثلاثة من الولد: محمد ويحيى وعبد الله، وكان خطيبا بليغا معروفا بذلك، كان يقال له: خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يقال لحسان: شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما قدم وفد بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) رواه الترمذي (3194).
فَقَالَ: يَا أَبَا عَمرٍو مَا شَأنُ ثَابِتٍ، أشتَكَى؟ قَالَ سَعدٌ: إِنَّهُ لَجَارِي وَمَا عَلِمتُ لَهُ بِشَكوى، قَالَ: فَأَتَاهُ سَعدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَولَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ثَابِتٌ: أُنزِلَت هَذِهِ الآيَةُ، وَلَقَد عَلِمتُم أَنِّي مِن أَرفَعِكُم صَوتًا عَلَى
ــ
وطلبوا المفاخرة، قام خطيبهم فافتخر في خطبته. ثم قام ثابت بن قيس فخطب خطبة بليغة جزلة فغلبهم، وقام شاعرهم وهو الأقرع بن حابس فأنشد:
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا
…
إذا خالفونا عند ذكر المكارم
وإنا رؤوس الناس من كل معشر
…
وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
فقام حسان فقال:
بني دارم لا تفخروا إن فخركم
…
يعود وبالا عند ذكر المكارم
هُبِلتم علينا تفخرون وأنتم
…
لنا خول من بين ظئر وخادم
فقالوا: خطيبهم أخطب من خطيبنا، وشاعرهم أشعر من شاعرنا، فارتفعت أصواتهم، فأنزل الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أَصوَاتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبِيِّ وَلا تَجهَرُوا لَهُ بِالقَولِ} ولما نزلت جلس ثابت في بيته، فكان كما ذكر في الأصل، وقال عطاء الخراساني: حدثتني ابنة ثابت بن قيس، قالت: لما نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أَصوَاتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبِيِّ} الآية، دخل أبوها بيته وأغلق عليه بابه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه يسأله: ما خبره؟ فقال: أنا رجل شديد الصوت أخاف أن يكون حبط عملي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لست منهم، بل تعيش بخير وتموت بخير. قال: ثم أنزل الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ} فأغلق بابه وطفق يبكي، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه: ما خبره؟ فقال: يا رسول الله إني أحب الجمال وأحب أن أسود قومي، فقال:
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنَا مِن أَهلِ النَّارِ. فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعدٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَل هُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ.
وفي رواية: قال: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا، رجل من أهل الجنة.
رواه البخاريُّ (4846)، ومسلم (119)(187 و 188).
* * *
ــ
لستَ منهم، بل تعيش حميدا وتُقتل شهيدا، وتدخل الجنة. قالت: فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد إلى مسيلمة، فلما التقوا انكشفوا، فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حفر كل واحد منهما له حفرة، فثبتا، وقاتلا حتى قُتلا. وعلى ثابت يومئذ درع له نفيسة، فمر به رجل من المسلمين فأخذها، فبينا رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه فقال له: أوصيك بوصية، وإياك أن تقول: هذا حلم، فتضيعه، إني لما قُتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستن في طِوَله، وقد كفأ على الدرع برمة، وفوق البرمة رحل، فأت خالدا فمره أن يبعث إلى درعي، فيأخذها، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني أبا بكر رضي الله عنه فقل له: إن عَلَي من الدَّين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق وفلان. فأتى الرجل خالدا فأخبره، فبعث إلى الدرع، فأُتي بها، وحدث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته.
قال: ولا نعلم أحدا أُجيزت وصيته بعد موته غير ثابت.
و(قوله: {وَلا تَجهَرُوا لَهُ بِالقَولِ}) أي: لا تخاطبوه: يا محمد، و: يا أحمد، ولكن: يا نبي الله، أو: يا رسول الله. توقيرا له، صلى الله عليه وسلم.
و(قوله: {أَن تَحبَطَ أَعمَالُكُم}) أي: من أجل أن تحبط؛ أي: تبطل. فإمَّا أصل الأعمال، إن كان ذلك عن كفر، وإما ثوابها إن كان عن معصية.