الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(22) باب آخر من يخرج من النار وآخر من يدخل الجنة وما لأدنى أهل الجنة منزلة وما لأعلاهم
[2774]
عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لَأَعلَمُ آخِرَ أَهلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنهَا، وَآخِرَ أَهلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ: رَجُلٌ يَخرُجُ مِن النَّارِ حَبوًا، فَيَقُولُ له اللَّهُ: اذهَب فَادخُل الجَنَّةَ، فَيَأتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيهِ أَنَّهَا مَلأَى، فَيَرجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدتُهَا مَلأَى، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذهَب فَادخُل الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثلَ الدُّنيَا وَعَشَرَةَ أَمثَالِهَا - أَو: إِنَّ لَكَ عَشَرَةَ
ــ
مكانا من النار بسبب ذنوبه، وعفا الله تعالى عنه، وبقي مكانه خاليا منه، أضاف الله ذلك المكان إلى يهودي أو نصراني ليعذب فيه، زيادة على تعذيب مكانه الذي يستحقه بسبب كفره، ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس للمؤمن الذي ثبت عند السؤال في القبر: فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة (1)، وقد تقدَّم الكلام عليه، وإنما احتاج علماؤنا لتأويل ألفاظ حديث أبي موسى المذكور في هذا الحديث لما عارضها من قوله تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى} ولقوله: {وَأَن لَيسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى} ولقوله: {وَإِن تَدعُ مُثقَلَةٌ إِلَى حِملِهَا لا يُحمَل مِنهُ شَيءٌ وَلَو كَانَ ذَا قُربَى} ولقوله تعالى: {كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ} ولقوله صلى الله عليه وسلم: ألا لا يجني جان إلا على نفسه (2)، ومثله كثير. وعلى الجملة فهي قاعدة معلومة من الشرع لا يختلف فيها.
(1) رواه أحمد (3/ 126)، والبخاري (1338)، ومسلم (2870)(72).
(2)
رواه أحمد (3/ 499).
أَمثَالِ الدُّنيَا - قَالَ: فَيَقُولُ: أَتَسخَرُ بِي - أَو: أَتَضحَكُ بِي - وَأَنتَ المَلِكُ؟ قَالَ: لَقَد رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَت نَوَاجِذُهُ، قَالَ: فَكَانَ يُقَالُ: ذَاكَ أَدنَى أَهلِ الجَنَّةِ مَنزِلًا.
رواه مسلم (186)(308)، والترمذي (2599)، وابن ماجه (4339).
[2775]
وعنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آخِرُ مَن يَدخُلُ الجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهوَ يَمشِي مَرَّةً وَيَكبُو مَرَّةً، وَتَسفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا التَفَتَ إِلَيهَا، فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنكِ، لَقَد أَعطَانِي اللَّهُ شَيئًا مَا أَعطَاهُ أَحَدًا مِن الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، فَتُرفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ فَيَقُولُ: أَي رَبِّ أَدنِنِي مِن هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلِأَستَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشرَبَ مِن مَائِهَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تعالى: يَا ابنَ آدَمَ لَعَلِّي إِنَّ أَعطَيتُكَهَا سَأَلتَنِي غَيرَهَا، فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، وَيُعَاهِدُهُ أَلا يَسأَلَهُ غَيرَهَا، وَرَبُّهُ يَعذِرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبرَ لَهُ عَلَيهِ، فَيُدنِيهِ مِنهَا، فَيَستَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشرَبُ مِن مَائِهَا، ثُمَّ تُرفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِيَ أَحسَنُ مِن الأُولَى،
ــ
و(قوله: أتسخر مني وأنت الملك؟ ، وفي اللفظ الآخر: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ ) يحتمل أن يكون هذا القول صدر من هذا الرجل عند غلبة الفرح عليه، واستحقاقه إياه، فغلط كما غلط الذي قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. ويحتمل أن يكون معناه: أتجازيني على ما كان مني في الدنيا من الاستهزاء والسخرية بأعمالي وقلة احتفالي بها، فيكون هذا على جهة المقابلة، كما قال تعالى:{اللَّهُ يَستَهزِئُ بِهِم} و {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} وقد تقدَّم القول في ضحك الله تعالى، وأنه راجع إلى الرضا.
و(قوله: يكبو مرة وتسفعه النار مرة) أي: يسقط، ويعثر بخطاطيف الصراط وعقباته، وتسفعه: أي: تحرقه، وتغير لونه.
فَيَقُولُ: أَي رَبِّ! أَدنِنِي مِن هَذِهِ لِأَشرَبَ مِن مَائِهَا، وَأَستَظِلَّ بِظِلِّهَا، لَا أَسأَلُكَ غَيرَهَا، فَيَقُولُ: يَا بنَ آدَمَ أَلَم تُعَاهِدنِي ألا تَسأَلَنِي غَيرَهَا؟ فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِن أَدنَيتُكَ مِنهَا تَسأَلُنِي غَيرَهَا، فَيُعَاهِدُهُ أَلا يَسأَلَهُ غَيرَهَا، وَرَبُّهُ يَعذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبرَ لَهُ عَلَيهِ، فَيُدنِيهِ مِنهَا، فَيَستَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشرَبُ مِن مَائِهَا، ثُمَّ تُرفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِندَ بَابِ الجَنَّةِ هِيَ أَحسَنُ مِن الأُولَيَينِ، فَيَقُولُ. . . إلى: فَيُدنِيهِ مِنهَا، فَإِذَا أَدنَاهُ مِنهَا سمع أَصوَاتَ أَهلِ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَي رَبِّ أَدخِلنِيهَا، فَيَقُولُ يَا ابنَ آدَمَ مَا يَصرِينِي مِنكَ؟ أَيُرضِيكَ أَن أُعطِيَكَ الدُّنيَا وَمِثلَهَا مَعَهَا؟ فَيَقُولُ: أَي رَبِّ أَتَستَهزِئُ مِنِّي وَأَنتَ رَبُّ العَالَمِينَ؟ فَضَحِكَ ابنُ مَسعُودٍ، فَقَالَ: أَلَا تَسأَلُونِي مِمَّ أَضحَكُ؟ فَقَالُوا: مِمَّ تَضحَكُ؟ فقَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: مِمَّ تَضحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مِن ضِحكِ رَبِّ العَالَمِينَ فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أَستَهزِئُ مِنكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ.
رواه أحمد (1/ 391)، ومسلم (187).
[2776]
وعن المغيرة بن شعبة - رفعه - قال: سَأَلَ مُوسَى عليه السلام رَبَّهُ، فقال: يا رب مَا أَدنَى أَهلِ الجَنَّةِ مَنزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَأتي بَعدَمَا يدخل أَهلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادخُل الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَي رَبِّ كَيفَ وَقَد نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُم وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِم؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرضَى أَن يَكُونَ لَكَ مِثلُ مُلكِ مَلِكٍ مِن مُلُوكِ الدُّنيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّي، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثلُهُ معه وَمِثلُهُ وَمِثلُهُ وَمِثلُهُ وَمِثلُهُ، فَقَالَ فِي الخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّي، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشتَهَت
ــ
و(قول الله تعالى: ما يصريني منك؟ ) أي: ما يقطع طلبتك وما يفصلها؟
نَفسُكَ، وَلَذَّت عَينُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّي، قَالَ: رَبِّ فَأَعلَاهُم مَنزِلا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدتُ، غَرَستُ كَرَامَتَهُم بِيَدِي، وَخَتَمتُ عَلَيهَا، فَلَم تَرَ عَينٌ، وَلَم تَسمَع أُذُنٌ، وَلَم يَخطُر عَلَى قَلبِ بَشَرٍ، قَالَ: وَمِصدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل: {فَلا تَعلَمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ} الآيَةَ. وقد روي موقوفا عن المغيرة قوله.
رواه مسلم (189)(312 و 313)، والترمذيُّ (3196).
* * *
ــ
يقال: صريت ما بينهم صريا، أي: فصلت، ويقال: اختصمنا إلى الحاكم فصرَّى بيننا؛ أي قطع وفصل.
* * *