الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيده! لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيما قتل، ولا المقتول فيما قتل، فقلت: فكيف ذلك؟ قال: الهرج، القاتل والمقتول في النار.
رواه مسلم (2908)(56).
* * *
(3) باب لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، وحتى يكثر الهرج وجعل بأس هذه الأمة بينها
[2785]
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، تكون بينهما مقتلة عظيمة ودعواهما واحدة.
ــ
و(قوله: لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل) يعني بذلك أن الأهواء تغلب، والهرج والقتل يكثر ويستسهل حتى لا يبالى به. فيكون قتل المسلم عند قاتله كقتل نملة، كما هو الحال الآن في أقصى المغرب، والهرج: هو كثرة الاختلاف والقتل، وهو ساكن الراء.
و(قوله هنا: القاتل والمقتول في النار) يوضح أن ذلك محمول في هذا الحديث وفي حديث أبي بكرة على ما إذا كان القتال في طلب الدنيا، أو على مقتضى الأهواء، وليس في المتأولين المسلمين ولا فيمن قاتل الباغين.
(3)
ومن باب: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان
يعني بهما فئة علي ومعاوية رضي الله عنهما والله تعالى أعلم.
و(قوله: دعواهما واحدة) أي دينهما واحد؛ إذ الكل مسلمون، يدعون
رواه أحمد (2/ 313)، والبخاري (3609)، ومسلم (157) الفتن (17).
[2786]
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل القتل.
رواه مسلم (2888)(18).
[2787]
وعن ثوبان قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الأَرضَ فَرَأَيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبلُغُ مُلكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنهَا،
ــ
بدعوة الإسلام عند الحرب، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
و(قوله في تفسير الهرج: القتل القتل) وجدته في كتاب الشيخ برفع اللام من القتل في اللفظين، معتنى به مصححا عليه، وهو مرفوع على خبر مبتدأ محذوف؛ أي هو القتل هو القتل. وأصل الهرج: الاختلاط. يقال: هرج القوم: إذا اختلطوا، وسمي القتل بالهرج لأنه لا يكون غالبا إلا عن الاختلاط.
و(قوله: وإن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها) أي: جمعها لي حتى أبصرت ما تملكه أمتي من أقصى المشارق والمغارب منها. وظاهر هذا اللفظ يقتضي أن الله تعالى قوى إدراك بصره، ورفع عنه الموانع المعتادة، فأدرك البعيد من موضعه، كما أدرك بيت المقدس من مكة، وأخذ يخبرهم عن آياته، وهو ينظر إليه، وكما قال: إني لأبصر قصر المدائن الأبيض (1). ويحتمل أن يكون مثلها الله له فرآها، والأول أولى.
(1) ذكره ابن عبد البر في "الدرر" ص (170).
وَأُعطِيتُ الكَنزَينِ: الأَحمَرَ وَالأَبيَضَ، وَإِنِّي سَأَلتُ رَبِّي لِأُمَّتِي ألا يُهلِكَهَا بِسَنَةٍ بعَامَّةٍ، وألا يُسَلِّطَ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن سِوَى أَنفُسِهِم فَيَستَبِيحَ
ــ
و(قوله: إن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) هذا الخبر قد وجد مخبره كما قال صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك من دلائل نبوته، وذلك أن ملك أمته اتسع إلى أن بلغ أقصى بحر طنجة الذي هو منتهى عمارة المغرب، إلى أقصى المشرق، مما وراء خراسان والنهر، وكثير من بلاد الهند والسند والصغد. ولم يتسع ذلك الاتساع من جهة الجنوب والشمال، ولذلك لم يذكر أنه أريه، ولا أخبر أن ملك أمته يبلغه.
و(قوله: أعطيت الكنزين) يعني به: كنز كسرى، وهو ملك الفرس، وملك قيصر، وهو ملك الروم، وقصورهما، وبلادهما، وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر حين أخبر عن هلاكهما:(لتنفقن كنوزهما في سبيل الله (1)، وعبر بالأحمر عن كنز قيصر؛ لأنَّ الغالب عندهم كان الذهب، وبالأبيض عن كنز كسرى؛ لأنَّ الغالب كان عندهم الفضة والجوهر. وقد ظهر ذلك، ووجد كذلك في زمان الفتوح في خلافة عمر رضي الله عنه فإنَّه سيق إليه تاج كسرى وحليته، وما كان في بيوت أمواله، وجميع ما حوته مملكته على سعتها وعظمتها، وكذلك فعل الله بقيصر، لما فتحت بلاده.
و(قوله: وإني دعوت (2) ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة بعامة) كذا صحت الرواية بالباء في (بعامة) وكأنها زائدة؛ لأنَّ عامة صفة لسنة، فكأنه قال: بسنة عامة، ويعني بالسنة: الجدب العام الذي يكون به الهلاك العام. ويسمى الجدب والقحط: سنة، ويجمع سنين، كما قال تعالى:{وَلَقَد أَخَذنَا آلَ فِرعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} أي: بالجدب المتوالي. وبيضة المسلمين:
(1) رواه أحمد (2/ 240)، ومسلم (2918)(75)، والترمذي (2216).
(2)
في مسلم والتلخيص: سألتُ.
بَيضَتَهُم، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعطَيتُكَ لِأُمَّتِكَ ألا أُهلِكَهُم بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَلا أُسَلِّطَ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن سِوَى أَنفُسِهِم يَستَبِيحُ بَيضَتَهُم، وَلَو اجتَمَعَ عَلَيهِم مَن بِأَقطَارِهَا - أَو قَالَ: مَن بَينَ أَقطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ بَعضُهُم يُهلِكُ بَعضًا وَيَسبِي بَعضُهُم بَعضًا.
رواه مسلم (2889)(19)، وابن ماجه (3952).
[2788]
وعن سعد بن أبي وقاص أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقبَلَ ذَاتَ يَومٍ مِن العَالِيَةِ - في رواية: في طائفة من أصحابه - حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكعَتَينِ، وَصَلَّينَا مَعَهُ، وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا، ثُمَّ انصَرَفَ
ــ
معظمهم وجماعتهم، وفي الصحاح: بيضة كل شيء: حوزته، وبيضة القوم: ساحتهم، وعلى هذا فيكون معنى الحديث: أن الله تعالى لا يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستبيح جميع ما حازوه من البلاد والأرض، ولو اجتمع عليهم كل من بين أقطار الأرض، وهي: جوانبها.
و(قوله: حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا) ظاهر (حتى): الغاية، فيقتضي ظاهر هذا الكلام: أنه لا يسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم، إلا إذا كان منهم إهلاك بعضهم لبعض، وسبي بعضهم لبعض. وحاصل هذا أنه إذا كان من المسلمين ذلك تفرقت جماعتهم، واشتغل بعضهم ببعض عن جهاد العدو، فقويت شوكة العدو واستولى، كما شاهدناه في أزماننا هذه في المشرق والمغرب، وذلك أنه لما اختلف ملوك الشرق، وتجادلوا استولوا كافر الترك على جميع عراق العجم، ولما اختلف ملوك المغرب وتجادلوا استولت الإفرنج على جميع بلاد الأندلس، والجزر القريبة منها، وها هم قد طمعوا في جميع بلاد الإسلام، فنسأل الله أن يتدارك المسلمين بالعفو والنصر واللطف. ولا يصح أن يكون (حتى) هنا بمعنى كي، لفساد المعنى، فتدبره.
إِلَينَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: سَأَلتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعطَانِي ثِنتَينِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلتُ رَبِّي أَلا يُهلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعطَانِيهَا، وَسَأَلتُهُ ألا يُهلِكَ أُمَّتِي بِالغَرَقِ فَأَعطَانِيهَا، وَسَأَلتُهُ ألا يَجعَلَ بَأسَهُم بَينَهُم فَمَنَعَنِيهَا.
رواه أحمد (1/ 175)، ومسلم (2890)(20).
* * *
ــ
و(قوله: وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها) يعني: ألا يهلك جميعهم بطوفان كطوفان نوح عليه السلام حتى يغرق جميعهم، وهذا فيه بعد، ولعل هذا اللفظ كان بالعدو، فتصحف على بعض الرواة لقرب ما بينهما في اللفظ، ويدل على صحة ذلك: أن هذا الحديث قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم خباب بن الأرت، وثوبان وغيرهما، وكلهم قال: بدل الغرق المذكور في هذا الحديث: عدوا من غير أنفسهم. والله تعالى أعلم.
و(قوله: وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها) البأس: الحروب والفتن، وأصله من بئس يبأس: إذا أصابه البؤس، وهو الضر، ويقال: بأسا وضرا.
و(قوله: يا محمد إني إذا قضيت قضاء لا يرد) يستفاد منه: أنه لا يستجاب من الدعاء إلا ما وافقه القضاء، وحينئذ يشكل بما قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يرد القضاء إلا الدعاء (1). ويرتفع الإشكال بأن يقال: إن القضاء الذي لا يرده دعاء ولا غيره، هو الذي سبق علم الله بأنه لا بد من وقوعه. والقضاء الذي يرده الدعاء أو صلة الرحم، هو الذي أظهره الله بالكتابة في اللوح المحفوظ، الذي قال الله تعالى فيه:{يَمحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ} وقد تقدم ذلك في كتاب القدر.
(1) رواه الترمذي (2139) من حديث سلمان رضي الله عنه.