المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(12) باب الخليفة الكائن في آخر الزمان وفيمن يهلك أمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقتل عمارا الفئة الباغية وإخماد الفتنة الباغية ولتفنى كنوز كسرى في سبيل الله - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٧

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(12) باب إقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة

- ‌(37) كتاب الأذكار والدعوات

- ‌(1) باب الترغيب في ذكر الله تعالى

- ‌(2) باب فضل مجالس الذكر والاستغفار

- ‌(3) باب فضل إحصاء أسماء الله تعالى

- ‌(4) باب فضل قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له

- ‌(5) باب فضل التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌(6) باب يذكر الله تعالى بوقار وتعظيم وفضل لا حول ولا قوة إلا بالله

- ‌(7) باب تجديد الاستغفار والتوبة في اليوم مائة مرة

- ‌(8) باب ليحقق الداعي طلبته وليعزم في دعائه

- ‌(9) باب في أكثر ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(10) باب ما يدعى به وما يتعوذ منه

- ‌(11) باب ما يقول إذا نزل منزلا وإذا أمسى

- ‌(12) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع وما بعد ذلك

- ‌(13) باب مجموعة أدعية كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها

- ‌(14) باب: ما يقال عند الصباح وعند المساء

- ‌(15) باب كثرة ثواب الدعوات الجوامع وما جاء في أن الداعي يستحضر معاني دعواته في قلبه

- ‌(16) باب التسلي عند الفاقات بالأذكار وما يدعى به عند الكرب

- ‌(17) باب ما يقال عند صراخ الديكة ونهيق الحمير

- ‌(18) باب أحب الكلام إلى الله تعالى

- ‌(19) باب ما يقال عند الأكل والشرب والدعاء للمسلم بظهر الغيب

- ‌(20) باب يستجاب للعبد ما لم يعجل أو يدعو بإثم

- ‌(21) باب الدعاء بصالح ما عمل من الأعمال

- ‌(22) باب فضل الدوام على الذكر

- ‌(38) كتاب الرقاق

- ‌(1) باب وجوب التوبة وفضلها

- ‌(2) باب ما يخاف من عقاب الله على المعاصي

- ‌(3) باب في رجاء مغفرة الله تعالى وسعة رحمته

- ‌(4) باب من عاد إلى الذنب فليعد إلى الاستغفار

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ}

- ‌(6) باب لا ييأس من قبول التوبة ولو قتل مائة نفس

- ‌(7) باب يهجر من ظهرت معصيته حتى تتحقق توبته وقبول الله تعالى للتوبة الصادقة وكيف تكون أحوال التائب

- ‌(8) باب تقبل التوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها

- ‌(39) كتاب الزهد

- ‌(1) باب هوان الدنيا على الله تعالى وأنها سجن المؤمن

- ‌(2) باب ما للعبد من ماله وما الذي يبقى عليه في قبره

- ‌(3) باب ما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس

- ‌(4) باب لا تنظر إلى من فضل الله عليك في الدنيا وانظر إلى من فضلت عليه

- ‌(5) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها

- ‌(6) باب الخمول في الدنيا والتقلل منها

- ‌(7) باب التزهيد في الدنيا والاجتزاء في الملبس والمطعم باليسير الخشن

- ‌(8) باب ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل الإصبع في اليم وما جاء أن المؤمن فيه كخامة الزرع

- ‌(9) باب شدة عيش النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا

- ‌(10) باب سبق فقراء المهاجرين إلى الجنة، ومن الفقير السابق

- ‌(11) باب كرامة من قنع بالكفاف وتصدق بالفضل

- ‌(12) باب الاجتهاد في العبادة والدوام على ذلك، ولن ينجي أحدا منكم عمله

- ‌(13) باب في التواضع

- ‌(40) كتاب ذكر الموت وما بعده

- ‌(1) باب الأمر بحسن الظن بالله عند الموت وما جاء: أن كل عبد يبعث على ما مات عليه

- ‌(2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده وما جاء في عذاب القبر

- ‌(3) باب سؤال الملكين للعبد حين يوضع في القبر وقوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ}

- ‌(4) باب في أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليسمع ما يقال

- ‌(6) باب في الحشر وكيفيته

- ‌(7) باب دنو الشمس من الخلائق في المحشر وكونهم في العرق على قدر أعمالهم

- ‌(8) باب في المحاسبة ومن نوقش هلك

- ‌(9) باب حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وصفة أهل الجنة وصفة أهل النار

- ‌(10) باب في صفة الجنة وما أعد الله فيها

- ‌(11) باب في غرف الجنة وتربتها وأسواقها

- ‌(12) باب في الجنة أكل وشرب ونكاح حقيقة ولا قذر فيها ولا نقص

- ‌(13) باب في حسن صورة أهل الجنة وطولهم وشبابهم وثيابهم وأن كل ما في الجنة دائم لا يفنى

- ‌(14) باب في خيام الجنة وما في الدنيا من أنهار الجنة

- ‌(15) باب في صفة جهنم وحرها وأهوالها وبعد قعرها، أعاذنا الله منها

- ‌(16) باب تعظيم جسد الكافر وتوزيع العذاب بحسب أعمال الأعضاء

- ‌(17) باب ذبح الموت وخلود أهل الجنة وأهل النار

- ‌(18) باب محاجة الجنة والنار

- ‌(19) باب شهادة أركان الكافر عليه يوم القيامة وكيف يحشر

- ‌(20) باب أكثر أهل الجنة وأكثر أهل النار

- ‌(21) باب لكل مسلم فداء من النار من الكفار

- ‌(22) باب آخر من يخرج من النار وآخر من يدخل الجنة وما لأدنى أهل الجنة منزلة وما لأعلاهم

- ‌(41) كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌(1) باب إقبال الفتن ونزولها كمواقع القطر ومن أين تجيء

- ‌(2) باب الفرار من الفتن وكسر السلاح فيها وما جاء: أن القاتل والمقتول في النار

- ‌(3) باب لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، وحتى يكثر الهرج وجعل بأس هذه الأمة بينها

- ‌(4) باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما يكون إلى قيام الساعة

- ‌(5) باب في الفتنة التي تموج موج البحر وفي ثلاث فتن لا يكدن يذرن شيئا

- ‌(6) باب ما فتح من ردم يأجوج ومأجوج، ويغزو البيت جيش فيخسف به

- ‌(7) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وحتى يمنع أهل العراق ومصر والشام ما عليهم

- ‌(8) باب لا تقوم الساعة حتى تفتح قسطنطينية، وتكون ملحمة عظيمة، ويخرج الدجال ويقتله عيسى ابن مريم

- ‌(9) باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس وما يفتح للمسلمين مع ذلك

- ‌(10) باب الآيات العشر التي تكون قبل الساعة وبيان أولها

- ‌(11) باب: أمور تكون بين يدي الساعة

- ‌(12) باب الخليفة الكائن في آخر الزمان وفيمن يهلك أمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقتل عمارا الفئة الباغية وإخماد الفتنة الباغية ولتفنى كنوز كسرى في سبيل الله

- ‌(13) باب ما ذكر من أن ابن صياد: الدجال

- ‌(14) باب في صفة الدجال وما يجيء معه من الفتن

- ‌(15) باب: في هوان الدجال على الله تعالى وأنه لا يدخل مكة والمدينة ومن يتبعه من اليهود

- ‌(16) باب حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

- ‌(17) باب كيف يكون انقراض هذا الخلق وتقريب الساعة وكم بين النفختين

- ‌(18) باب المبادرة بالعمل الصالح والفتن وفضل العبادة في الهرج

- ‌(19) باب إغراء الشيطان بالفتن

- ‌(20) باب في قوله عليه الصلاة والسلام: لتتبعن سنن الذين من قبلكم، وهلك المتنطعون آخر الفتن

- ‌(42) كتاب التفسير

- ‌(1) باب من فاتحة الكتاب

- ‌(2) ومن سورة البقرة

- ‌(3) ومن سورة آل عمران

- ‌(4) ومن سورة النساء

- ‌(5) ومن سورة العقود

- ‌(6) ومن سورة الأنعام

- ‌(7) ومن سورة الأعراف

- ‌(8) ومن سورة الأنفال وبراءة

- ‌(9) ومن سورة إبراهيم

- ‌(10) ومن سورة الحجر

- ‌(11) ومن سورة الإسراء

- ‌(12) ومن سورة الكهف

- ‌(13) ومن سورة مريم

- ‌(14) ومن سورة الأنبياء

- ‌(15) ومن سورة الحج

- ‌(16) ومن سورة النور

- ‌(17) ومن سورة الفرقان

- ‌(18) ومن سورة الشعراء

- ‌(19) ومن سورة: الم السجدة

- ‌(20) ومن سورة الأحزاب

- ‌(21) ومن سورة تنزيل

- ‌(22) ومن سورة حم السجدة

- ‌(23) ومن سورة الدخان

- ‌(24) ومن سورة الحجرات

- ‌(25) ومن سورة ق

- ‌(26) ومن سورة القمر

- ‌(27) ومن سورة الحديد والحشر

- ‌(28) ومن سورة المنافقين

- ‌(29) باب: من أخبار المنافقين

- ‌(30) ومن سورة التحريم

- ‌(31) ومن سورة الجن

- ‌(32) ومن سورة المدثر

- ‌(33) ومن سورة القيامة

- ‌(34) ومن سورة الأخدود

- ‌(35) ومن سورة الشمس وضحاها

- ‌(36) ومن سورة الليل

- ‌(37) ومن سورة الضحى

- ‌(38) ومن سورة اقرأ باسم ربك

- ‌(39) ومن سورة النصر

الفصل: ‌(12) باب الخليفة الكائن في آخر الزمان وفيمن يهلك أمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقتل عمارا الفئة الباغية وإخماد الفتنة الباغية ولتفنى كنوز كسرى في سبيل الله

(12) باب الخليفة الكائن في آخر الزمان وفيمن يهلك أمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقتل عمارا الفئة الباغية وإخماد الفتنة الباغية ولتفنى كنوز كسرى في سبيل الله

[2818]

عَن أَبِي نَضرَةَ قَالَ: كُنَّا عِندَ جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ فَقَالَ: يُوشِكُ أَهلُ العِرَاقِ ألا يُجبَى إِلَيهِم قَفِيزٌ وَلَا دِرهَمٌ، قُلنَا: مِن أَينَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِن قِبَلِ العَجَمِ، يَمنَعُونَ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهلُ الشَّأمِ ألا يُجبَى إِلَيهِم دِينَارٌ وَلَا مُديٌ، قُلنَا: مِن أَينَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِن قِبَلِ الرُّومِ، ثُمَّ أسكتَ هُنَيَّةً ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحثِي المَالَ حَثيًا، ولَا يَعُدُّهُ عَدَدًا، قيل لِأَبِي نَضرَةَ وَأَبِي العَلَاءِ: أَتَرَيَانِ أَنَّهُ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ؟ فَقَالَا: لَا.

رواه أحمد (3/ 317)، ومسلم (2913).

ــ

(12)

ومن باب: الخليفة الكائن في آخر الزمان

(قوله: يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا، ولا يعده عدا) أي: يصبه صبا. يقال: حثى يحثي حثيا، وحثا يحثو حثوا، وقد وقع الفعلان في الأم، والمصدر حثيا بفتح الحاء وإسكان الثاء، وضبط عن أبي بحر حِثيًّا، بكسر الثاء، وتشديد الياء، وليس بمعروف، وإنما نفى أبو نضرة أن يكون هذا الخليفة هو عمر بن عبد العزيز لقوله صلى الله عليه وسلم: في آخر أمتي، وذلك لا يصدق على زمن عمر بن عبد العزيز إلا بالتوسع البعيد، ولأنه لم يصب المال كما جاء في هذا الحديث، وقد روى الترمذي وأبو داود أحاديث صحيحة في هذا الخليفة، وسمياه بالمهدي، فروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، قال

ص: 252

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حديث حسن صحيح. وخرجه أبو داود، وزاد فيه: يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا (1). ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي (2). قال: حديث حسن صحيح. ومن حديث أبي سعيد قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث، فسألناه، فقال: إن في أمتي المهدي، يخرج، يعيش خمسا، أو سبعا، أو تسعا. زيد الشاك. قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: سنين. قال: فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني؛ يا مهدي أعطني، قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله (3). قال: هذا حديث حسن. وروى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي في أمتي: أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، يملك سبع سنين (4). وروى أيضًا أبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من أهل الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام، وعصائب أهل العراق فيبايعونه، ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال، ويعمل في الناس بسنة نبيهم، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى، ويصلي عليه

(1) رواه أبو داود (4282)، والترمذي (2230).

(2)

رواه الترمذي (2231).

(3)

رواه الترمذي (2232).

(4)

رواه أبو داود (4285).

ص: 253

[2819]

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُهلك أمتي هذا الحي من قريش، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم.

رواه أحمد (2/ 301)، والبخاريُّ (3604)، ومسلم (2917).

ــ

المسلمون (1). وفي رواية: تسع سنين. فهذه أخبار صحيحة ومشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على خروج هذا الخليفة الصالح في آخر الزمان، وهو ينتظر إذ لم يسمع بمن كملت له جميع تلك الأوصاف التي تضمنتها تلك الأخبار، والله تعالى أعلم.

و(قوله: يُهلك أمتي هذا الحي من قريش، وفي البخاري: هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش) الحي: القبيل، وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبيل قريش، وهو يريد بعضهم، وهم الأغيلمة المذكورون في حديث البخاري، كما أنه لم يرد بالأمة جميع أمته من أولها إلى آخرها، بل ممن كان موجودا من أمته في ولاية أولئك الأغيلمة، وكان الهلاك الحاصل من هؤلاء لأمته في ذلك العصر إنما سببه: أن هؤلاء الأغيلمة لصغر أسنانهم لم يتحنكوا، ولا جربوا الأمور، ولا لهم محافظة على أمور الدين، وإنما تصرفهم على مقتضى غلبة الأهواء، وحدة الشباب.

و(قوله: لو أن الناس اعتزلوهم) لو: معناها التمني؛ أي: ليت الناس اعتزلوهم، فيه دليل على إقرار أئمة الجور وترك الخروج عليهم، والإعراض عن هنات ومفاسد تصدر عنهم، وهذا ما أقاموا الصلاة، ولم يصدر منهم كفر بواح عندنا من الله فيه برهان، كما قدمناه في كتاب الإمامة.

وهؤلاء الأغيلمة كان أبو هريرة رضي الله عنه يعرف أسماءهم وأعيانهم، ولذلك كان يقول: لو شئت قلت لكم: هم بنو فلان، وبنو فلان، لكنه سكت عن يقينهم مخافة ما يطرأ من ذلك من المفاسد، وكأنهم - والله تعالى أعلم -

(1) رواه أبو داود (4286).

ص: 254

[2820]

وعن أبي سعيد قال: أخبرني من هو خير مني - أبو قتادة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: بؤس ابن سمية، تقتلك فئة باغية.

ــ

يزيد بن معاوية، وعبيد الله بن زياد، ومن تنزل منزلتهم من أحداث ملوك بني أمية، فقد صدر عنهم مِن قَتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبيهم، وقتل خيار المهاجرين والأنصار بالمدينة، وبمكة وغيرها، وغير خاف ما صدر عن الحجاج وسليمان بن عبد الملك، وولده من سفك الدماء وإتلاف الأموال وإهلاك خيار الناس بالحجاز والعراق، وغير ذلك.

وأغيلمة: تصغير غلمة، على غير مكبره؛ فكأنهم قالوا: أغلمة ولم يقولوه، كما قالوا: أُصيبية بتصغير صبية. وبعضهم يقول: غليمة على القياس، وقد تقدَّم القول في الغلام، وأن أصله فيمن لم يحتلم، ثم قد يتوسع فيه، ويقال على الحديث السن - وإن كان قد احتلم - وعلى هذا جاء في هذا الحديث.

و(قوله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر رضي الله عنه: تقتلك فئة باغية، وفي لفظ آخر: الفئة الباغية) هذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم على فئة معاوية بالبغي، فإنهم هم الذين قتلوه؛ فإنَّه كان بعسكر علي بصفين، وأبلى في القتال بلاء عظيما، وحرض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال معاوية وأصحابه. قال أبو عبد الرحمن السلمي: شهدنا مع علي صفين، فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد يتبعونه كأنه علم لهم، قال: وسمعته يقول يومئذ لهاشم بن عتبة: يا هاشم تقدم، الجنة تحت الأبارقة (1)، اليوم ألقى الأحبة، محمدا وحزبه، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا شغفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل، ثم قال:

(1) الأبارقة: السيوف.

ص: 255

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نحن ضربناكم على تنزيله

فاليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق إلى سبيله

قال: فلم أر أصحاب محمد قُتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ، وقال عبد الرحمن بن أبزى: شهدنا صفين مع علي رضي الله عنه في ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون، منهم عمار بن ياسر. وروى الشعبي عن الأحنف بن قيس في خبر صفين قال: ثم حمل عمار بن ياسر فحمل عليه ابن جزء السكسكي، وأبو الغادية الفزاري، فأمَّا أبو الغادية فطعنه، وأما ابن جزء فاحتز رأسه، وكان سنه وقت قتل نيفا على تسعين سنة، وكانت صفين في ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين، ودفنه علي رضي الله عنه في ثيابه، ولم يغسله كما فعل بشهداء أحد، ولما ثبت أن أصحاب معاوية قتلوا عمارا صدق عليهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم أنهم البغاة، وأن عليا رضي الله عنه هو الحق، ووجه ذلك واضح، وهو أن عليا رضي الله عنه أحق بالإمامة من كل من كان على وجه الأرض في ذلك الوقت من غير نزاع من معاوية ولا من غيره. وقد انعقدت بيعته بأهل الحل والعقد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل دار الهجرة، فوجب على أهل الشام والحجاز والعراق وغيرهم مبايعته، وحرمت عليهم مخالفته، فامتنعوا عن بيعته وعملوا على مخالفته، وكانوا له ظالمين، وعن سبيل الحق ناكبين، فاستحقوا اسم البغي الذي شهد به عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينجيهم من هذا تأويلاتهم الفاسدة، فإنها تحريفات عن سنن الحق حائدة. نقل الأخباريون: أن معاوية تأول الخبر تأويلين:

أحدهما: أنه قال بموجب الخبر فقال: نحن الباغية لدم عثمان رضي الله عنه أي الطالبة له.

ص: 256

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وثانيهما: أنه قال: إنما قتله من أخرجه للقتل وعرضه له، وهذان التأويلان فاسدان.

أما بيان فساد الأول: فالبغي - وإن كان أصله الطلب - فقد غلب عرف استعماله في اللغة والشرع على التعدي والفساد، ولذلك قال اللغويون، أبو عبيد وغيره: البغي: التعدي. وبغى الرجل على الرجل: استطال عليه. وبغت السماء: اشتد مطرها. وبغى الجرح: ورم وترامى إلى فساد، وبغى الوالي: ظلم. وكل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء: بَغي. وبرئ جرحه على بغي: وهو أن يبرأ وفيه شيء من نغل، وعلى هذا فقد صار الحال في البغي كالحال في الصلاة، والدابة، وغير ذلك من الأسماء العرفية التي إذا سمعها السامع سبق لفهمه المعنى العرفي المستعمل، لا الأصلي الذي قد صار كالمطرح، كما بيناه في الأصول، وإلى حمل اللفظ على ما قلناه صار عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره يوم قُتل عمار، وأكثر أهل العصر، ورأوا أن ذلك التأويل تحريف. سلمنا نفي العرف، وأن لفظ الباغية صالح للطلب وللتعدي، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الفئة الباغية في هذا الحديث في معرض إظهار فضيلة عمار وذم قاتليه، ولو كان المقصود البغي الذي هو مجرد الطلب لما أفاد شيئا من ذلك، وقد أفادهما بدليل مساق الحديث فتأمله بجميع طرقه تجده كذلك، وأيضًا فلو كان ذلك هو المقصود لكان تخصيص قتلة عمار بالبغي الذي هو الطلب ضائعا لا فائدة له؛ إذ علي وأصحابه طالبون للحق ولقتلة عثمان، لو تفرغوا لذلك، وتمكنوا منه، وإنما منعهم من ذلك معاوية وأصحابه بما أبدوا من الخلاف، ومن الاستعجال مع قول علي لهم: ادخلوا فيما دخل فيه الناس، ونطلب قتلة عثمان، ونقيم عليهم كتاب الله. فلم يلتفتوا لهذا ولا عرجوا عليه، ولكن سبقت الأقدار، وعظمت المصيبة بقتيل الدار.

وأما فساد التأويل الثاني فواضح؛ لأنَّه عدل عمن وجد القتل منه إلى من

ص: 257

وفي رواية: ويس ابن سمية. أو: يا ويس.

رواه مسلم (2915)(70 و 71).

[2821]

ونحوه عن أم سلمة.

رواه أحمد (6/ 289)، ومسلم (2916)(72 و 73).

ــ

لا تصح نسبته إليه، إذ لم يجبر عمار على الخروج؛ بل هو خرج بنفسه وماله مجاهدا في سبيل الله، قاصدا لقتال من بغى على الإمام الحق، وقد نقلنا ما صدر عنه في ذلك، وحاش معاوية عن مثل هذا التأويل، والعهدة على الناقل، بل قد حكي عن معاوية أنه قال عندما جاءه قاتل عمار برأسه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بشروا قاتل ابن سمية بالنار (1). فلما سمع القاتل ذلك قال: بئست البشارة، وبئست التحفة، وأنشد في ذلك شعرا، والله أعلم بحقيقة ما جرى من ذلك، وقد تقدَّم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج: تقتلهم أولى الطائفتين بالحق (2)، والقاتل لهم هو علي رضي الله عنه وأصحابه.

و(قوله: بؤس ابن سمية) هو منادى مضاف محذوف حرف النداء، تقديره: يا بؤس ابن سمية، وهي أم عمار، والبأس والبؤس والبأساء: المكروه والضرر، وفي الرواية الأخرى: يا ويسَ ابن سمية، وفي البخاري: يا ويح ابن سمية (3)، وكلاهما بمعنى التفجع والترحم. والويل: بمعنى الهلكة، هذا هو الصحيح، وقد تقدَّم الخلاف فيهما.

(1) رواه أحمد (4/ 198) بلفظ: "إن قاتلَه وسالبَه في النَّار".

(2)

رواه مسلم (1064)(150).

(3)

رواه البخاري (2812).

ص: 258

[2822]

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد مات كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده. والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله.

رواه أحمد (2/ 313)، والبخاريُّ (3027)، ومسلم (2918)(75).

ــ

و(قوله: لقد مات كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده) كذا جاء هذا الحديث في الأم: قد مات كسرى، بلفظ الماضي المحقق بقد، وقد وقع هذا اللفظ في كتاب الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وعنه سعيد بن المسيب، وعنه الزهري، وعنه سفيان، وبهذا السند رواه مسلم، غير أن الترمذي قال: إذا هلك كسرى (1)، ولم يقل: قد مات وبين اللفظين بون عظيم، فلفظ مسلم يقتضي أن كسرى قد كان وقع موته، فأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا يدل حديث أبي بكرة الذي خرجه البخاري، قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى، قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة (2)، يعني: أنه لما مات كسرى ولوا عليهم ابنته، وعلى هذا فلا يصح أن يقال: مكان: قد مات: إذا مات، ولا إذا هلك؛ لأنَّ إذا للمستقبل، ومات للماضي، وهما متناقضان، فلا يصح الجمع بينهما لاتحاد الراوي، واختلاف المعنى، إلا على تأويل بعيد، وهو أن يقدر أن أبا هريرة سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، فسمع أولا: إذا هلك كسرى، وبعده: قد هلك كسرى. فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قال الحديث الأول قبل موت كسرى؛ لأنَّه علم أنه يموت ويهلك، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا قال الحديث الثاني بعد موته، ويحتمل أن يفرق بين الموت

(1) رواه الترمذي (2216) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

رواه البخاري (7099).

ص: 259

[2823]

وعن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لتفتحن عصابة من المسلمين - أو من المؤمنين - كنز آل كسرى الذي في

ــ

والهلاك، فيقال: إن موت كسرى كان قد وقع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر عنه بذلك، وأما هلاك ملكه، فلم يقع ذلك إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وموت أبي بكر، وإنَّما هلك ملكه في خلافة عمر رضي الله عنه على يدي سعد بن أبي وقاص وغيره من الأمراء الذين ولاهم عمر حرب فارس، فهزموا جموعه، وفتحوا بلاده، وانتقلوا كنوزه إلى المدينة، وذخائره، وحليته، حتى تاجه كما هو المعروف في كتب التواريخ، وكان موت كسرى وتمزيق ملكه بسبب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، كما خرجه البخاري (1) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، فحسبت أن ابن المسيب قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُمزقوا كل ممزق، فعجل الله تعالى موته، ومزق بعد ذلك ملكه. وقد تقدَّم أن كل ملك للفرس يقال له كسرى، وكل ملك للروم يقال له قيصر. وكل ملك للحبشة يقال له: النجاشي. ويقال كسرى، بفتح الكاف، وهو قول الأصمعي، والكسر لغيره.

و(قوله: فلا كسرى بعده، ولا قيصر بعده). قال القاضي: معناه عند أهل العلم: لا يكون كسرى بالعراق، ولا قيصر بالشام، فأعلم بانقضاء ملكهما وزواله من هذين القطرين، فكان كما قال، وانقطع أمر كسرى بالكلية، وتمزق ملكه واضمحل، وتخلى قيصر عن الشام، ورجع القهقرى إلى داخل بلاده، واحتوى المسلمون على ملكهما وكنوزهما، وأنفقا في سبيل الله، كما أخبر عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

و(قوله: لتفتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى) العصابة: الجماعة

(1) رواه البخاري (64).

ص: 260

الأبيض. وقد روي (من المسلمين) ولم يشك.

رواه أحمد (5/ 100)، ومسلم (2919)(78).

* * *

ــ

من الناس والطير والوحش، سموا بذلك؛ لأنَّهم يشد بعضهم بعضا، والعصب: هو الشد. والعصبة: ما بين العشرين إلى الأربعين، وإنما أطلق النبي صلى الله عليه وسلم على المفتتحين كنز كسرى: عصابة، وإن كانوا عساكر بالنسبة إلى عدد عدوهم وجيوشه، فإنَّهم كانوا بالنسبة إليهم قليلا. ويحتمل أن يريد بالعصابة الجماعة السابقة لفتح القصر الأبيض دون الجيش كله؛ فإنَّ الله لما هزم الفرس وجيوشهم العظيمة على يدي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وعسكره، وكان عدد من معه يوم فتح القادسية ستة آلاف، أو سبعة آلاف على ما ذكره محمد بن جرير الطبري. فر المنهزمة من الفرس إلى المدائن منزل كسرى، فتبعهم المسلمون إلى أن وصلوا إلى دجلة، وهي تقذف بالزبد، فاقتحمها المسلمون فرسانا ورجالة، خائضين يتحدث بعضهم مع بعض، فلما رأى ذلك الفرس هالهم ذلك، فتخففوا بما أمكنهم من المال والذخائر النفيسة، وفروا ولم يبق فيها إلا من ثقل عن الفرار، ودخل المسلمون المدائن، وفيها القصر الأبيض الذي فيه إيوان كسرى وأمواله وذخائره النفيسة التي لم يسمع بمثلها. قال أهل التاريخ: كان في البيت الأبيض ثلاثة آلاف ألف ألف ألف - ثلاث مرات - غير أن رستما لما فر منهزما حمل معه نصف ما كان في بيوت الأموال، وترك النصف الآخر، فملكه (1) الله المسلمين، فأصاب الفارس من فيء المدائن اثنا عشر ألفا، ولما دُخل القصر الأبيض وجدوا فيه ملابس كسرى، وحليته، وبساطه الذي ما سمع في العالمين بمثله، فجاؤوا بكل ذلك إلى عمر رضي الله عنه فكان ذلك كله مظهرا لصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم للعيان، بحيث يضطر إليه كل إنسان.

(1) في (ع) و (م 4): فنفَّله.

ص: 261