الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(7) باب التزهيد في الدنيا والاجتزاء في الملبس والمطعم باليسير الخشن
[2699]
عن خالد بن عمير العدوي، قَالَ: خَطَبَنَا عُتبَةُ بنُ غَزوَانَ - وكان أميرا على البصرة - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعدُ،
ــ
مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا (1). فيحتمل أن يكون هذا هو الذي عنى به سعد بن أبي وقاص، والله تعالى أعلم. وأما ما فسرت به المشايخ ذلك الكلام فيقتضي تفسيرهم: أن بني أسد كانوا عتبوا عليه أمورا من الدين، وعابوها عليه، فرد عليهم قولهم. ويعضد هذا ما ذكره البخاري (2) من حديث جابر بن سمرة، قال: شكا أهل الكوفة سعدا حتى ذكروا: أنه لا يحسن أن يصلي، فاستحضره عمر رضي الله عنه فقال: إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي، فقال: أما أنا فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه: ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم، يقال له: أسامة بن قتادة، فقال: أما إذ نشدتنا، فإنَّ سعدا كان لا يسير بالسرية، ولا يعدل في القضية. . . وذكر الحديث.
(7)
ومن باب: الزهد في الدنيا (3)
(قوله: خطبنا عتبة بن غزوان - وكان أميرا على البصرة -) عتبة هذا رضي الله عنه مازني، وحليف لبني نوفل، قديم الإسلام. أسلم سابع سبعة كما
(1) انظره في التلخيص (2805).
(2)
رواه البخاري (755).
(3)
شرح المؤلف رحمه الله تحت هذا العنوان: هذا الباب والذي يليه، وهو بعنوان: باب: ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل الأصبع في اليم.
فَإِنَّ الدُّنيَا قَد آذَنَت بِصَرمٍ وَوَلَّت حَذَّاءَ، وَلَم يَبقَ مِنهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا، وَإِنَّكُم مُنتَقِلُونَ مِنهَا إِلَى دَارٍ لَا زَوَالَ لَهَا، فَانتَقِلُوا بِخَيرِ مَا بِحَضرَتِكُم، فَإِنَّهُ قَد ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الحَجَرَ يُلقَى مِن شَفير جَهَنَّمَ، فَيَهوِي فِيهَا
ــ
قال. وهاجر وشهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدرا والمشاهد كلها، أمره عمر رضي الله عنه على جيش، فتوجه إلى العراق، ففتح الأبلة والبصرة ووليها، وبنى مسجدها الأعظم بالقصب، ثم إنه حج فاستعفى عمر عن ولاية البصرة، فلم يعفه فقال: اللهم لا تردني إليها، فسقط عن راحلته، فمات سنة سبع عشرة، وهو منصرف من مكة إلى البصرة، بموضع يقال له: معذر، ببني سليم، قاله ابن سعد. ويقال: مات بالربذة، قاله المدائني.
و(قوله: إن الدنيا قد آذنت بصرم) أي: أشعرت وأعلمت بزوال وانقطاع.
و(قوله: وولت حذاء) أي: سريعة خفيفة، ومنه قيل للقطاة: حذاء، أي: منقطعة الذنب قصيرته، ويقال: حمار أحذ: إذا كان قصير الذنب، حكاه أبو عبيد، وهذا مثل كأنه قال: إن الدنيا قد انقطعت مسرعة.
و(قوله: ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها) الصبابة، بضم الصاد: البقية اليسيرة، والصبابة، بالفتح: رقة الشوق، ولطيف المحبة، ويتصابها: يروم صبها على قلة الماء وضعفه.
و(قوله: فانتقلوا بخير ما بحضرتكم) أي: ارتحلوا إلى الآخرة بخير ما يحضركم من أعمال البر. جعل الخير المتمكن منه كالحاضر.
و(قوله: فإنَّه قد ذكر لنا أن الحجر ليلقى (1) من شفير جهنم. . . الحديث إلى آخره) يعني: أنه ذكر له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأنَّ مثل هذا لا يعرف إلا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه لم يسمعه هو من النبي صلى الله عليه وسلم، سمعه من غيره، فسكت عنه إما
(1) في صحيح مسلم والتلخيص: يُلقى.
سَبعِينَ عَامًا لَا يُدرِكُ لَهَا قَعرًا، وَوَاللَّهِ لَتُملَأَنَّ، أَفَعَجِبتُم؟ وَلَقَد ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَينَ المِصرَاعَينِ مِن مَصَارِيعِ الجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَربَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأتِيَنَّ عَلَيهَا يَومٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِن الزِّحَامِ، وَلَقَد رَأَيتُنِي سَابِعَ سَبعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى قَرِحَت أَشدَاقُنَا، فَالتَقَطتُ بُردَةً فَشَقَقتُهَا بَينِي وَبَينَ سَعدِ بنِ مَالِكٍ، فَاتَّزَرتُ بِنِصفِهَا، وَاتَّزَرَ سَعدٌ بِنِصفِهَا، فَمَا أَصبَحَ اليَومَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا أَصبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصرٍ مِن الأَمصَارِ، وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَن أَكُونَ فِي نَفسِي عَظِيمًا، وَعِندَ اللَّهِ صَغِيرًا، وَإِنَّهَا لَم تَكُن نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلَّا تَنَاسَخَت حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَاقِبَتِهَا مُلكًا، فَسَتَخبُرُونَ وَتُجَرِّبُونَ الأُمَرَاءَ بَعدَنَا.
رواه أحمد (4/ 174)، ومسلم (2967)(14).
* * *
ــ
نسيانا، وإما لأمر يسوغ له ذلك. ويحتمل أن يكون سمعه هو من النبي صلى الله عليه وسلم، وسكت عن رفعه للعلم بذلك. وشفير جهنم: حرفها الأعلى. وحرف كل شيء أعلاه وشفيره. ومنه: شفير العين. ومصراع الباب: ما بين عضادتيه، وجمعه مصاريع، وهو ما يسده الغلق.
و(قوله: وهو كظيظ من الزحام) أي: ممتلئ منه. يقال: كظه الشراب كظيظا. وقرحت أشداقنا، أي: تقرحت، أي: انجرحت من خشونة الورق. والبردة: الشملة، والعرب تسمي الكساء الذي يُلتحف به بردة، والبرد - بغير تاء -: نوع من نوع ثياب اليمن الموشية.
و(قوله: وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت، حتى يكون آخرها (1) ملكا) يعني: أن زمان النبوة يكون الناس فيه يعملون بالشرع، ويقومون بالحق، ويزهدون في الدنيا، ويرغبون في الآخرة، ثم إنه بعد انقراضهم وانقراض خلفائهم يتغير الحال، وينعكس الأمر، ثم لا يزال الأمر في تناقص وإدبار إلى ألا يبقى على
(1) في التلخيص ومسلم: عاقبتُها.