الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدة ثلاثة أطهار أو ثلاث حيض أو كلاهما:
وقلنا «أو أطهار» ؛ لأن الله أمر بثلاثة قروء، وهو لفظ مشترك فيهما، كحكم شرعي لمسألة واقعية أكثرية بين الناس، فعلم أن هذا اللفظ مقصود بمعنييه.
إذ لا يمكن أن يجمل الله الحكم في مسألة تعم الكافة بتكرار كثير دائم، فعلم حمله على معنيين، ويترك للفقيه تقدير ذلك بحسب مقتضيات المصلحة في اختيار أحد المعنيين أو كليهما.
فمن عمل في العدة بالحيض فقد أصاب ما أمر الله به في اللفظ المشترك (قُرُوَءٍ)، ومن عمل بالأطهار فقد أصاب ما أمر الله به في اللفظ.
وبدليل تأنيث ثلاثة قروء.
والتأنيث في العدد (ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ) لا يكون إلا لمذكر؛ فكان التقدير ثلاثة أطهار وجعل في آية أخرى الأشهر بدلا عن الحيض (وَاللَاّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)(الطلاق: 4)، فدل على جواز العدة بهذا أو بهذا لاقتضاء أحدهما الآخر لتلازمهما طبيعة وخلقة، ولا توصف من لم تحض، أو انقطع عنها الحيض يأساً أو حملاً أنها طاهرة.
= وقد حسن الحافظ في تغليق التعليق (4/ 460) ط/ المكتب الإسلامي قصة خلعها في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه من غير ذكر هذه الزيادة، بل أنها افتدت بما دون عقاص شعر رأسها.
ثم ذكر شاهدا لها في الموطأ ونقل في الموطأ برقم 1176 عن ابن المسيب وابن شهاب وسليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون عدة المختلعة مثل عدة المطلقة ثلاثة قروء. قلت: وبعد هذا التحقيق يتبين ما يلي:
1 -
شذوذ ونكارة زيادة «أن تعتد بحيضة» لمخالفة الضعفاء فيها للثقات ولمخالفة كل من روى القصة من الصحابة.
2 -
نكارة زيادة «وأزيده» ، يعني تزيده على ما أعطاها.
3 -
أن أحاديث زيادة «أن تعتد بحيضة» أعلها وضعفها الأئمة الأثبات، منهم الترمذي والحاكم والذهبي والدارقطني والبيهقي وابن عبدالهادي والإمام أحمد وأبو داود وغيرهم، وهو الراجح، فما ذهب إليه البعض من تصحيح هذه الزيادة غير صحيح، وأما العلامة الألباني فقد صحح في هذا الباب جميع الأحاديث المتناقضة من ناحية الفقه فغفر الله له.
بل لهن حالات أخرى لا توصف إحداهن بحيض ولا طهر؛ لأنه لا تسمى المرأة حائضاً إلا إذا كانت تحيض وتطهر، ولا تسمى المرأة طاهرا إلا إذا كانت تحيض وتطهر.
ومن لا تحيض ولا تطهر هي إحدى خمس نساء:
1 -
اليائسة: وهذه عدتها ثلاثة أشهر بالنص (وَاللَاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَاّئِي لَمْ يَحِضْنَ)(الطلاق: 4)، ولا يقال عنها إنها طاهرة؛ لأنها لا تحيض أصلا.
2 -
الصغيرات: وهذه عدتها ثلاثة أشهر بالنص (وَاللَاّئِي لَمْ يَحِضْنَ)، عطفا على عدة اليائس ثلاثة أشهر.
3 -
الحوامل: وعدتها وضع الحمل (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(الطلاق: 4).
4 -
المستحاضة الدائمة: التي لا تميز بين حيض وطهر، فعدتها بالأشهر.
وأما تكليفها الصلاة والصيام قياسا على أمثالها من نسائها فهو قياس منصوص في الحديث لأجل التعبد احتياطا ولا يعتبر في حساب العدة؛ لأنه لا عدة إلا بيقين.
5 -
المُطهَّرات: وهن الحور العين، سمين بذلك لعدم دورة الحيض والطهر فيهن بل هن مطهرات منه خلقةً (وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ) (آل عمران: 15).
ومن استدل بأن المقصود الطهر في الآية بدليل تأنيث لفظ ثلاثة قروء؛ لأنه لا يؤنث إلا المذكر، استُدِل عليه بجعل الأشهر بدلا عن الحيض (وَاللَاّئِي لَمْ يَحِضْنَ) (الطلاق: 4) وبأن ثلاثة نص عددي قطعي، ولا قطع إلا بعدد الحيض لا بالطهر.
والصحيح أن الله سبحانه في قوله (ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ)(البقرة: 228) لو أراد الحيض لذكر اللفظ «ثلاث قروء» لأنه بلسان عربي مبين.
فلما أنثه علم أنه الطهر، ثلاثة أطهار تامة، ولما جعل الأشهر بدلا عن الحيض علم أنه الحيض فجاز الأمران.
وقلنا «تامة» ؛ لأنه الأصل في الإطلاق؛ ولأنه لا يخرج من العدة إلا بيقين، والتمام هو اليقين.
وتمام الثلاثة الأطهار تقتضي ثلاث حيض تامة قطعا، وثلاثة أطهار تامة قطعا.
ولا يمكن أن يكون هناك ثلاثة أطهار تامة قطعا إلا بحيضة أولى تامة، ثم طهر تام إلى
الحيضة الثانية التامة، ثم طهر تام إلى الحيضة الثالثة تامة، ثم طهر تام بنزول أول دفعة دم من حيضة رابعة فهذه غير تامة ولا تحسب.
وهكذا تكون قطعا ثلاث حيض تامات، وثلاثة أطهار تامة؛ فتخرج من عدتها قطعا، ولا يصح إخراجها من يقين الزوجية إلا بيقين العدة؛ فلو تبعضت الأطهار أو الحِيَضُ لم تخرج بالقطع.
ولأن الزوج إذا مات وهي في العدة في آخر طهر بعد مرور ثلاث حيض تامات فلو قلنا «العدة بالحيض» لم ترث، ولو قلنا بالأطهار ورثت.
ولكن لو تم الطهر الثالث ومات بعد نزول دفعة من الحيضة الرابعة فهي لا ترث بيقين، لتيقن ثلاثة قروء تامة من حيض وطهر.
ولا يمكن نقل أحد من أصل قطعي في الحق إلى منعه من الحق إلا بقطع، فلا تمنع الميراث إلا بالقطع.
فدل على عظيم بلاغة القرآن كلام الله في النص على العدد، وهو ثلاثة وفي تأنيثه بالتاء ليدل على القطع في اعتبار ثلاث حيض تامات لا تكون إلا بثلاثة أطهار تامة.
ومن زعم أن في هذا تطويلاً على المرأة رُدَّ عليه: بل هو عين المنفعة؛ لأن فيه عدم الاستعجال في نقض عقدة الزوج، وهذه مصلحة لها، وهذا في الطلاق الرجعي.
وفيه عدم حرمانها من الميراث بالظن لو مات زوجها في العدة، وهذا في الطلاق الرجعي وهو إجماع، وأما في الثلاث والخلعي البائن فيحتاج إلى نوع استنباط، فإن قلنا به فدليله (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة: 234).
فالمختلعة البائن والمطلقة ثلاثا إذا مات زوجها وهي في العدة انتقلت إلى عدة الوفاة، فإذا أُفْتى بهذا لزم العلة في النص وهي (أَزْوَاجًا) فهي زوجته؛ لأنها لو لم تكن كذلك لما اعتدت بالوفاة.
ومعلوم أن كل زوجة ترث، ومن أخرج هذه لزمه الدليل الصحيح الصريح الخالي عن المعارضة، والشرع يؤخذ كله، فمن ألزمها بالعدة؛ لأنها زوجة ومنعها من الميراث فقد أخذ ببعض وترك بعضا، ويحتمل عدم ذلك لأنهن -أي المطلقة ثلاثا والمختلعة البائن بالثلاث