الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحرية لكل إنسان:
وكل مولود يولد حرا، ولا يجوز استعباده، من أية ملة كان.
هذه هي قاعدة الشريعة وأصلها ما روي عن عمر رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟
والأرقاء حررهم الإسلام بإجراءات صارمة مفروضة، فكل عبد لَحِقَ بدار الإسلام مسلما فهو حر «أيما عبد لحق بنا مسلما فهو حر» (1).
وكل رقيق عند مسلم له حق الحرية بتعويض مناسب مُقَسَّط كتعويض لصاحبه عن خسارة ماله؛ لأنه لا ضرر ولا ضرار.
وفَرْضٌ عليه قبول المكاتبة ديانة، أو قضاء.
وفَرْضٌ إعانة صاحبه له بعطاء مالي بالنص (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ)(النور: 33).
وكل امرأة رقيق: لها ذلك الحق، فيكاتبها مولاها وجوبا إن طلبت.
ويزاد في أحكامها أنه لو وطأها مولاها فحملت فهي أم ولد حرة، وولدُها حر.
وجميع أولاد الرقيق أحرار على الأصل، ومن قال إنهم مملوكون أرقاء فقد جاء بشرع من عنده بلا حجة ولا برهان.
ولا أعلم نصا من الكتاب ولا من السنة صحيحا صريحا في ذلك، بل كل مولود يولد على الفطرة، ومن الفطرة الحرية.
(1) - قولنا «فكل عبد لحق بدار الإسلام
…
» فيه أحاديث حسنة صحيحة، فمنها ما أخرجه الإمام أحمد برقم 2229 عن بن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف من خرج إلينا من العبيد فهو حر فخرج عبيد من العبيد فيهم أبو بكرة فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وسنده من طريق متهم وهو شيخه وكان يقويه.
قلت: ولكن له متابعات وشواهد، فمنها ما أخرجه مسدد في مسنده وأحمد بن منيع والموصلي (إتحاف الخيرة المهرة رقم 4542) بطرق صحيحة عن حجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، وهذا سند حسن في الشواهد. روى الإمام مسلم لحجاج مقرونا لضعفه وللاختلاف فيه. قلت: وله شاهد عن علي في الأوسط لابن المنذر برقم 3274 وسنده حسن. وشاهد صحيح من حديث موسى بن عقبة لما سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف. أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1936 وسنده حسن إلى موسى بن عقبة.
ومن اعتدى عليه بضرب أو جرح اقتص بالنص (1)، وهو حرٌ.
ومن قتله قتل به؛ لعموم (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)(المائدة: 45).
ومن لطمه فهو حر للنص «من لطم عبده فهو حر» (2).
ومن ظاهر من زوجته، أو قتل خطأ، أو جامع في نهار رمضان؛ فالواجب عليه:
أولا: عتق رقبة، ثم ما يليها حسب النصوص.
ومن حلف فأراد أن يكفر فمن كفاراته عتق رقبة، وهو أول ما نص عليه من أنواع الكفارة.
وتبين من هذا أن الإسلام حارب العبودية والرق، ودعا إلى التحرر الجبري (فَكَاتِبُوهُمْ)، وهذا أمر جبري عام.
وكل بلاد فتحت فلا يحق سبي نسائها ولا رجالها؛ لعدم الدليل النصي على ذلك من القرآن والسنة ولا الفعلي من الفاتحين.
بل يتعامل بالمثل مع الأنظمة الأخرى في حال حضور النساء والذرية المعركة، أو تسلم بفدية، أو يمن عليها.
ولا تقتل لعموم الآية (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء)(محمد: 4).
وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك في سبايا هوازن (3).
(1) - قولنا «ومن اعتدى عليه بضرب
…
» قلت: الأصل هو القصاص لعموم الأدلة، ولم يأت نص صريح من الكتاب أو السنة الصحيحة يبين عدم القصاص، بل النفس البشرية واحدة، والحديث الذي ذكرناه «يقودكم بكتاب الله» تقدم تخريجه.
(2)
- أخرجه مسلم برقم 4388 عن ابن عمر أنه أعتق مملوكا وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه» .
(3)
- قولنا «وقد فعل ذلك في سبايا هوازن .. » القصة مخرجة في صحيح البخاري برقم 2307 عن عروة أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت بهم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا فإنا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤونا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفعوا إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا.
فالأصل فيه: أنه تعامل بالمثل، مع حق العفو، والفداء، لا القتل بالنسبة للرجال وللنساء والذرية، واحتماله للرجال إن أُعْدِمَ الأسرى في الطرف الآخر (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة: 194).
ويحتمل العفو (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)(الشورى: 40).
فإن لم يحصل فداء للنساء والذرية ولم تعف الدولة وتمن عليهم فإنهم يكونون مواطنين في الدولة المسلمة، فإن استرقت الدولة المقاتلة الأسرى من النساء والذرية أو المقاتلين تعاملت دولة الإسلام بالمثل، ويكون قد فرض عليهم الأمر واقعا وشرعا (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة: 194)، مع احتمال العفو والمن.
ويكون للمرأة سائر حقوقها إن تزوجها.
ويحق لها كذلك طلب المفاداة بالمكاتبة، وفرضٌ قبوله بالنص (فَكَاتِبُوهُمْ).
وإن أراد وطأها فأبت حرم إكراهها؛ لأنه عقد بالرضى لا بالغصب.
أما شراء الرقيق من السوق: فإن اشتراه مسلم فادعى أنه حر وجب إطلاقه إن بين البينة.
وكذا إن كان ذا قرابة للمشتري للنص «ومن اشترى ذا رحم فهو حر» (1).
وإلا فله طلب المكاتبة وفرض قبولها والإعانة للنص.
وكل ما سبق كذلك.
وجميع ذريات الأرقاء أحرار، فإذا انقرض الجيل الأول انقرض الرق في الإسلام بمئة عام.
ولم يبق إلا من خلال بيع الرقيق من قبل الكفار فيشتريه مسلم، فيجري فيه ما سبق من الأحكام وعلى رأسها تحريره بالكتابة.
(1) - أخرجه أبو داود برقم 3951 بسند صحيح عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال موسى في موضع آخر عن سمرة بن جندب فيما يحسب حماد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من ملك ذا رحم محرم فهو حر» .