الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتجارة مباحة على العموم (إِلَاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)(النساء: 29).
ولم يمنع منه مانع شرعي صحيح صريح؛ فبقي حل نقل القدم بعوض على أصل الإباحة التجارية المنصوصة.
فإن انتهى عقده، وأراد صاحب الملك أخذَ العقار فله ذلك، ولا يحق للمستأجر منعه بعلة دفعه لسابق نقل قدم ولو كثيرا.
لأن حبس الحقوق عن أصحابها غصب، وغرامته للسابق الذي دفع بدل الخلو لمن قبله لا يصلح علة لحبس المحل حتى يجد آخر يدفع له بدلا؛ لأن انتهاء العقد يقطع حق المستأجر، ويعيد ملك المنفعة إلى مالك العقار.
وهو على الخيرة في قبضه لنفسه أو عقده لمستأجر آخر؛ ولأنه لا تصرف في مال أحد تصرفا شرعيا إلا بولاية نظر، أو وكالة، أو عقد منفعة بعوض أو بغير عوض.
فولاية النظر تكون على مال القاصر أو السفيه بأمر الحاكم، والوكالة عقد تصرف مشروط للغير نيابة عن المالك. وعقد المنفعة بعوض كالإجارة، وبغير عوض كالهبة والعارية والعمرى والرُّقبى.
وكان تصرف المستأجر بعقد منفعة بعوض، وقد انتهى ولا تعلق له بصورة شرعية أخرى مما سبق ولم يبق سوى الغصب.
فإن كان العرف جاريا بين الناس في هذه الإجارة أن له حق الانتظار لمستأجر آخر يبيعه بدل الخلو جاز؛ لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا؛ ولأن الشروط التجارية في عرف التجار كالمنطوقات.
إلا إن تيقن أن صاحب الملك يقبضه لنفسه فله انتزاعه منه، ولا يجب عليه تعويضه ببدل نقل القدم، إلا إن كان على جهة الصلح والمطايبة؛ لأن الصلح خير كما في النص (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (النساء: 128)، وهذا عام.
ثالثا: حق الشفعة:
وهو حق مترتب على مال بالجوار المشترك، أو الشراكة المشاعة، ويُثْبِتُ تقديماً في الشراء ولو بفسخ شراء أجنبي.
فقولنا «مال بالجوار المشترك» قلنا ذلك عملا بحديث «الجار أحق بسقبه» (1)، وقد أطلقت الحنفية الشفعة بالجوار بهذا، ومنع الأئمة الثلاثة الشفعة للجار؛ لحديث جابر «إذا وقعت الحدود والطرقات فلا شفعة» (2).
والصحيح الذي نراه مطابقا للنصوص جميعا ومطابقا للواقع العملي أن الجوار إذا كان منفصلا بالمداخل والمخارج ولم يبق بينهما سوى لفظ الجوار فلا شفعة. وعليه صريح حديث جابر.
أما إن كان الجوار مشتركا في نفس الأرض، ولا تفصل بينهما سوى علامة من وضع حجر، أو غرز حديدة، أو علامة شجرة، والمداخل والمخارج مشتركة فهذه يشفع فيها بالجوار وعليها يحمل حديث «الجار أحق بسقبه» .
ولذا قلنا في التعريف بالجوار المشترك، احترازا عن الجوار المنفصل.
وقلنا «أو الشراكة المشاعة» : وهي ما قبل القسمة بين الشركاء، فالشفعة فيها مشروعة بدلالة النصوص والإجماع.
وإطلاق النصوص يدل على إثبات حق الشفعة ولو قل النصيب، فإن كان الشركاء جماعة وشفعوا جميعا جاز على عدد الرؤوس بالتساوي وجاز على حسب نسبة ملك كل شخص لاندراج هذه الكيفية في عموم الإطلاق بلا تفصيل، فعلم جوازهما؛ ولدخولها تحت قوله تعالى (عَفَا اللَّهُ عَنْهَا) (المائدة: 101).
فكل مسألة لم يحرمها الله فهي من العفو بالنص.
فإن اختصموا فالقول قول صاحب الملك في اختيار الأنسب له؛ لأن له حق تقدير دفع
(1) - أخرجه البخاري برقم 2258 عن عمرو بن الشريد قال وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا سعد ابتع مني بيتي في دارك فقال سعد والله ما أبتاعهما فقال المسور والله لتبتاعنهما فقال سعد والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة، أو مقطعة قال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمئة دينار ولولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «الجار أحق بسقبه» ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطى بها خمس مئة دينار فأعطاها إياه.
(2)
- أخرجه البخاري برقم 2213 عن جابر رضي الله عنه جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل مال لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.