الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة ..
الإعلان الكبير للحساب الختامي
انفجار عملاق مرعب، ظلمات وظلمات، يتحول فيه البحر إلى حريق ناري مسجر، والصم الرواسي إلى ذرات هوائية محمولة.
إنه إعلان عن انتهاء فترة الحرب الابتلائي بين الحق والباطل، إعلان عن انتهاء ظلم الظالمين ومكر الماكرين، إعلان عن سقوط التيجان، والعروش والقروش، إعلان عن انتهاء معاني المال والأعمال.
إنه اليوم العالمي الخاتم المصيري: يوم جني، إنسي، طيري وحشي حيواني، ملائكي رباني.
يوم عالمي: لسائر الأديان يقضى فيهم بالحق في أعلى محكمة، وأعدل محكمة، وأرحم محكمة، وآخر محكمة بلا استئناف، مدتها خمسون ألف سنة، النظر فيها لواحد والفصل لواحد والقول لواحد، والملك لواحد، يحاسب العوالم فيه بأدق التفاصيل الذرية، واحد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
إنه يوم عالمي: تجتمع فيه الزعامات والحكام بعد انتهاء مدة حكمهم الانتقالية، فهم اليوم محكومون موقوفون مسئولون.
إنه يوم عالمي: تسلم فيه العهد والأمانات وتورد إلى خزائن ملك الملوك، فتتضح بهذا التوريد كافة الخيانات، والاختلاسات.
يوم عالمي: تنتهي فيه جميع القيم الأرضية، فلا حاكم ولا محكوم ولا لبس ولا لباس، ولا أحذية ولا نعال، ولا شبهات ولا شهوات، «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً» (1).
(1) - أخرجه مسلم برقم (7377) من حديث عائشة رضي الله عنها.
يوم الوقوف العالمي: لا يجلس أحد فالكل واقف، إلا الأنبياء والمتحابين في الله -المتباذلين فيه.
يوم الشمس: الناس جميعاً في الشمس المتقدة، لا يستظل أحد إلا من أظلته صدقته، أو كان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (1).
يوم العطش العالمي: الجمهور ظامئ وتكاد تحترق من شد ظمئه الأكباد، وتتشقق الحلوق، فيا سعد من شرب من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم شربة هنية لا يظمأ بعدها أبداً وما أقل ثمنها (2)، وما أبخلنا في دفعه الآن مقدماً، وهو ليس بدينار ولا درهم بل الثمن اتباع الله ورسوله.
إنه يوم الأنانية العالمي: شعار الجميع فيه «نفسي نفسي» ، إلا محمداً صلى الله عليه وسلم فيقول:«أمتي أمتي» (3)، فلك الحمد أن جعلتنا من أمته.
إنه يوم مشهود: فيه خوف وقلق ووجل، ويقول الأنبياء: اللهم سلِّم سلِّم.
لا كلام .. الكل ساكت صامت، (لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَاّ بِإِذْنِهِ) (هود: 105).
يوم النطق بالحكم النهائي: بلا ضمانات، أو كفالات توقف التنفيذ
…
لا وساطة ولا شفاعة إلا من رضي له الرحمن (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَاّ لِمَنِ ارْتَضَى)(الأنبياء: 28) من الشهداء والصالحين والأنبياء والرسل.
يوم القطيعة العالمي: تنقطع فيه كل أواصر القربى، ومعاني الأسرية والنسب، بل يلوذ بالفرار بعضهم من بعض (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (عبس: 34 - 36).
(1) - أخرجه البخاري برقم (660) ومسلم برقم (2427) واللفظ له عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل وشاب نشأ بعبادة الله ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» .
(2)
- أحاديث الحوض رواها أكثر من خمسين صحابيا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي في الصحيحين وغيرها.
(3)
- هذا جزء من حديث الشفاعة المتواتر، وهو في الصحيحين وغيرهما.
يوم الفقر العالمي: الكل فقير لا يملك ديناراً ولا درهماً، فقد وردت العهد المالية إلى خزائن الواحد الأحد، وأصبح الملياردير لا يملك القطمير.
يوم الإفلاس: المفلس فيه من ضرب هذا، وأخذ مال هذا، وظلم هذا، فيقضيهم بتعويضات ليست ذهباً ولا فضة؛ لأنها أغلى منها وأجدى وأنفع، إنها الحسنات، يقول صاحب المال (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ) (الحاقة: 28)، ويقول صاحب السلطان (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ) (الحاقة: 29)، ويقول الله (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) (الحاقة: 30).
يوم تغيير العملة: فلا عقار ولا دار .. لا زرع ولا ضرع .. لا دينار ولا دراهم .. لا عملات سهلة ولا صعبة.
كل هذه لا قيمة لها، إن القيمة اليوم غير هذه، إن الملياردير من جاء بالعمل الصالح كرصيد له غطاء وتأمين في بنك الرحمن بنك وحيد، غير معترف بغيره، فمن كان يضع رصيده في بنوك غيره فكله مال ضائع، يقول الله لهم: اذهبوا إلى الذي كنتم تراؤونهم وتعملون لهم .. فهل تجدون عندهم شيئاً؟
يوم البطاقة العالمي: بطاقة التأمين والأمن الشامل التي ليست للعمر .. بل للأبد، إنها بطاقة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله» (1).
يوم يحمل فيه المجاهدون والمتقون التصريح بالمرور من كل نقاط التفتيش المذهلة.
يوم النور والظلمة: فالمتوضئون لهم أنوار تجري بأيديهم وبأيمانهم (نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(التحريم: 8) ..
(1) - أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (6994) وسنده حسن صحيح، والترمذي برقم (2639) وحسنه واللفظ له عن عبدالله بن عمرو بن العاصي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يارب فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول: احضر وزنك فيقول: يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فقال: إنك لا تظلم قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء.
قراء سورة الكهف كل جمعة يكون لهم بها نور إلى عنان السماء (1)، وهو ظلمة حالكة على غيرهم.
يوم المسئولية: إن المسئولين في الدنيا هم المسئولون يوم القيامة .. فيا ويل من نوقش الحساب وكثر معه التحقيق والتدقيق (2).
يوم اللعن لزعماء السوء من أتباع السوء: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا* رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا)(الأحزاب: 67 - 68).
يوم التغابن: لأن فيه يندم الناس على ما غبنوا أنفسهم وضيعوها.
يوم قراءة التقرير النهائي: (هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ)(الحاقة: 19)، يقرأ كل واحد بنفسه.
إنه يوم الحساب الذَّرِّي الختامي: نعم إنه حساب ذري وحساب ختامي (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(الزلزلة: 7 - 8).
إنه يوم السهر العالمي: لا نوم فيه لأحد (فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ)(النازعات: 14).
إنه يوم قريب: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا* وَنَرَاهُ قَرِيبًا)(المعارج: 6 - 7).
إنه يوم الحرية العالمي: يتحرر فيه الجميع من عبادة أي شيء إلا الله، ومن تعبيد بعضهم لبعض.
(1) - أخرجه الإمام أحمد برقم (15664) بسند صالح في الشواهد والمتابعات من حديث سهل بن معاذ عن أبيه، وأخرجه الحاكم برقم (3392) من حديث أبي سعيد الخدري، وصححه. وفيه نعيم بن حماد فلا يصحح الحديث وهو فيه، لكنه صالح في الشواهد فيكون الحديث بمجموع الطريقين حسن.
(2)
- أخرجه البخاري برقم (103) ومسلم برقم (7406) واللفظ له عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من حوسب يوم القيامة عذب» . فقلت أليس قد قال الله عزوجل (فسوف يحاسب حسابا يسيرا) فقال «ليس ذاك الحساب إنما ذاك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب» .
إنه يوم الحشر: يحشر الأنبياء إمامهم محمد صلى الله عليه وسلم والعلماء يقدمهم اليماني معاذ بن جبل (1)، ويحشر الطغاة وإمامهم فرعون، (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) (هود: 98).
يومٌ آخره جنة أو نار .. وقيل الحمد لله رب العالمين.
(1) - أخرجه الطبراني برقم (16471) عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معاذ بن جبل أمام العلماء برتوة» . قال المناوي في شرح الجامع الصغير: صحيح.
تم بحمد الله