الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَوْحَة الختام .. التعويذ من الطابور السادس
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِن شَرِّ مَا خَلَقَ* وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ* وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ* وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)(الفلق: 1 - 5).
في ذلك وجوب الالتجاء والتعوذ به سبحانه لدفع السوء والمكاره .. والأمر «قل» دال على الوجوب وهذا الوجوب مطلق مستمر استمرارية الفلق وحصول الشرور.
إن هذا الوجوب وهذه الاستمرارية وهذا التعوذ هو الدرس المقدم في هذه السورة.
وفيه على وجه العموم أن هذه الدنيا أصلها قائم على الابتلاء، ومن ذلك الشرور والخيور .. ودفع الابتلاء بالشرور بهذه السورة المباركة .. وفيه أن الله تبارك وتعالى رحيمٌ بعباده حيث أنزل لهم ما يدفع به عنهم .. وفيه العمل بالأسباب الدافعة ومنها هذه السورة والتي تليها.
وفيه حاجة حامل الرسالة إلى التحصن المقوي له على الأمر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مأمور بهذه الاستعاذة لدفع ما يواجه من الكيد والمكر والشر.
وفيه أنه لا يكاد يسلم من شر هذه الأمور حتى الأنبياء والرسل فإذا كان الأمر لهذه الصفوة فغيرهم أولى.
وفيه أهمية هذه السورة والتالية «الناس» ؛ لأنها تعويذ خاص من الله تعالى العالِمِ بالدوافع والموانع والشرور والخيور .. فهذه رقية لا تساويها رقية .. ولا يعادلها تعوذ .. وهذا ما ثبت به النص النبوي كما أخرجه النسائي وغيره (1).
(1) - ولفظ النفاثات يشمل كل ما ينفث في العقد فمنه السحر كما ذكره غير واحد ومنه في عصرنا -والله أعلم- الطائرات النفاثات؛ لأنها تخرج النفث من العقد في داخل مسارات الطاقة، وكذا أنواع الآليات والمسدسات؛ لأنها تنفث في مواصير بها عقد، وكذا يشمل ضغط الدم؛ لأن الدم يمشي عبر الشرايين والأوردة ذات العقد والصمامات، ومنها السيارات ومنها الحنجرة، وما تنفث من أقوال قد تقلب الموازين عبر عقدها المعروفة. ومنها الأفاعي والعقارب التي تنفث السموم من عقدها ولو تأملت في هذه الآية ستجد الكثير والكثير مما يدخل في عموم هذا، ولأن القرآن نزل بلسان عربي مبين فهذه المعاني داخلة تحت هذا الشمول واللفظ. والله أعلم.
إن حمَلَة الدعوة بحاجةٍ ماسة للتواصل الواثق بالله ذي القوة المطلقة، والقدرة المطلقة .. وربنا سبحانه وتعالى يمدهم بهذا؛ لأنه مطلعٌ وعالمٌ بما يكتنف مسيرة الدعوة من الشرور والمؤامرات والحسد والنكايات ووساوس الصدور.
سورة خاصة بالاستعاذة من الشر الكلي العام من كل ما خلق .. فيشمل كل شر حتى شر النفس التي بين جنبيك بما يصيبها من هوى وتخذيل وتثبيط عن المضي في خط الصراط المستقيم.
وهكذا شر الليل المتدفق؛ لأن في الليل تحاك المؤامرات والكيود عادة وتدبر ويخطط لها .. وهكذا كثير من الشرور يحويها الليل وظلمته؛ ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخروج عند هدأة الرجل من الليل (1) .. حتى شر النفاثات والشعوذة والدجاجلة وشر الحاسدين والحاقدين الذين ينفثون كما تنفث النفاثات، ينفثون بحسدهم فيكيلون التآمر والشر .. كل هؤلاء قوى تواجه بالآيات الربانية ..
ثم أفرد سورة مستقلة هي سورة الناس (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ* مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)(الناس: 1 - 6)؛ للاستعاذة من شر الوسواس فقط .. كأنه أخطر الشرور ..
إنه يهاجم من الداخل يغويك .. يربكك .. هذا الذي يزرع الشكوك والظنون ويزرع الأوهام .. وهو خناس -أي يضع الكلمة ثم يخنس هارباً- هذا ما يعطيه اللفظ .. وهو كذلك يفر إذا تذكر العبد ربه كما هو أحد وجهي التفسير، وهو من نوعي مخلوقات التكليف خناس وسواس جني وإنسي .. كلهم يؤدون الطابور السادس ..
(1) - أخرجه الحميدي برقم (1327) بسند صحيح على شرط مسلم، وأبو داود برقم (5106)، وكلاهما عن جابر بن عبدالله مرفوعا بلفظ «أقلوا الخروج بعد هدأة الرجل فإن لله تعالى دواب يبثهن فى الأرض» .
وساوس وظنون وأوهام وأحقاد وتشجيع على المكايد والآثام والظلمات .. وفي طريقنا جميعا .. لكل هذا أمرنا بهاتين السورتين صباحا ومساءا وقاية تامة جدا، إضافة لسورة الإخلاص (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (الإخلاص: 1 - 4)، التي تعني الارتباط بمن له كل الأمر وحده وهو الله، ومن بيده الخلائق .. من إليه تعمد الخلائق فقيرة محتاجة .. ليس له كفؤ في قدرته وأسمائه وصفاته أبدا .. في حفظه .. في لطفه ..
وقد ثبت أنه لا أفضل من هذه التعاويذ .. ولما نزلت هذه السور الثلاث ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سواها وحافظ على هذه السور الثلاث (1) .. فعليك بالاقتداء به تسلم.
الآن إذاً: بادر إلى محاربة الطابور السادس بهذه الثلاثة الأسلحة .. سور الإخلاص .. الفلق .. الناس، ثلاثا إذا أصبحت وثلاثا إذا أمسيت.
(1) - أخرجه النسائي في الكبرى برقم (7804) والترمذي برقم (2058) عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما. قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب. قلت: هو حسن صحيح، وقد ورد في فضلهما غير هذا من الأحاديث الصحيحة التي تدل على كثرة قراءته صلى الله عليه وسلم لهذه السور الثلاث.