الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهاتف كان جمعهما بالإجبار حينئذ حيلة لإنفاق السِّلَع؛ ولحصل اختلال في ركن الرضى، فحرم؛ ودخل في بيعتين في بيعة وهو منهي عنه.
ويجوز إجراء عقد على توفير الخدمة باشتراك شهري مقطوع، سواء حصل الاتصال أو لا.
نظيره إيجار عقار؛ فيجب الدفع لمجرد القبض، ولو لم يسكن.
والجمع بين اشتراك شهري وشراء وحدات جائز -كذلك- على الأصل إن كان عن تراض وكان للاشتراك ميزة على غيره؛ فإن لم يكن له ميزة فهو أكل للمال بالباطل؛ لأنه بلا عوض.
وخدمات الانترنت: منفعة معتبرة جرى عليها التعامل المعاصر تجارةً، وصارت من حاجيات العصر كوسيلة لإقامة خدمات العالم اقتصاديا، ومدنيا، وعلميا، وتجاريا، وسياسيا، واجتماعيا.
والخدمة تزود بعقد معاوضة مقصودها الربحية.
فهي مال متقوم من نوع المنافع يعاوض عليه بالثمن.
والأصل فيها الإباحة، كانت باشتراك مقطوع أو بالدفع المسبق أو غيره.
وإبرام عقود المعاوضات من خلاله جائزٌ في حال جريان التعامل به والوثوق بالمصدر، وقد سبق (1).
عقد الاعتماد المستندي:
الاعتماد المستندي هو عقد على خدمة يقوم بها البنك للعميل المستورد سلعة علتها تسهيل التجارات الدولية وموثوقية مطابقة مواصفات البضاعة للمستورد المشتري وموثوقية استلام ثمنها للمورد البائع.
فهذه علتها الأصلية. وأما أركانها فهي: المستورد، والبنك، والسلعة، والمورد، والعقد مع البنك.
أما المستورد فهو طالب السلعة. وهو مشترٍ. وأما المورِّد فهو بائع السلعة. وأما البنك فهو وكيل وضامن في الجملة بأجرة، ولأن البنك ضامن ووكيل على الطرفين فإنه لا بد له من ضمان على ما يدفعه.
(1) - انظر فقه التكنولوجيا.
فيطلب من المشتري المستورد ضمانا على تغطية القيمة التي سيقدمها عنه البنك، وعلى أثره يقوم البنك بإصدار مستندات توضح الدفع والملكية للمستورد وله أن يحجزها عنده كرهن حتى الدفع.
ويقوم بإشعار الطرف الآخر المورِّدِ بذلك، أي بالدفع وما يتعلق بإتمام العملية، ويأمره بإرسال وثائق الشحن، فإذا تأكد البنك من المطابقة وتمام العملية حول له القيمة على بنك آخر أو إليه مباشرة.
فإن دفع المستورد كامل الثمن للبنك فظاهر، أو دفع جزءا ودفع البنك ما تبقى طلب منه ضمانة لتغطية ذلك.
وللبنك أن يسلك مسلكا آخر، وهو أن يشتري السلعة ثم يبيعها للمستورد بالمرابحة.
أو يقرض المستورد القيمة، ويكون وكيلا في بقية الإجراءات بعوض مالي.
وجميع الصور جائزة.
فإن أقرضه المبلغ وفرض عليه فائدة على المبلغ فيمكن القول بالبطلان.
ويمكن القول بالجواز لأن المعاملة ليست قرضاً إنما هي شراء لشخص، وتقديم الثمن ثم أخذ أجرة على عملية الوكالة وإجراء الاعتماد المستندي.
وما أجاز خير مما منع؛ لأن الأصل الإباحة.
وقد أجاز العلماء «تصدق بدارك عني، واشتر لي كذا» والتقدير: بعني دارك، وثمنه قرضةً عندي ثم كن لي وكيلا في التصدق به. والتقدير في الآخر: أقرضني واشتر لي كذا وكذا به، وأنا أعطيك القرض وأجرة السعاية في الشراء.
فليست الأجرة على مجرد القرض، وإنما هي مقابل عمل معتبر شرعا وعرفا.
أما عقد الضمان: فهو إحدى عقود الخدمات التجارية اليوم، وهو متداخل في كثير من العقود والخدمات.
فقد يكون أصل العقد بيعا مع ضمان السلعة، أو الجودة، أو العيب، وهو جائز.
وقد يكون عقدا مستقلا، وهو عقد ضمان أجنبي عن آخر، إما ضمانا ماليا أو ضمانَ
إيصال، وهما: عقدان في الفقه.
ويجوز أخذ العوض المالي مقابل الضمان؛ لعدم ورود المانع الصحيح الصريح عن ذلك.
ولجريان التعامل التجاري عليه؛ إذ أصبح عقد الضمان أحدَ المعاملات التجارية الربحية؛ فيشملها النص (إِلَاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)(النساء: 29).
وخطاب الضمان البنكي بعوضٍ جائز؛ لأنها أجرة للبنك على إصداره، والقيام مقام الوكيل في الدفع؛ فالأجرة ليست على فائدة المبلغ الذي يدفعه البنك، بل هي عمولة على عمل يقوم به البنك هو الوكالة في كافة الإجراءات المتعلقة بالخطاب والدفع أمام المستفيد، وكل ما يمكن شرطه عليه مقابل ذلك وعليه فالأصل فيه الإباحة.
وهو عقد وكالة واضح والأجرة عليها.
وللوكيل أن يقدم من ماله عن الأصيل ما هو مفوض فيه، ويكون قرضا، ومن ادعى المنع لزمه الدليل القائم الخالي عن المماثل والمقاوم.
وعقد التأمين: عقد جديد تجاري قائم على الربحية في الأصل. مقابل تقديم خدمة دفع المفاسد عن العميل طالب التأمين في مجال معين. ولا أجد فيه مانعا من الموانع الخمسة المعتبرة التي يدور عليها المنع الشرعي وهي: مانع الربا في الدين والعين الربوية المحددة شرعا في النص، ومانع كون المعقود عليه محرما بالنص، ومانع كون العقد من الميسر وهو القمار، وكون العقد من الغرر الفاحش الذي يضر بأحد الطرفين بما لا يتسامح فيه وهو نوع من الميسر.
ومانع اختلال الرضى بخلل الأهلية أو خلل ما عقد عليه.
ومانع الضرر العام على السوق أو الناس أو الدين أو الأخلاق والمكارم.
أما أن تجعله عقدا آخر قديما ثم تُورِدُ عليه مانعاً؛ فهذا خلاف الحقيقة؛ لأن محل التحقيق هو في هذا العقد بكيفيته الآن لا على عقدٍ آخر قديم.
فورود المانع عليه لا على هذا العقد.
ولأن الأصل الإباحة بيقين؛ فمن نقله عنها احتاج إلى دليل.
ولأنه عقد تجارات، وركنها الرضى وعدم الموانع؛ والرضى موجود، والموانع غير موجودة.
فالربا لا يوجد فيه لأنه ليس قرضا، ومن حرمه لذلك فقد حرم عقدا آخر؛ لأن عقد التأمين ليس بعقد قرض أصلا، بل هو عقد بيع منفعة معروفة المحل معلومة غايتها القصوى والدنيا.
ولأن القرض قائم على «أقرضني» كذا، ولا تقول شركات التأمين ذلك، بل تقول أقدم خدمَة دفع الضرر عنك الأقصى والأدنى. وما بينهما في نفسك، أو مالك، وقيمة الخدمة اشتراك سنوي، أو شهري بمبلغ معين.
والشريعة ما جاءت إلا لدفع المفاسد والضرر، وعمل شركات التأمين كذلك.
ولأن مصالحها غالبة للطرفين، والشريعة راعية للمصالح.
ولأنها ليست بيع نقد بنقد حتى تجري فيه أحكام الصرافة، ولا بيع نقد بسلعة تجارية يلزم قبضها عاجلا أو مؤجلا.
فلا يجري عليه المانع، ولا بيع محرم عينه بالنص، ولا بيع قمار؛ لأنه غير دافع مالا مقابل سلع متعددة بالحظ.
ولا غرر فاحش فيه يؤدي إلى الضرر بأحد الطرفين.
بل هو محدد بأعلى وأدنى وما بينهما، وبشكل مدروس وعوض مرض، لدفع الضرر حال حصوله.
ولأن بيع المنافع أوسع من بيع الأعيان، والجهالات فيها أوسع.
ولذا شرط للعامل جزء الربح مع جهالة عمله في المضاربة، وجهالة هل يربح أو لا؟
وجهالة كثير من الجهد الذي يبذله العامل في المساقاة، كلها بالتقدير العام بحد أعلى وأدنى وغالب متوسط، وجواز الأجرة على الرقيا بالنص مع جهالة القدر وجواز الأجرة للوكيل على الخصومة، والمحاماة، وجواز الأجرة على الاستصناع وهو بيع وأجرة مع جهالة تفاصيل الجهد والمواد إلا بتخمين عام كلي بحد أعلى وأدنى.
وجواز رد القرض من جنس آخر إن رضي المقرض حال الدفع.
والتأمين يغتفر فيه الجهالات التفصيلية؛ لأنها معلومة بالتحديد الكلي كحد أعلى وأدنى ومتوسط.
كما تغتفر تلك الجهالات التفصيلية فيما سبق، ولأنها جهالة لا تؤدي إلى ضرر ولا خصومة على الطرفين.
وأعظمُ دليلِ مَنْ مَنَعَها جَعْلُها عقدا قديما كالقرض، ثم إنزال أحكام القرض عليه.
وهذا خطأ فقهي أثر على الاستنباط والاجتهاد حتى في العقائد؛ إذ هرب فريق إلى التأويل أو التعطيل؛ لأنهم ألزموا أنفسهم تشبيه الصفات الرحمانية بالصفات المخلوقة؛ فأوجبوا القياس فيما لا يجب، وكذلك هنا لا يوجد نص لا يبيح العقود إلا إذا خرجت على عقد مسمى فقهي، بل جعل الشرع الأصل الإباحة التجارية العامة؛ ثم فرض ركن الرضى، وامتناع موانع محددة إن خلا عنها العقد فهو شرعي صحيح.
فكل عقد تجاري في العالم أصله إلى يوم القيامة (إِلَاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)(النساء: 29)، (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة: 275).
فإذا وجد مانع شرعي وهو أحد الخمسة الموانع اليقينية حرم، ولا يحرم حتى يكون المانع موجودا يقينا أو قريبا منه، وقد بينا ذلك فيما مر.
أما الاحتمال والتخمين والشك فهو مذموم (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)(النجم: 28)، (وَإِنْ هُمْ إِلَاّ يَظُنُّونَ) (البقرة: 78)، (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات: 12).
وإذا أردت أن تعرف حكم أي عقد شرعا، فهب أنه مباح على الأصل ثم اعرضه على الموانع الشرعية؛ فإن سلم بقي على يقين الإباحة.
وأما عقود التسويق والوساطة التجارية والدعاية والإعلان فلا غبار على جوازها؛ لأنها إجارة على عمل معين، فإن اقترنت بصناعة الإعلان ومواده مع نشره وتوزيعه والترويج له فهو عقد جامع لمعان كعقد الصناعة والإجارة، وهو صحيح على الأصل، ولعدم الموانع، ولا حاجة لتخريجه على الإجارة أو الوكالة أو الاستصناع حتى يحل؛ لأنها عقود تفتقر إلى الدليل وليست هي الدليل.
فإن كان مفوضا بالبيع فهو وكيل بأجرة، ويجوز أن يجمع بين التسويق ووكيل البيع